01-أكتوبر-2024
الانتخابات الرئاسية في تونس أكتوبر 2024

كان المسار نحو انتخابات السادس من أكتوبر 2024 حاملًا للكثير من المفاجآت التي أضعفته (صورة أرشيفية/حسن مراد/GETTY)

مقال رأي 

 

عندما كشف الرئيس التونسي عن موعد الانتخابات الرئاسية في تونس، طُرح أكثر من سؤال عن سياق ورهانات هذه الانتخابات والمواقف منها وملامح الحملة الانتخابية والمترشحين وغير ذلك. وتواترت عدة سيناريوهات لكن لا أحد توقع ما آلت إليه الأوضاع أسبوعاً واحداً قبل موعد الاستحقاق الانتخابي المنتظر.

استعرضتٌ في مادة تفسيرية سابقاً ماضي الانتخابات الرئاسية في تونس مروراً بكل الفترات، من زمن المرشح الواحد والرئاسة مدى الحياة ثم التعددية الصورية وصولاً لانتخابات ما بعد الثورة وما شهدته من تنافس حاد وحقيقي. وكان اتجاه انتخابات السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2024 يُذكر باستحقاقات ما قبل الثورة الانتخابية لكن المفاجآت تتالت لنكون أمام "انتخابات" لا تشبه الانتخابات، بالمعنى الشائع عن الانتخابات. 

يصعب إيجاد تماثل بين انتخابات السادس من أكتوبر وانتخابات ما قبل الثورة التونسية فنحن لسنا في وضعية المترشح الوحيد ولسنا إزاء مترشحين صوريين.. لكننا أيضًا أبعد ما يكون عن انتخابات ما بعد 2011

يصعب إيجاد تماثل بين انتخابات السادس من أكتوبر وانتخابات ما قبل الثورة التونسية فنحن لسنا في وضعية المترشح الوحيد ولسنا إزاء مترشحين صوريين كما كان الحال زمن بن علي ولا تنظم الانتخابات من قبل وزارة الداخلية.. لكننا أيضًا أبعد ما يكون عن انتخابات ما بعد 2011.

نحن في وضعية هجينة وغير مألوفة وإن كانت تؤول بمقياس الانتخابات في الدول الديمقراطية إلى نهاية واحدة: انتخابات محل جدل وتشكيك وانتقادات من حيث نزاهتها والعدل بين المترشحين وغير ذلك.

في البدء، كان الكشف عن موعد الانتخابات من قبل الرئيس بدل الهيئة المنظمة للانتخابات محل انتقاد واسع، خاصة وقد سبق تعيين أعضاء الهيئة المذكورة من قبل الرئيس الحالي أيضاً وهم ليسوا منتخبين من البرلمان كما كان الحال في السابق. 

تلى ذلك تلقي الهيئة للترشحات وما تخلل ذلك من جدل الشروط الإضافية مثل البطاقة عدد 3 والتزكيات وغيرها والتي اعتبرت من المعارضة في تونس كمحاولات غير مباشرة لإبعاد مرشحيها عن السباق الرئاسي، ثم كان رفض الهيئة لمعظم الترشحات والإبقاء على ثلاثة مترشحين فقط من بينهم الرئيس الحالي.

وكانت أبرز المفاجآت رفض هيئة الانتخابات في تونس لقرار المحكمة الإدارية إعادة 3 مترشحين للسباق الرئاسي بعد تقديمهم طعونًا أمامها، واعتُبر "سابقة خطيرة" من قبل أهل القانون في البلد، لكن الأخيرة دافعت عن قراراتها وتمسكت بها، رغم دعوات واسعة للتراجع عنها.

كانت أبرز المفاجآت رفض هيئة الانتخابات لقرار المحكمة الإدارية إعادة 3 مترشحين للسباق الرئاسي بعد تقديمهم طعونًا أمامها، واعتُبر "سابقة خطيرة" من قبل أهل القانون في البلد

وانطلقت الحملة الانتخابية، والتي كانت منذ سنة 2011 مرحلة مميزة بالتنافس الحاد وتداول البرامج والحوارات الصحفية، لكن المفاجأة أن لا "حملة انتخابية" لموعد السادس من أكتوبر المنتظر أو في أفضل الحالات يمكن الحديث عن حملة باهتة تغيب عنها الديناميكية والحركية المعهودة وذلك بشهادة المنظمات الملاحظة والمراقبة للانتخابات في تونس. 

لم تقبل هيئة الانتخابات إلا ثلاثة مترشحين، أحدهم العياشي زمال، رجل أعمال ورئيس حركة عازمون وهو حزب جديد نشأ بعد 25 جويلية/يوليو 2021 ويضم شخصيات سبق أن نشطت في أحزاب وهياكل مختلفة بعد 2011، سُجن بعد تتالي الاتهامات له بتدليس تزكيات وقد تم القبض عليه وسجنه وبلغت قضاياه وفق هيئة الدفاع أكثر من ثلاثين قضية.

وسارعت محاكم تونسية بإنزال أحكام ابتدائية في حقه بالسجن والإدانة وهو محكوم حاليًا بـ12 سنة سجنًا. ولم نر له أي حضور إعلامي عدا بعض تصريحات وبيانات من هيئة الدفاع ونشطاء يقولون إنهم ضمن فريق حملته. 

أما المترشح الثاني زهير المغزاوي، وهو أمين عام حركة الشعب القومية، الحزب المعروف في المشهد التونسي بعد ثورة 2011، فقد غادر دائرة مساندة قيس سعيّد، كما يقول، ويقدم نفسه ناقدًا لسياسات الرئيس التي دعمها بشدة إبان قرارات 25 جويلية الشهيرة.

كان حضور المغزاوي فاترًا في الحملة ويعود ذلك جزئياً لتمويلها الذي حُدد بمبلغ لا يُقارن بالانتخابات السابقة مع غياب التمويل العمومي وهو ما يُعيق القيام بعديد الأنشطة والتنقلات (150 ألف دينار بالنسبة للدورة الأولى). كما لم يجد المغزاوي سياقًا إعلاميًا للتناظر أو المقارنة بين مشاريع انتخابية مختلفة. وهو الذي كرر في أكثر من مناسبة، طلبه إجراء مناظرة مع منافسه قيس سعيّد، دون أن يتحقق ذلك.

أما المترشح الثالث فهو الرئيس الحالي. لم يقم قيس سعيّد بحملة انتخابية واضحة المعالم، كما لم يشارك، حتى الآن على الأقل، في مناظرة أو حوار تلفزيوني أو إذاعي. لم يقدم أيضًا أعضاء حملته للانتخابات ولا يُعرف عن برنامجه الانتخابي إلا بيان نُشر على منصات التواصل، ركز فيه على مهاجمة المرحلة السابقة دون أي وعود انتخابية واضحة.

هكذا وجد الجميع نفسه في التسلل، إذ يصعب تحليل ومقارنة برامج مترشحين لم تتوفر تقريبًا ولم يتناظروا بخصوصها وليسوا في وضعيات متشابهة. بين مترشح في السجن وآخر يتجول ويقابل الوزراء والمسؤولين لا يوجد أي تشابه. كان تساوي الحظوظ بين المترشحين من عدمه من النقاط التي أثارت جدلاً واسعاً في الساحة التونسية ونددت بها عديد المنظمات المختصة في ملاحظة الانتخابات.

كان تساوي الحظوظ بين المترشحين من عدمه من النقاط التي أثارت جدلاً واسعاً في الساحة التونسية ونددت بها عديد المنظمات المختصة في ملاحظة الانتخابات

أما هذه المنظمات فكانت المفاجأة الأخرى إذ لم تُمكّن الهيئة المنظمة للانتخابات العديد منها من بطاقات الاعتماد مما يحرمها من إمكانية مراقبة وملاحظة انتخابات السادس من أكتوبر بدعوى عدم حيادها وحصولها على تمويلات أجنبية مشبوهة، هذا بالإضافة لغياب متوقع لبعض الملاحظين الدوليين. 

لكن أبرز مفاجآت هذه الانتخابات على الإطلاق كان ظهور مشروع قانون من مجموعة من النواب في البرلمان التونسي ينص على تغيير اختصاص النزاعات في الانتخابات من المحكمة الإدارية إلى القضاء العدلي. يتعلق الأمر بتغيير يخص القانون الانتخابي أيامًا قليلة قبل تاريخ الانتخابات وهو ما تمت المصادقة عليه ونشر في الرائد الرسمي سريعًا وكان محل تنديد واسع من المختصين في القانون وقد لاقى رفض المجلس الأعلى المؤقت للقضاء وكذلك المترشحين للسباق الرئاسي العياشي زمال وزهير المغزاوي. 

كتبتُ عند إعلان موعد الانتخابات الرئاسية في تونس أن الهاجس الأكبر لدى المعارضة التونسية أن تكون "هذه الانتخابات على المقاس" أي على مقاس مرشح بعينه، لكن "مفاجآت" المسار الانتخابي وكل ما شابه ساهم في تكريس هذه الصورة، وهي صورة الانتخابات معروفة النتيجة مسبقًا، وكانت انعكاسًا لشعار رفعه الرئيس الحالي منذ فترة "هي قضية بقاء أو فناء" بالنسبة له.

كان المسار نحو انتخابات السادس من أكتوبر 2024، حاملًا للكثير من المفاجآت التي أضعفته وبدت الانتخابات المنتظرة خاوية من حرارة وتنافسية عرفتها نظيراتها ما بعد الثورة

لا أحد يبدو مهتمًا في تونس بنسبة المشاركة في هذه الانتخابات بالذات. كانت هذه النسبة محرارًا لشعبية "نظام 25 جويلية" في منظور المعارضة طيلة الاستحقاقات الانتخابية التي تلت سنة 2021 وقادت الأخيرة حملات للدعوة للمقاطعة لكنها الآن أمام خيار واحد، المشاركة ودعم مرشح لتحقيق التغيير الذي تنشده والذي لا يمكن أن يمر عبر نسبة مشاركة ضعيفة ومتدنية (تتواصل أيضًا بالتوازي دعوات المقاطعة من أطراف في المعارضة التونسية). 

هكذا كان المسار نحو انتخابات السادس من أكتوبر 2024، حاملًا للكثير من المفاجآت التي أضعفته وبدت الانتخابات المنتظرة خاوية من حرارة وتنافسية عرفتها نظيراتها ما بعد الثورة. ببساطة حصل كل شيء لتكون انتخابات مغلقة الأبواب مبكرًا.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"