25-فبراير-2022

واجهت حوادث تعذيب الحيوانات حملات تصدٍ كبرى ومبادرات لحمايتها ورعايتها (صورة توضيحية/ ناصر طلال/ الأناضول)

 

سُلخ جلده عن جسده وهو حي، قُطعت خصيتاه، كُسرت رجله وثُقب بطنه.. تعذيب وحشي تعرض له قط لا ذنب له سوى سواد لونه.. السواد الذي سوّل للبعض التنكيل به، بغاية القيام بأعمال شعوذة وسحر. بمجرد مشاهدة الصور والفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، تتجنب التفكير في حجم الألم الذي شعر به هذا القط والمعاناة التي مر به إلى حين نقله للبيطري ومحاولة إسعافه التي باءت بالفشل!

عبد الباسط الفقيه (مختص في علم النفس) لـ"الترا تونس": هناك أشخاص ساديون، درجة العدوانية لديهم أقوى بكثير من قيم الرحمة والألفة، والاعتداء الذي يستبطنه الإنسان من محيطه، يتحول إلى عُقد يوجهها للآخر من باب التشفي

حادثة الاعتداء على القط تلتها حملة تعاطف كبرى مع هذه الكائنات المضطهدة والتي تتعرض لاعتداء لا إنساني بشكل يومي، كما تواترت الدعوات لسن قوانين تحمي الحيوانات وتسلط أقصى العقوبات على المعتدين عليها، خاصة وأن الاعتداءات اتخذت منحى وحشيًا وإجراميًا غير مسبوق: تسميم وتنكيل وقتل، وحتى اغتصاب، تتعرض له الحيوانات في تونس، يثير أكثر من تساؤل حول أسباب ارتكاب هذه الجرائم البشعة ودوافع إلحاق الضرر بالحيوانات، وكيفية التصدي لمثل هذه الممارسات الشاذة.

يؤكد المختص في علم النفس عبد الباسط الفقيه، أن هذه السلوكيات العدوانية تصنف إلى صنفين، أولها العنف الموجه للآخرين وهو "السادية"، والعنف الموجه للذات وهو "المازوشية"، وهي سلوكيات مرتبطة بطبع الإنسان الذي يحتوي على جانب إنساني وجانب متوحش، "وهناك أشخاص درجة العدوانية لديهم بمعنى السادية، أقوى بكثير من قيم الرحمة والألفة"، وفقه. وأضاف أن الاعتداء الذي يستبطنه الإنسان من محيطه، يتحول إلى عُقد يوجهها للآخر من باب التشفي، لذلك نجد أولياء يعذبون أبنائهم، ورجالًا يعذبون نساءهم، كما يتم تسليط العذاب على الحلقة الأضعف، فمن غير الممكن تعذيب من هو أقوى، وفق تقديره.

صورة لقط وقع تسميمه (هاجر عبيدي/ الترا تونس)

ويتحدث المختص في علم النفس لـ"الترا تونس"، عن غياب أنشطة توجه العدوانية، وبالتالي فهي تبرز في كل مناسبة يكون فيها الضحية غير قادر على رد الفعل، مشيرًا إلى أن ظاهرة الاعتداء على الحيوان موجودة منذ القدم، حتى أنه تم وضع ضوابط للتعامل مع الحيوانات في عهد عمر ابن الخطاب واصفًا مرتكبيها بالأشخاص العدوانيين المعادين لقيم المجتمع.

ويرى الفقيه أن الحل للتصدي إلى هذه الممارسات هو التنشئة على قيم الرحمة والرأفة وسن قوانين تحول دون مثل هذه الاعتداءات، علاوة على أهمية دور الرقيب وهو المواطن الذي يقاوم هذه السلوكيات العنيفة من خلال التصدي والتبليغ. كما لفت المتحدث إلى أن تعذيب الحيوان يتجلى في العديد من الظواهر من بينها تجويع وإيذاء الحيوانات التي تُربّى في المنازل كالقطط والكلاب، وفي المخالفات التي تُرتكب في المسالخ، مشددًا على أن هذه السلوكيات شاذة وتبقى في خانة الاستثناء، فهناك أشخاص يحبون الحيوانات ويرأفون بها، حتى أن العلاقة التي تتكوّن بين الحيوان ومالكه تكون أحيانًا قوية ومتينة جدًا.

اقرأ/ي أيضًا: التعقيم.. طريقة جديدة لمواجهة خطر الكلاب السائبة

  • تنقيح التشريعات ضرورة ملحة

حادثة القط الذي تم تعذيبه ليست بمعزل عن العديد من الحوادث البشعة الأخرى التي ترتكب في حق الحيوان في تونس، ففي شهر جانفي/ يناير 2022، عمد شخص إلى قطع أرجل عنزة دخلت أرضه وأكلت من زرعه، كما تم سنة 2019 الاعتداء على أتانة (أنثى الحمار) بالطريقة نفسها وللسبب نفسه، وهو ما أثار موجة استياء كبرى لدى عموم التونسيين. كما تم سنة 2020 قتل أكثر من 20 كلبًا بطريقة وحشية في ملجأ على ملك سيدة إيطالية تنشط في مجال رعاية الكلاب السائبة، إضافة إلى حادثة تعذيب كلب حتى الموت من خلال رميه إلى كلب آخر من نوع "بيتبول"، وقد تم إيقاف الجناة وإيداعهم بالإصلاحية لعدم بلوغهم السن القانونية. 

اقرأ/ي أيضًا: رحلة صيد برّي.. متعة البحث عن طريدة في مسالك وعرة

ولئن تعددت أسباب ارتكاب هذه الجرائم كالأمراض النفسية والسحر والتشفي من الآخر، فإن سنّ قانون يوقف نزيف هذه الاعتداءات أصبح ضرورة ملحّة في ظل تنامي الظاهرة وإفلات المجرمين من العقاب خاصة في ظل قصور التشريعات الحالية عن ردع المخالفين. وينص الفصل 317 من المجلة الجزائية على السجن لمدة 15 يومًا، "الأشخاص الذين يباشرون على رؤوس الملأ سوء معاملة حيوانات أهلية لهم أو أنيط حفظها بعهدتهم. ويحكم بالعقاب بالسجن في صورة تكرر الفعل".

نائب رئيس جمعية حماية الحيوان بصفاقس لـ"الترا تونس": نتقدم بعديد الشكايات ضد مرتكبي عمليات التعذيب، ونتتّبع جميع الإجراءات القانونية، لكن هذه الشكايات لا تجد أي تفاعل وتبقى حبيسة رفوف المراكز

وقد بيّن نائب رئيس جمعية حماية الحيوان بصفاقس محمد علي بن حمد أن تعذيب الحيوانات أصبح ظاهرة مستفحلة في تونس تستوجب دق ناقوس الخطر في ظل غياب قانون يحمي هذه الكائنات ويجرّم الاعتداء عليها، ويضيف في حديثه لـ"الترا تونس"، أن الجمعية تتقدم بعديد الشكايات ضد مرتكبي عمليات التعذيب، وتتّبع جميع الإجراءات القانونية، لكن هذه الشكايات لا تجد أي تفاعل وتبقى حبيسة رفوف المراكز، وفقه، مضيفًا: "أحيانًا نتعرض للتنمر عند التبليغ عن عمليات تعذيب أو اعتداء على الحيوانات".

وأكد المتحدث أن الجمعية تنشط في مجال إنقاذ الحيوانات التي تتعرض للتعذيب والتنكيل والمتضررة جرّاء الحوادث فتقوم بمعالجتها وعرضها للتبني في تونس وبالخارج، في دول ككندا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، متابعًا أن "الجمعية تُعنى خاصة بالحيوانات التي تعاني من إعاقات وتعرضت لاعتداءات حتى أننا أنقذنا جروًا تعرض للاغتصاب" وفقه.

اقرأ/ي أيضًا: فيديو: "عربات" لمساعدة القطط ذات الإعاقة

  • نقطة مضيئة

على الرغم من أن حوادث تعذيب الحيوانات والتنكيل بهم في ارتفاع مستمر، فإن هذه الحالات الشاذة تواجه حملات تصد كبرى من قبل التونسيين الذين يراعون حرمة جسد الحيوان ويقدمون ما بوسعهم لحماية وإنقاذ هذه الكائنات.

تستهل جيهان الزاوي يومها، وهي التي تنشط في مجال رعاية قطط الشوارع منذ سنوات، بإعداد وجبات قطط الحي الذي تقطنه، فتطعمهم وتتفحصهم الواحد تلو الآخر للاطمئنان على صحتهم وتنشغل كثيرًا لغياب أحدهم خاصة منهم المرضى وصغار السن. هي في تنسيق مستمر مع زملائها المتطوعين لنجدة وإسعاف القطط التي تتعرض لحوادث، والمصابة بمرض، أو التي تتعرض للاعتداء، فلا تدّخر أي جهد في تقديم المساعدة وتلبية نداءات الإغاثة.

جيهان الزاوي (ناشطة في مجال رعاية قطط الشوارع) لـ"الترا تونس": عاينت مرارًا حالات تسميم واعتداء بطرق وحشية، وأرى أن الحل الأمثل هو سنّ قانون يحمي الحيوانات ويسلّط عقوبات على كل من يتجرأ على الاعتداء عليها

تقول جيهان في حديثها لـ"الترا تونس": "أحب القطط منذ الصغر، أعشق تفاصيل وجهها، حركاتها، صوتها، هي قادرة على ملأ فراغ حياتي وإضفاء معنى لها.. أعتني بالقطط بشكل يومي فأوفر لها الطعام والدواء وأعرض المريض منهم على البيطري وأتنقل أحيانًا من مقر سكناي بضاحية المرسى إلى ساحة برشلونة بالعاصمة لإطعام القطط الموجودة هناك.. الإحسان للحيوان والعطف عليه غير مقترن بالوضعية المادية للشخص، فأنا عاطلة عن العمل، وأضغط على مصاريف البيت لأوفر للقطط نصيبًا من المال على الرغم من أن ظروفي لا تسمح بذلك.. أصدقائي المتطوعون يتبرعون أيضًا عندما يقتضي الأمر، لكني لا أطلق نداءات تبرع".

اقرأ/ي أيضًا: عصافير نادرة في المزاد.. إطلالة على سوق الطيور بسوسة

وتضيف المتحدثة أنها تسعى دائمًا إلى حث الجيران والأقارب على الإحسان للقطط، فانخرطوا في الأعمال الخيرية وتعودوا على رعايتها، مشيرة إلى أن ما يحز في نفسها هو قسوة البعض على مخلوقات ضعيفة فيتعمدون تسميمها والاعتداء عليها. تقول: "لقد عاينت في أكثر من مرة حالات تسميم واعتداء بطرق وحشية: فقأ أعين وبتر أعضاء وغيره.. وأرى أن الحل الأمثل هو سنّ قانون يحمي الحيوانات ويسلّط عقوبات على كل من يتجرأ على الاعتداء عليها".

محمود (متطوع في رعاية قطط الشوارع والكلاب السائبة) لـ"الترا تونس":  يُقدم التونسي على تربية الكلاب والقطط "الأصيلة" وينفق أموالًا طائلة مقابل اقتنائها والاعتناء بها مقابل الاعتداء على حيوانات الشوارع

أما محمود فهو شاب ثلاثيني يسهر على رعاية 116 قطًا و8 كلاب بمنزله، كما يساهم في توفير الرعاية لقطط الشوارع والكلاب السائبة ويؤمن لهم الدواء ومصاريف العلاج.. لا يبخل محمود على تلبية نداءات الإعانة في كامل تراب الجمهورية طالما أن قطًا أو كلبًا في حاجة للمساعدة، يقول: "أنا مغرم بتربية الحيوانات ورعايتها منذ الصغر، نشأت في عائلة ترأف بالحيوان فكبر معي الشغف بالعمل التطوعي.. أوفر الطعام والدواء للمتطوعين الذين يعجزون عن توفيره، وقمت بمبادرة فردية تتمثل في إرسال طعام لـ 24 ولاية، تكفل متطوعون بإعداده وتوزيعه على الكلاب والقطط.. نحن نقوم بواجب إنساني هدفه إيجاد حل لحيوانات الشوارع من خلال تلقيحها وتعقيمها حماية للجميع، ورسالة للداخل والخارج تؤكد أن الشعب رحيم وإنساني".

ويضيف محمود في حديثه لـ"الترا تونس"، أن الإقبال على العمل التطوعي ضعيف جدًا نظرًا للعديد من العوامل، أهمها تفاقم عمليات التحيّل التي تعرض لها بدوره، فالأموال التي تُرسل قصد توجيهها للحيوانات، تستغلها أحيانًا أشخاص غير مسؤولة لصالحها، مضيفًا أن حب الحيوان غائب عن ثقافة التونسي الذي لا زال يعتبر أن القط أو الكلب من شأنه أن يلوث المنزل بشعره أو بفضلاته، وحتى حيوانات الشوارع يتم الاعتداء عليها، في المقابل يقدم التونسي على تربية الكلاب والقطط "الأصيلة" وينفق أموالًا طائلة مقابل اقتنائها والاعتناء بها.

صورة لقط بعد إنقاذه (هاجر عبيدي/ الترا تونس)

وأشار المتحدث إلى أن عمليات التعذيب الوحشي تتفاقم يومًا بعد يوم، آخرها عملية التنكيل بقط نفق بعد محاولات عديدة لإنقاذه من قبل طبيب بيطري، يقول محود: "لقد عاينت في أكثر من مرة عمليات تسميم قطط خاصة في موسم التزاوج الذي تصدر فيه القطط أصوات تزعج البعض، وللأسف لا تقوم الجمعيات في تونس بدورها، ولم تجد حلًا مع سلطة الإشراف لسنّ قانون يحمي الحيوانات من الاعتداءات".

واعتبر محمود أن إصدار قانون، هو الكفيل بالحد من ظاهرة التسميم والقتل والتنكيل وردع مرتكبيها، مشيرًا إلى أن نسبة كبيرة من التعذيب دافعها السحر، وفق قوله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ظاهرة تربية الكلاب في تونس.. قصص البحث عن الأمان المفقود

اقتحمن عالم الفروسية فتألقن.. قصص فارسات تونسيات