07-سبتمبر-2020

اتهامات لمؤسسات التعليم الخاص بالاستغلال والتعسّف (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

"طالبتني إدارة المدرسة الخاصة بدفع رسوم شهريْ أفريل وماي الماضيين للحصول على دفتر أعداد ابني، أو للحصول على الملف المدرسي في حال نقلة التلميذ من المدرسة"، هكذا تحدّثت مديحة واحدة من أولياء كثر يواجهون نفس المشكل، وهو مطالبة مؤسسات التعليم الخاص من الأولياء خلاص رسوم الثلاثي الثالث رغم إقرار الحجر الصحي الشامل وإنهاء السنة الدراسية منذ يوم 12 مارس/آذار 2020. بل ورفّعت هذه المؤسسات، في مستهل العام الدراسي الجديد، في معاليم التدريس، كما فرضت خلاص رسوم العام كاملة.  

أثار موضوع دفع رسوم "ثلاثي لم يدرّس" تفاعلًا خلال شهريْ أفريل وماي الماضيين، قبل أن تحسم وزارة التربية، حينها، بتأكيدها تكليف التفقدية العامة لإجراء بحث في هذا الموضوع، مبينة أن العقوبات قد تصل لحد سحب الترخيص من المؤسسة التعليمية الخاصة.

مديحة هي واحدة من عدد كبير من الأولياء الذين تعرضوا لضغط مؤسسات التعليم الخاص لدفع رسوم الثلاثي الأخير من العام الدراسي الفارط رغم عدم تدريسه بسبب أزمة كورونا

ولكن رغم ذلك، وجدت مديحة ولية تلميذ يدرس بالسنة الأولى من التعليم الابتدائي نفسها مجبرة على الخلاص بتعلة قيام المدرسة الخاصة بدروس دعم لإنهاء البرنامج أو تصنيف التلميذ خلال السنة الدراسية المقبلة، وقد دفعت معلوم 340 دينارًا للشهر الواحد.

تحدّثت مديحة لـ"الترا تونس" عن صدمتها عندما تحول المشكل المادي إلى تهجم أخلاقي نال ابنها بسبب نقل ملاحظتها على منصات التواصل الاجتماعي. وقالت إن طاقم المدرسة وصف ابنها بأنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، بل وهدّد بنشر بطاقة أعداده على مواقع التواصل الاجتماعي.

دفع الخلاف الذي انطلق ماديًا محدّثتنا إلى الحسم في أمر متابعة ابنها الدراسة في المؤسسة الخاصة لتنقله إلى المدرسة العمومية، خاصة بعد إخضاع ابنها إلى امتحان مستوى.   

ومحدثتنا هي واحدة من عدد كبير من الأولياء الذين تعرضوا لضغط مؤسسات التعليم الخاص لدفع رسوم الثلاثي الأخير من الموسم الدراسي الفارط رغم عدم تدريسه بسبب أزمة كورونا.

اقرأ/ي أيضًا: العودة المدرسية زمن كورونا: المسؤول يطمئن والوليّ متوجّس

سلوك مرفوض.. لكنه أمر واقع!

رضا الزهروني، رئيس جمعية الأولياء والتلاميذ، قال إن المشكل لم ينته بنهاية العام الدراسي المنقضي وإنما تواصل إلى العام الجديد عبر مطالبة الأولياء بخلاص الثلاثي الأخير من العالم الفارط وكذلك خلاص السنة الدراسية الجديدة كاملة، بعد أن كان بإمكان الأولياء تسديد المعاليم بالثلاثية أو بالشهر.

ولفت الزهروني، في تصريحه لـ"الترا تونس"، أن "هذا البيع المشروط أصبح بمثابة الأمر واقع، وهو لا يهم أغلبية الأولياء من ميسوري الحال بما يفرضه من أعباء مالية أمام أولوية نجاح أبنائهم. وعلى القلة الباقية مجاراة هذا الوضع لضمان استمرار دراسة أبنائهم" مؤكدًا أن الدولة على دراية بهذا الوضعية.

رضا الزهروني (رئيس جمعية الأولياء والتلاميذ): البيع المشروط أصبح بمثابة الأمر واقع وهو لا يهم أغلبية الأولياء من ميسوري الحال

وأضاف محدثنا أن التصرف في القطاعات الخاصة هو من مشمولات الدولة عبر التدخل في الجوانب الضرورية لمساعدتها على تجاوز الصعوبات، خاصة وأن هذا القطاع الخاص يحمل جزءًا هامًا من أعباء قطاع التربية خاصة لمن لم يجد حاجته في القطاع العام.

في السياق ذاته، علّق رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي عن موجة من الشكايات الواردة على المنظمة بخصوص زيادة المؤسسات التربوية في معاليم الترسيم وفرض خلاص السنة الدراسية كاملة قبل الانطلاق في الدراسة.

وأكّد، في تصريح لـ"الترا تونس"، أن المستهلك لا يمكنه خلاص خدمات لم ينتفع بها، وأن المنظمة ترفض أن يتحمل الحريف تبعات أزمة الكوفيد 19، وإنما على الدولة التكفل بالتعويض للمؤسسات المتضررة. ودعا المواطنين إلى التظلم لدى وزارة التربية ضدّ محاولات الضغط.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا تتكاثر مؤسسات التعليم الخاص بشكل متواصل؟

ورفضت المنظمة التونسية للتربية والأسرة من جانبها الإجحاف في حق المواطن، وقال رئيسها محمود مفتاح إن المؤسسات الخاصة رغم أنها رافد من روافد التعليم إلا أنها لا بد أن تساند أبناءها وتتفهم ظروف المواطن المتأثر هو الآخر من الوضع الصحي وتبعاته.

ولفت محّدثنا إلى أن الضغوطات المادية التي تمارسها المؤسسات الخاصة على الأولياء مرفوضة خاصة إذا تعلق الأمر بالتلميذ الذي قال إنه خط أحمر.

لكن المكلف بالإعلام بوزارة التربية محمد الحاج الطيب أكد في تصريح لـ"ألترا تونس" أن الوزارة لا تتدخل في العلاقة المالية التعاقدية بين الأولياء والمؤسسات الخاصة، ملاحظًا أن علاقتها فقط بيداغوجية، مؤكّدًا ضرورة رفض الخدمات المشروطة.

محمد الحاج الطيب (وزارة التربية): الوزارة لا تتدخل في العلاقة المالية التعاقدية بين الأولياء والمؤسسات الخاصة

وقال الحاج الطيب إنه يمكن للأولياء الذين تعرضوا لمقايضة بوثائق مدرسية تقديم شكاية لدى المندوبيات الجهوية للتربية، دون أن يقدم إحصائيات عن الشكايات الواردة على الوزارة أو العقوبات المتّخذة في حق المؤسسات المخالفة منذ شهر أفريل الماضي في علاقة بهذا الموضوع.

ويحدد الفصل الأول من الأمر عدد 486 لسنة 2008 المؤسسة التربوية الخاصة على أنها المؤسسة "التي تسدي خدمات تربوية وتعليمية حضوريًا أو عن بعد بمقابل وبصفة منتظمة".

وكان مدير عام الشؤون القانونية والنزاعات فتحي زرمين قال في تصريح إعلامي إنه "لا يجوز المطالبة بمقابل إلا عند ثبوت أداء المؤسسة التربوية الخدمة"، وكشف عن تلقي الوزارة عديد الشكايات عن إجبار المؤسسات الخاصة الأولياء على دفع معاليم الدراسة للثلاثي الثالث.

وأكّد زرمدين أنه تم تكليف التفقدية العامة الإدارية والمالية لإجراء بحث إداري في الخصوص، موضحًا أنه وإن كانت العلاقة تعاقدية مالية بين المؤسسة الخاصة والولي إلا أن دور الوزارة يكمن في حماية التلاميذ من التجاوزات التي يمكن أن تمارسها المؤسسات الخاصة في حق التلاميذ كحجز الوثائق أو المنع من الترسيم في السنة الدراسية الموالية أو حجز النتائج الدراسية. وقال إن العقوبات يمكن أن تصل إلى حجز الترخيص من المؤسسة.

لكنه أوضح، في سياق متصل، أن مختلف الإجراءات التي تم الإعلان عنها في إطار استراتيجية الوطنية للحجر الصحي الموجه تنسحب على مختلف المؤسسات الخاصة بما فيها التربوية.

تعسّف وتفهّم

في المقابل، نبّه رئيس الاتحاد التونسي لأصحاب المؤسسات التربوية الخاصة عبد اللطيف الخماسي مما أسماها "محاولات الشيطنة" للمدارس الخاصة، وأكد في تصريح لـ"ألترا تونس" أن المؤسسات الخاصة التي تفرض معاليم الثلاثي الثالث هي استثناء، داعيًا الى ضرورة تفهم الظروف وأن الولي هو شريك في العملية التربوية داخل المؤسسة الخاصة.

وأشار الخماسي إلى آثار الجائحة على قطاع التربية والتعليم وما وصفه بالتعسّف على المستويين الابتدائي والثانوي بإنهاء السنة الدراسية يوم 12 مارس/آذار 2020.

وأكّد أن المؤسسة التعليمية الخاصة مرتبطة بهدف بيداغوجي مرتبط بالجودة لضمان استمراريتها، موضحًا أن حوالي 700 مؤسسة خاصة منضوية صلب الاتحاد لم تطلب دفع رسوم ما تبقى من السنة الدراسية.

نبّه رئيس الاتحاد التونسي لأصحاب المؤسسات التربوية الخاصة عبد اللطيف الخماسي مما أسماها "محاولات الشيطنة" للمدارس الخاصة

لكن رئيسة الغرفة الوطنية للتعليم الخاص لطيفة فرحات بوغطاس نفت في تصريح سابق لوكالة تونس افريقيا للأنباء (رسمي) إمكانية إعفاء الأولياء من دفع معاليم الثلاثية الأخيرة بـ"اعتبار أن المؤسسات التربوية الخاصة هي أيضًا من ضمن المتضررين من أزمة كوفيد 19".

بالنهاية، بين اتهامات بـ"الاستكراش" أو "الشيطنة"، لا يجد الأولياء بدّا من البحث عن مخرج لتجاوز المشكل الحاصل، وهو من آثار جائحة كوفيد 19، وذلك بين الاستجابة للطلبات المادية للمؤسسات التعليمية الخاصة، أو العودة من المنتصف إلى المؤسسة التربوية العمومية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فوضى وامتحانات غير مراقبة: أيّ مصداقية للتعليم العالي الخاص؟

التعليم في خطر: ثقافة "الموازي المدرسي" تهدد المدرسة التونسية