منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد، ليل 25 جوييلة/يوليو الماضي، تعليق اختصاصات البرلمان في تونس وسحب الحصانة عن نوابه، انقسم النواب بين داعم ومعارض لهذا التوجه، وبدا ذلك جليًّا في تدخلاتهم الإعلامية أو نزولهم للشارع سواء للمعاضدة أو المعارضة.
واعتبرت أغلب الأحزاب والائتلافات الممثلة في البرلمان، إجراءات سعيّد غير دستورية منها حركة النهضة (الحزب الأغلبي في البرلمان) وحلفائها، قلب تونس وائتلاف الكرامة.
وفي مرحلة ثانية بعد تمديد العمل بالإجراءات إلى أجل غير مسمى وتعليق العمل بالدستور وإصدار الأمر الرئاسي 117 في 22 سبتمبر/ أيلول الماضي، الذي جمّع السلطات عند الرئيس، التحق بالمعارضة أحزاب أخرى كالتيار الديمقراطي وكتل برلمانية أخرى.
ووسط هذا المشهد، أصبح الوصول إلى الموقع الإلكتروني للبرلمان مستحيلًا بعد أن تم إغلاقه كذلك إلى أجل غير مسمى، دون أي توضيح ومع عدم إطلاع المشرفين عليه في إدارة البرلمان، وكان ذلك تزامنًا مع دعوة رئيس المجلس راشد الغنوشي النواب إلى العودة إلى عملهم النيابي عن بعد، مع فشل البعض منهم في الدخول إلى المجلس بعد دعوة 1 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أي بعد انقضاء العطلة البرلمانية ومع "انطلاق الدورة النيابية الجديدة".
اقرأ/ي أيضًا: هل يتجه قيس سعيّد نحو تطبيق مشروع "قوى تونس الحرة" في الحكم؟
- أين ذهب نواب الشعب؟
تواصل "الترا تونس" مع مجموعة من النواب لمعرفة أخبارهم وكيف يقضون أيامهم بعيدًا عن البرلمان، لكن أغلبهم لم يتجاوب مع السؤال. وقال بعضهم على غرار النائب نعمان العش عن التيار الديمقراطي إنّه "أمر شخصي ولا يهم أحدًا".
في المقابل قالت النائب عن كتلة الإصلاح في مجلس نواب الشعب، نسرين العماري، إنّها تقوم برعاية طفلها وإنّ تعليق البرلمان مثل فرصة لها للبقاء معه لوقت أكثر، والبقاء مع العائلة عمومًا.
النائب نسرين العماري قالت إنها تقوم برعاية طفلها وإنّ تعليق البرلمان مثل فرصة لها للبقاء معه لوقت أكثر، والبقاء مع العائلة عمومًا
وبينت أنّ "تعليق البرلمان لا يمثل عائقًا بالنسبة إليها لأنّ دورها كسياسية لا يقتصر على العمل البرلماني خاصة أنّها مازالت قادرة على تقديم المزيد والمشاركة أكثر في الشأن العام".
وأكدت أنّها "تتواصل مع زملائها من السياسيين في الكتلة مع حضور إعلامي أحيانًا". مشيرة إلى أنّ المهم أن تكون البلاد في الطريق الصحيح نحو ترسيخ الديمقراطية، وفقها.
كما قالت النائب عن حركة النهضة حياة العمري، إنّها كانت مهتمة بالعمل البرلماني والجهوي في ولايتها في سيدي بوزيد بنسبة 90 في المئة، لكنها اليوم تعيش بين العائلة وأبحاثها ومتابعة الشأن العام.
وذكرت أنّها قلقة على وضع البلاد لأنّ الاختلاف مهم وفق تقديرها، ولا يجب أن يتحول إلى كره أو أحقاد. وبينت أنّها تشارك كل التونسيين خوفهم على المسار الديمقراطي.
وقالت العمري، إنّها تعمل على إنجاز مشروع علمي نموذجي يخص الجانب الإبداعي للتلميذ، ومحاولة تحسين قدراته وتثمين مهاراته.
النائب حياة العمري تقول إنها اليوم تعيش بين العائلة وأبحاثها ومتابعة الشأن العام وإنها تعمل على إنجاز مشروع علمي نموذجي يخص الجانب الإبداعي للتلميذ ومحاولة تحسين قدراته
- نواب بين السجن والإقامة الجبرية
منذ إعلان سعيّد عن قراراته، دخلت مجموعة من النواب السجن بسبب قضايا مختلفة، أولهم النائب ياسين العياري عن قائمة "أمل وعمل" الذي أودعته قوات الأمن التونسية، يوم 30 جويلية/يوليو الماضي، السجن، تنفيذًا لحكم قضائي مدته شهران على خلفية ما أسمته وكالة الدولة العامة للقضاء العسكري "المشاركة في عمل يرمي إلى تحطيم معنويات الجيش بقصد الإضرار بالدفاع والمس من كرامة الجيش الوطني و معنوياته" وذلك بناء على تدوينة سابقة على فيسبوك نُسبت له.
وبعد خروج العياري من السجن يوم 22 سبتمبر/ أيلول الماضي، كتب منشورًا عبر صفحته على موقع فيسبوك قال فيه: "سأرتاح قليلًا، بعض الوقت للعائلة، أعالج فمي وأمعائي التي تضررت جدًا في الحبس، وأحاول جمع الأوراق التي كتبتها خلال سجني وأرتبها ثم أبحث عن ناشر يقبل أن يتحاكم عسكريًّا وأُصدر كتابي "عريان: يوميات نائب معارض معلق ظلمًا في زنازين قيس سعيّد".
كما دخل أربعة نواب من ائتلاف الكرامة إلى السجن بتهم مختلفة أشهرها ما صار يٌعرف بـ"قضية المطار"، والتي أوقف بسببها كل من ماهر زيد ونضال السعودي.
كما سلم سيف الدين مخلوف نفسه للقضاء في القضية ذاتها، قبل أن يعتقل من قبل الشرطة ثم يُطلق سراحه على ذمة القضية. واعتقل مجددًا بتهمة "المس من كرامة الجيش". وتم إيقاف النائب عبد اللطيف العلوي يوم 3 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بتهمة التآمر على أمن الدولة الداخلي بعد حضور تلفزي له، وفق مصادر إعلامية متطابقة.
النائب ياسين العياري: "سأحاول جمع الأوراق التي كتبتها خلال سجني وأرتبها ثم أبحث عن ناشر يقبل أن يتحاكم عسكريًّا وأُصدر كتابي "عريان: يوميات نائب معارض معلق ظلمًا في زنازين قيس سعيّد"
ودخل النائب عن حزب قلب تونس غازي القروي مع شقيقه رئيس الحزب نبيل القروي، السجن في الجزائر، بتهمة "جنحة الدخول إلى التراب الجزائري واجتياز الحدود بطريقة غير شرعية"، بعد إيقافهما يوم 28 أوت/ أغسطس المنقضي في ولاية تبسة.
كما تم إيقاف النائب لطفي علي يوم 21 أوت/ أغسطس الماضي، بعد أن "صدرت في شأنه ثلاثة مناشير تفتيش لفائدة الفرقة المركزية لمكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية للحرس الوطني بالعوينة، من أجل التدليس ومسك واستعمال مدلس وفساد مالي وإداري وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع وتضارب المصالح".
فيما صدرت في شهر أوت/ أغسطس الماضي، قرارات بوضع ثلاثة نواب تحت الإقامة الجبرية وهم: محمد صالح اللطيفي، عن كتلة قلب تونس في المجلس والنائب زهير مخلوف من غير المنتمين إلى كتل، والنائب عن ائتلاف الكرامة يسري الدالي.
- استقالات وحملات انتخابية مبكرة
واستقال بعض النواب المعلقة اختصاصاتهم بالبرلمان من أحزابهم خلال الفترة الماضية، رفضًا منهم لسياساتها التي اعتبروا أنّها ساهمت في الأزمة الشاملة في البلاد.
ولعل النصيب الأكبر لحركة النهضة التي استقال منها أكثر من 100 قيادي ومسؤول منهم سبعة نواب على غرار جميلة الكسيكسي وسمير ديلو وآمال عزوز، منذ 25 سبتمبر/ أيلول الماضي.
استقال بعض النواب المعلقة اختصاصاتهم بالبرلمان من أحزابهم خلال الفترة الماضية، رفضًا منهم لسياساتها التي اعتبروا أنّها ساهمت في الأزمة الشاملة في البلاد
كما أعلن ثلاثة نواب من قلب تونس استقالتهم من الحزب وهم الجديدي السبوعي ومحمد السخيري وسهام الشريقي.
في المقابل، أعلنت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي عن انطلاق ما أسمتها "قافلة التنوير" يوم 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، "كآلية للاتصال المباشر مع المواطنين في مختلف الولايات التونسية ويرافقها نواب من حزبها". ويعتبر بعض المحللين أنّ ما تقوم به موسي هو حملة انتخابية سابقة لأوانها، فيما تقول الأخيرة إنه يأتي للتفاعل والاستماع لآراء المواطنين حول مستقبل البلاد.
وزارت موسي، حتى الآن كلاً من ولايات أريانة والقيروان وسوسة وسيدي بوزيد وصفاقس وقابس.
تقوم عبير موسي بحملة انتخابية سابقة لأوانها من خلال ما أسمته "قافلة التنوير" ولقاءاتها مع المواطنين في مختلف الولايات التونسية ويرافقها في ذلك نواب من حزبها
رغم نشاطات بعض النواب، فإن جزءً منهم يتساءل حول وضعيته الاجتماعية، اليوم، خاصة النواب الموظفين بالأساس في مؤسسات عمومية، الذين تفرغوا للعمل البرلماني بعد انتخابهم، ولا يعرفون مصيرهم حتى الآن، بعد قرار الرئيس التونسي إيقاف رواتبهم. إذ لا يستطيعون تقديم استقالتهم من البرلمان والعودة إلى عملهم الأصلي، ولا يستطيعون العودة إلى العمل النيابي. وقد حاول "الترا تونس" التواصل مع بعضهم لكن دون إجابة.
اقرأ/ي أيضًا:
أمر رئاسي يقر صلاحيات شبه مطلقة للرئيس في تونس وتعليق لمعظم أبواب الدستور
هل يكون الاستفتاء على تعديل النظام السياسي وجهة قيس سعيّد القادمة؟