يتزامن تاريخ 7 ـ 8 ديسمبر/كانون الأول من كل سنة مع ذكرى تحرك شعبي عرفته الدار البيضاء في المغرب وهو تحرك مناهض للاستعمار الفرنسي وتعرض لقمع شديد، بتاريخ 7 و8 ديسمبر/كانون الأول 1952. لكن أي علاقة لهذا التحرك بالشأن التونسي؟ نعود هنا إلى التفاصيل.
في 5 ديسمبر/كانون الأول 1952، أغتيل الزعيم الوطني والنقابي التونسي فرحات حشاد، من طرف منظمة اليد الحمراء الفرنسية في تونس العاصمة. وما يتداول عن اليد الحمراء هو كونها من تكوين أجهزة الاستخبارات الفرنسية وقد نشطت في المغرب العربي ودول أخرى واختصت في تنظيم اغتيالات لرموز الحركات الوطنية هناك.
يتزامن تاريخ 7 ـ 8 ديسمبر من كل سنة مع ذكرى تحرك شعبي عرفته الدار البيضاء في المغرب وهو تحرك مناهض للاستعمار الفرنسي وتعرض لقمع شديد ومثل ردًا على اغتيال فرحات حشاد
كان فرحات حشاد رائدًا على مستوى الحركة العمالية في تونس عبر مساهمته في تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1946 ولكن أيضًا على مستوى شمال إفريقيا.
تجمع عمالي في ذكرى اغتيال فرحات حشاد سنة 2015 في تونس العاصمة (ياسين القايدي/الأناضول)
وكرد على اغتيال فرحات حشاد، دعت الحركة النقابية في المغرب (Union générale des syndicats confédérés marocains) رفقة حزب الاستقلال حينها إلى إضراب عام في المغرب يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 1952، تضامنًا مع التونسيين في صراعهم ضد الاستعمار الفرنسي.
كرد على اغتيال فرحات حشاد، دعت الحركة النقابية في المغرب رفقة حزب الاستقلال حينها إلى إضراب عام يوم 7 ديسمبر 1952، تضامنًا مع التونسيين في صراعهم ضد الاستعمار الفرنسي
ورد في جريدة "العلم" المغربية، صباح يوم الأحد 7 ديسمبر/كانون الأول 1952، إن "الطبقة العاملة وشعوب إفريقيا الشمالية في حداد عميق بسبب الاغتيال الفظيع والوحشي الذي تعرض له أخونا وزعيمنا فرحات حشاد… إن الفقيد معروف في العالم بصفته رمزًا للحرية الوطنية والديمقراطية والاجتماعية"، معتبرة أن الاستعمار، باقترافه هذه الجريمة، كشف "وجهه الدنيء وبرز مرة أخرى بما هو عدو الحرية والتقدم والديمقراطية".
وبعد سرد انتهاكات الحرية وما يعانيه عمال المغرب من أشكال، ورد في نفس الجريدة "إن الاتحاد العام للنقابات المغربية، المعبر الأمين عن مشاعر الطبقة العاملة، يدعو كل العمال ومختلف شرائح الشعب المغربي لجعل يوم 8 ديسمبر 1952 يوم حداد وطني، ويدعو إلى يوم إضراب وطني 24 ساعة للاحتجاج على اغتيال المرحوم فرحات حشاد والمطالبة بتدخل منظمة الأمم المتحدة في الصراع بين الشعبين التونسي والمغربي من جهة والحكومة الفرنسية من جهة أخرى".
تمركزت الاحتجاجات بشكل خاص في حي كان يُعرف بكونه "حيًا من أحياء الصفيح" ويُعرف بـ Carrières Centrales (الآن حي محمدي) في الدار البيضاء
في صباح يوم الأحد 7 ديسمبر/كانون الأول من سنة 1952، اجتمع عدد من العمال، يتراوح بين ألفين و3500 (اختلف الرقم من مصدر إلى آخر)، بشارع "لاسال" المسمى حالياً شارع فرحات حشاد، ونتجت عن ذلك مواجهات مع الشرطة مساء ذات اليوم واستعمل فيها الرصاص الحي وتسببت في عدد من الوفيات والجرحى.
تذكر عديد المصادر أن الاحتجاجات تمركزت بشكل خاص في حي كان يُعرف بكونه "حيًا من أحياء الصفيح" ويعرف بـ Carrières Centrales (الآن حي محمدي) في الدار البيضاء ويسكنه مغاربة قد انتقل بعضهم حينها من الريف المغربي أو نزحوا من وسط المدينة بعد أن استخدمت السلطات حينها وباء "التيفود" كذريعة لتدمير أحياء الصفيح المجاورة لـ "الأحياء الأوروبية" وطردوا سكانها خارج ما كان آنذاك حدود المدينة.
حاصرت الشرطة التحركات الاحتجاجية وقابلها عنف أمني وعدد ضخم من المعتقلين وكذلك وفيات وإصابات
فجر اليوم الموالي الاثنين 8 ديسمبر/كانون الأول 1952، حاصرت الشرطة الحي لكن الاحتجاجات عادت صباحًا ونٌظمت مسيرة متوجهة إلى وسط المدينة، نحو دار الاتحاد، حيث من المقرر عقد اجتماع، وقابلها عنف أمني وارتفاع في عدد الضحايا وعدد المعتقلين.
خلال الأيام التي تلت "انتفاضة الدار البيضاء 1952"، انتشر الآلاف من ضباط الشرطة والجنود في الأحياء المغربية، ووفق عدد من المصادر تعرض عديد المتظاهرين المعتقلين للتعذيب، وحُكم على أكثر من ألف شخص بتهمة المس بأوامر الدولة من قبل المحاكم الاستعمارية. أما عدد المتظاهرين الذين قتلوا خلال هذا التحرك فليس ثابتًا وبينما تذكر مصادر أجنبية أن العدد في حدود 52 من بينهم 7 أوروبيين فقد ذكرت مصادر أخرى أنه يتراوح بين 100 و 300.
تذكر مصادر أجنبية أن عدد المتظاهرين الذين قتلوا في "انتفاضة الدار البيضاء 1952" هو في حدود 52 من بينهم 7 أوروبيين لكن تقول مصادر أخرى إنه يتراوح بين 100 و 300
اعتقال أحد قادة حزب الاستقلال في 9 ديسمبر 1952 (Getty)
شرطي يتحقق من هوية شخص يحاول دخول القسم الأوروبي من الدار البيضاء في 13 ديسمبر 1952 (أ.ف.ب/Getty)
مصطفى بن جعفر (2014): "ننحني بخشوع لشهداء الدار البيضاء الذين سقطوا برصاص الاستعمار الفرنسي يومي 7 و8 ديسمبر 1952 بعد أن هب مواطنو ومواطنات الدار البيضاء في انتفاضة عارمة على الآلة الاستعمارية الغاشمة استنكارًا للاغتيال الفظيع والوحشي للزعيم فرحات حشاد"
إبان الثورة التونسية في 2011، تم استذكار انتفاضة الدار البيضاء 1952 في تونس، من خلال الكلمة التي ألقاها رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، في 31 ماي/أيار 2014، ترحيبًا بزيارة الملك محمد السادس إلى تونس، وقال فيها "ننحني بخشوع لشهداء الدار البيضاء الذين سقطوا برصاص الاستعمار الفرنسي يومي 7 و8 ديسمبر 1952 بعد أن هب مواطنو ومواطنات الدار البيضاء في انتفاضة عارمة على الآلة الاستعمارية الغاشمة استنكارًا للاغتيال الفظيع والوحشي للزعيم فرحات حشاد".
- مصادر:
Casablanca 1952: architecture for the anti-colonial struggle or the counter revolution (Léopold Lambert/ The Funambulist Magazine/ August 9, 2018)
L’impossible contrôle d’une ville coloniale? Casablanca, décembre 1952 (Jim House/ Genèses 2012/1 (n° 86), pages 78 à 103/ 2012)