على الرغم من مرور سنة على الكارثة التي حلّت بنابل بتاريخ 22 سبتمبر/أيلول 2018 جراء الفيضانات، إلاّ أنّ وقعها مازال مؤثرًا على الموطنين والتجار والفلاحين بالجهة، حتى باتت غيوم السماء كابوسًا بالنسبة لهم، لاسيما وأنّ أضرار تلك الفيضانات مازالت لم ترمم إلى اليوم، ومازال ضحاياها ينتظرون التعويضات اللازمة.
توجس وخوف المواطنين من الأمطار بالجهة جعلهم يتخذون بعض الاحتياطات البسيطة، لاسيما بعد انطلاق موسم الأمطار باكرًا هذا العام، بعضهم شيّد جدرانًا بعلو ربع متر في مدخل البيت ليمنع تسرب المياه، والبعض الآخر تسلّح بأكياس من الرمال كإجراء احتياطي لغلق مداخل البيوت والمحلاّت التجارية في حال هطول الأمطار.
سعيد الضيافي (أحد متساكني نابل): بدأ متساكنو الجهة في أخذ احتياطاتهم منتظرين الاستعدادات اللازمة التي على الدولة أن تتخذها باكرًا هذا العام
وفي هذا السياق، يقول سعيد الضيافي أحد مواطني الجهة لـ"ألترا تونس" إنّ الأمطار التي شهدتها المنطقة في الأيام الأخيرة كانت أمطارًا غزيرة تواصلت لأكثر من نصف ساعة، مما أدّى إلى تسرب كميات كبيرة من المياه إلى بيوت العديد من السكان، لذا بدأ متساكنو الجهة في أخذ احتياطاتهم منتظرين الاستعدادات اللازمة التي على الدولة أن تتخذها باكرًا هذا العام لتفادي حدوث كارثة مثل السنة الماضية".
على صعيد آخر، يشير محدّثنا إلى أنّ "أغلب المتضررين من التجار والفلاحين بالجهة مازالوا ينتظرون وعود الحكومة بصرف تعويضات عن بعض الخسائر التي تكبدوها السنة الماضية".
اقرأ/ي أيضًا: حلق الوادي.. "صقليّة الصغيرة" التي أصبحت مدينة الفوضى الكبيرة
التوجس من خطر الفيضانات
التخوفات من الفيضانات لا تؤرق فقط متساكني ولاية نابل، فقد بات أغلب التونسيون يتوجسون من الفيضانات بعد كلّ بلاغ تحذيري من المعهد الوطني للرصد الجوي بخصوص نزول الأمطار، فأغلب الجهات لم تكن بمنأى عن الفيضانات التي اجتاحت العديد من المناطق وأضرت بالبيوت والمدارس والمحلات والأراضي الفلاحية، وخلّفت ضحايا في عدّة جهات. وما زاد مخاوف الناس هو تحذيرات من موسم شتوي ممطر سيشمل تونس والعديد من بلدان المتوسط، مع إمكانية حدوث أمطار طوفانية وفيضانات ستشمل العديد من المناطق خصوصًا بالشمال.
تلك التحذيرات دفعت إلى عقد اجتماعان الشهر الماضي بين وزارتي الفلاحة والتجهيز حول الاستعدادات لتفادي كوارث بسبب الفيضانات. وقد جمع الاجتماع الأول في وزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية كلّ المندوبين الجهويين للتجهيز والإعلان عن الاستعدادات التي جهزتها الوزارة منها إنجاز 34 مشروعًا لحماية 36 مدينة من الفيضانات بكلفة جملية تناهز 248 مليون دينار.
التخوفات من الفيضانات لا تؤرق فقط متساكني ولاية نابل (مريم الناصري/ الترا تونس)
كما أعلنت الوزارة عن استعدادها لجهر وتنظيف 850 كلم من القنوات بمختلف الأحجام والأودية والمجاري الفرعية، وتنظيف حوالي 32 هكتارًا من أحواض تجميع المياه، وصيانة وترميم ما يقارب 210 منشأة بمختلف الولايات بكلفة تبلغ 8.7 ملايين دينار.
في المقابل تحذّر وزارة التجهيز من السكن قرب الأودية ومجاري الأنهر، الأمر الذي يؤدي إلى عدم انسياب مياه الأمطار في مجاريها الطبيعية، مؤكدة تزايد امتداد وتوسع السكان في المناطق المعرّضة للفيضانات، إضافة إلى تراكم بقايا مواد البناء والأنقاض على الأرصفة وببعض الساحات والطرقات، لذا تعمل الوزارة على التصدّي للمباني العشوائية بالقرب من الأودية أو في مجاريها، بالإضافة إلى تدخّلها أحيانًا للتخلص من مخلفات البناء وغيرها من النفايات في مجاري الأنهر.
منير الريابي (عضو لجنة مجابهة الكوارث): كلّ اللجان الجهوية انطلقت منذ منتصف شهر أوت الماضي في اتخاذ جملة من الإجراءات وانطلقت في الاستعدادات اللازمة لموسم الأمطار
اقرأ/ي أيضًا: يستنشقون "الموت".. هل مواطنو عقارب مواطنون من الدرجة الثانية؟
وقد تمّ الاتفاق في الاجتماع الثاني على الاستعداد لمعالجة النقاط السوداء وإعداد تقرير دوري في هذا الخصوص كل 15 يومًا، وتفقد السدود بصفة دورية بالتنسيق بين الإدارة العامة للسدود والأشغال المائية الكبرى والمندوبيات الجهوية.
أما على المستوى الجهوي، تعقد اللجان الجهوية لمجابهة الكوارث اجتماعات دورية لمتابعة أوضاع كلّ جهة والتركيز على النقاط السوداء التي تشمل أغلب الأودية الخطرة والاتفاق على جهر الأودية ومجاري المياه مع إزالة المصبات العشوائية المحاذية لها.
ويتم التنسيق مع البلديات والديوان الوطني للتطهير ووزارة البيئة إلى جانب الحماية المدنية لتنظيف قنوات تصريف المياه وصيانة "البالوعات" وتنظيف الشبكات العمومية وقنوات المياه المستعملة ورفع الفواضل والأتربة، ليتمّ التدخل كلّ حسب نطاقه وصلاحياته.
وبيّن منير الريابي عضو لجنة مجابهة الكوارث لـ"ألترا تونس" أنّ كلّ اللجان الجهوية انطلقت منذ منتصف شهر أوت/أغسطس الماضي في اتحاذ جملة من الإجراءات وانطلقت في الاستعدادات اللازمة لموسم الأمطار، على غرار إعداد خرائط توضيحية لمجاري الأودية وتحديد المناطق الزرقاء، إضافة إلى معاينة السدود والبحيرات الجبلية تحسبًا لأي طارئ، مع التركيز على المناطق المهددة بخطر الفيضانات، والانطلاق في جهر الأودية ومجاري المياه مع إزالة المصبات العشوائية المحاذية لها وقلع الأشجار.
تشهد أغلب المناطق في الشمال كوارث تضرّ بالفلاحة (مريم الناصري/ الترا تونس)
كما يتضمن برنامج تدخل لجان مجابهة الكوارث وفق محدّثنا صيانة وتسريح البالوعات، وتنظيف الشبكات العمومية وقنوات المياه المستعملة ورفع الفواضل والأتربة التي تساهم بشكل كبير في تعطيل السيلان العادي للمياه.
تهديد سنوي متجدّد
لكن رغم تلك التدخلات الموسمية التي تسبق فصل الشتاء، فإنّ أغلب المناطق لاسيما بالشمال تشهد سنويًا كوارث تضرّ بالفلاحة وبالمواطنين خاصة في الأرياف، إذ يؤكد عامر الكحيلي أحد سكان ولاية جندوبة لــ"ألترا تونس" أنّ "العديد من الأودية بالجهة تشهد ارتفاعًا كبيرًا لمنسوب مياهها في وقت وجيز نظرًا لعدم جهرها وتنظيفها من الأشجار والصخور الكبيرة. ولم تعد تستوعب كميات كبيرة من المياه نتيجة عدم جهرها منذ سنوات". وأضاف أنّها أودية كبيرة تتطلب وقتًا طويلًا وجهدًا كبيرًا لتنظيفها معتبرًا أنها باتت تؤرق المتساكنين.
كما أشار إلى أنّ وادي مجردة يعتبر أيضًا من بين أخطر الأودية على جهة جندوبة وكلّ الجهات التي يمرّ منها، لأنه يشهد فيضانات كلّ عام نتيجة أيضًا الرواسب التي تراكمت فيه منذ سنوات.
ضيف الله (أحد سكان العاصمة تونس): قنوات الصرف الصحي لا تتطلب تنظيفًا بقدر ما تتطلب إعادة تهيئة وتغييرها بالكامل
وفيما يتعلّق ببعض الاستعدادات الأخرى التي تهمّ الأحياء والمدن من بينها تنظيف مجاري المياه وقنوات الصرف الصحي، يقول ضيف الله أحد سكان العاصمة إنّ قنوات الصرف الصحي لا تتطلب تنظيفًا بقدر ما تتطلب إعادة تهيئة وتغييرها بالكامل لأنّها لا تستوعب كميات كبيرة من مياه الأمطار في وقت وجيز.
وأضاف أنّ الحلول الوقتية لم تعد تحلّ مشاكل الفيضانات التي تشهدها أغلب المدن سنويًا ولم تعد تشمل فقط الأحياء العشوائية نتيجة سوء التنظيم العمراني وغياب شبكات الصرف الصحي، بل باتت تسمل أغلب أحياء العاصمة نتيجة قدم كلّ شبكات الصرف الصحي، إلى جانب عدم تنظيف العديد من الأودية الصغيرة الموجودة في المدن.
وفي غياب استراتيجية شاملة من شأنها أن تقي من مخاطر الأمطار الغزيرة التي قد تتعرّض إليها تونس، تبقى مخاوف المواطنين مشروعة ومبرّرة خصوصًا مع تكرّر حوادث الفيضانات التي شهدتها تونس خلال السنوات الأخيرة.
اقرأ/ي أيضًا: