الترا تونس - فريق التحرير
تعالت الآراء الساخرة والهازئة، بعد ما عُرف بـ"حادثة الضبّ"، وما رواه أحد الشيوخ في القناة الوطنية الأولى (عمومية)، 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، يوم الاحتفال بذكرى المولد النبوي، إذ تحدّث الشيخ عن قصة "نطق الضبّ بلسان فصيح، وشهادته للرسول بالنبوّة"، وهو الحديث الضعيف جدًا، بل والموضوع والباطل وفق عديد الفقهاء.
نشطاء ينتقدون دعوة التلفزيون التونسي يوم الاحتفال بذكرى المولد النبوي، شيخًا يروي أحاديث منسوبة كذبًا للرسول
وفي هذا الإطار، كتب الباحث في الحضارة الإسلامية غفران الحسايني، تدوينة مطوّلة عنونها بـ"من أجل تفكير ديني وليس ترديد ديني"، وقال: "..انحدر تفكيرنا العقلاني في الإسلام في تونس خاصة والعالم الإسلامي عامة وأصابه الخمول والدروشة والتسطيح وبرز أدعياء الفقه والترديد والشروح وشرح الشروح والحواشي منذ القرن السابع للهجرة.. فكل ترديد في كلام السابقين دون تفكير يعيد نفس النتائج السابقة في معاداة كل تعقّل وإن كان تعقلًا مؤمنًا لم يذهب في طريق الحياد التجريبي المؤدي بصاحبه إلى الريب والشك الهدام" وفقه.
وأضاف الحسايني: "لقد حدثنا التاريخ عمّن يحاربون كل من يخالفهم بقال فلان وأورد علان فوقفوا في وجه المفكّرين وكتبهم حتى حجّة الإسلام الغزالي بحر العلم أحرقوا خلاصة تجربته الفكرية التي تعادل تقلبات الأمّة في مدّها وجزرها، كتابه (إحياء علوم الدين) واحد من أعظم المدونات الأخلاقية التي كتبت في الإسلام.. قالوا فيها تفلسف، ابن رشد اتهموه بالمنطق فكّفروه وهو صاحب كتاب (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) من حاول جاهدًا الجمع بين الحكمة والشريعة فقتلوا العقل والحكمة وأبقوا على ما يعتقدون أنه نقاء الشريعة" حسب تدوينته.
غفران الحسايني: انحدر تفكيرنا العقلاني في الإسلام في تونس والعالم الإسلامي وأصابه الخمول والدروشة والتسطيح وبرز أدعياء الفقه والترديد والشروح وشرح الشروح والحواشي
وأضاف الحسايني: "كمموا أفواه المتصوفة فاغتالوا روح الإسلام بأبشع مناظر الرجم والإعدام من عذاب الحلاج إلى تسفيه جلال الدين الرومي، وإعدام فريد الدين العطار.. صادروا كتب العلوم عقلية وسفهوها ليضحى الإسلام أعرج بلا عقل، بلا روح بلا منطق بلا جدال فكري وحجاج كلامي بالأدلة العقلية ضد المشككين في الاعتقاد على حد عبارة ابن خلدون.. فأضحت الأمّة عرجاء بلا فلاسفة بلا متصوفة بلا متكلمين بلا مناطقة، ليس لنا إلا الفقهاء وثنائية يجوز أو لا يجوز؟ وما حكم كذا وفاعل كذا؟ خلاصة هذا المسار المرتبك كثرة الترديد والتقليد الأعمى بلا عقل و بلا روح.. حتى أصبح الإسلام غريبًا كأنه دين عجائبي يكرس الخرافة وإيمان البسطاء الذين قد يعتقدون حتى في الخرافة".
وخلُص الباحث في الحضارة الإسلامية إلى أن "ما يجب أن نهتم به، هو الانكباب على دراسة العلوم العقلية والفلسفية والعرفانية التي أنتجها المسلمون والانفتاح على المعارف الإنسانية والعلوم العقلية عسى أن يخرج جيل يفهم الإسلام بعقله وقلبه معًا. جيل يقدر على الإقناع وحمل الرسالة إلى أفقها الكوني ما أسماه العلماء مقام الشهودية على الناس في قوله (لتكونوا شهداء على الناس) ومنطلقها الرحمة لقوله (رحمة للعالمين)".
وتحدّث آخرون عن أنّ المشكل تتجاوز هذا الشيخ للقناة التي استضافته، واعتبروا أنّ "هؤلاء الشيوخ كثر في هذه الفترة من الشعوذة.. كارثة في التلفزة الوطنية تحدث هذه الأيام من برمجة ثقيلة وهزيلة وتبعث على الانزعاج من مستقبل مظلم، عوض أن يكون للإعلام دور لتثقيف المواطن وتوعيته ودعوته لخدمة بلاده، لا أن يتحول إلى أداة تجهيل واستبلاه و ضحك على عقول الناس"، متساءلين عن دور الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا).
وعدّدت الكاتبة آمنة الرميلي عديد القصص التي تم ذكرها في برنامج "نبيّ الرحمة" على القناة الوطنية، فقال: "الخبر الأول.. كلّم الضبُّ الرسولَ صلى الله عليه وسلّم حين سألوه من هذا؟ فقال: هذا رسول الله.
الخبر الثاني: السيدة حليمة قالت: كانت شاة تترك القطيع وتأتي أمام الرسول وهو في حجري فتسجد له
الخبر الثالث: الجذع الذي صُنع منه المنبر الذي يخطب عليه الرسول كان يبكي حين يكون الرسول عليه ويمعن في البكاء حتى يبكي معه المصلّون. ولا يسكت إلا إذا عانقه الرسول".
ودوّن الصحفي نور الدين المباركي على حسابه بفيسبوك، من جانبه: "في حكاية (الضب) ..المشكلة أن التلفزة الوطنية تفتح الباب أمام (رجال دين) لإلقاء الدروس وتقديم القصص وهي تعرف جيدًا تأثير ذلك على العامة.. الثقافة الدينية لجزء كبير من التونسيين مصدرها البرامج التلفزيونية والإذاعية والخطب في صلاة الجمعة، ولهذا وجب دائمًا الانتباه".
وأشار المباركي إلى أنّ "بحثًا صغيرًا على الانترنت يبين أن العديد اعتبروه ضعيفًا وموضوعًا بمعنى منسوبًا كذبًا للرسول"، مستشهدًا بما كتبه الحافظ بن القيم: (وَمِمَّا يَشْهَدُ بِبُطْلانِهِ وَكَذِبِهِ قَطْعًا، أَنَّ غَزْوَةَ تَبُوكٍ كَانَتْ بَعْدَ أَنِ اسْتَوْثَقَتْ أَرْضُ الْعَرَبِ إِسْلامًا، وَأَسْلَمَ حَاضِرُهُمْ وَبَادِيهُمْ، وَفِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ سُلَيْمًا جَاءَتْ لِحَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مِنَ الْمُحَالِ، فَتَبًّا لِوَاضِعِهِ مَا كَانَ أَجْهَلُهُ بِسِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيَّامِهِ!)".
