09-أبريل-2020

تضاعفت غربة المهاجرين وطالبي اللجوء في تونس بسبب أزمة الكورونا (فتحي نصري/أ.ف.ب)

 

لا إحصائيات دقيقة عنهم، ولا معطيات واضحة عن أماكن توزّعهم في تونس، هم المهاجرون وطالبو اللجوء في تونس الذين يواجهون على غرار غيرهم خطر الإصابة بفيروس كورونا المهدّد لحياة الجميع دون استثناء.

وعمّق وباء كوفيد-19 أزمة الفقراء والمحتاجين وأصحاب المهن اليومية، لكن وحدهم أولئك الغرباء عن الوطن لم تشملهم أي إجراءات لمساعدتهم على تجاوز المحنة، فتضاعفت غربتهم ومعاناتهم. فلم تشمل الإجراءات الحكومية المخصصة لمساعدة الفئات الهشة طالبي اللجوء والمهاجرين رغم أن أغلبهم يعملون في قطاعات هشة ومهن يومية تعطلت بسبب الحجر الصحي الشامل.

اقرأ/ي أيضًا: ماهي الإجراءات المتخذة لحماية اللاجئين في تونس من "كورونا"؟

منتدى الحقوق الاقتصادية يتابع الملف

المكلّف بالإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أشار، في بداية حديثه لـ"ألترا تونس"، إلى غياب إحصائيات دقيقة عن عدد المهاجرين غير النظاميين في تونس مبينًا أن عددهم بالآلاف ويتوزعون في عدّة مناطق تونسية سيما في المدن. وأوضح أن أغلبهم يعملون في مهن يومية وقطاعات غير منظمة، لكن باتوا اليوم دون مورد زرق نظرًا للحجر الصحي العام الذي أثّر على جميع العاملين في المهنّ الهشة.

رمضان بن عمر: أغلب المهاجرين غير النظاميين في تونس يعملون في مهن يومية وقطاعات غير منظمة

كما أشار إلى وجود قرابة 4 آلاف طالب لجوء في تونس بعضهم موجود في مراكز إيواء مخصصة لهم، لم يتمّ أيضًا التطرّق إليهم كغيرهم من المهاجرين في الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، عدا بعض المبادرات من قبل المجتمع المدني.

وقد أعلن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الإثنين 6 أفريل/نيسان أنّ مجموعة من المهاجرين في مركز الوردية دخلوا في اضراب جوع احتجاجًا على تواصل احتجازهم دون مبرر قانوني مطالبين بإطلاق سراحهم خاصة في ظل الأخطار التي تهددهم نتيجة انتشار فيروس كورونا وعدم وجود اي احتياطات صحية بالمركز. ويضاف هذا الاحتجاج إلى سلسلة من الاحتجاجات الأخيرة للمهاجرين نتيجة الظروف الإنسانية الصعبة والغموض الذي يكتنف وضعياتهم وعدم وضوح آليات الإيداع والخروج من المركز.

لاجئ يستغيث

أبو بكر، أحد اللاجئين في مبيت الوردية الذي يأوي عشرات المهاجرين وحتى بعض الطلبة الأفارقة، أفاد لـ"ألترا تونس" أنّه تمّ تعقيم المبيت لكن ليس كلّه مع توفير بعض المواد الغذائية التي قدمت في إطار مساعدات من بعض الأشخاص أو المجتمع المدني ولكنّها لا تفي بالغرض وكميتها محدودة جدًا، وفق قوله.

يقول محدثنا إن أغلبية المقيمين في المركز تعاني الجوع اليوم بسبب فقدان مورد رزقها وعدم قدرتها على العمل بسبب الحجر الصحي مطالبًا المجتمع المدني والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالاهتمام أكثر بوضعية المهاجرين واللاجئين اليوم بسبب حاجتهم إلى مواد غذائية إضافة للمتابعة الصحية.

المنظمة الدولية للهجرة تطلق خطًا أخضر

وقد دعت المنظمة الدولية للهجرة في تونس في بلاغ لها السبت 4 أفريل/نيسان 2020، إلى ضرورة اعتماد مقاربة شاملة وغير تمييزية في التكفل بالأشخاص المتضررين أو المهددين بالإصابة بفيروس "كورونا" المستجد بما في ذلك المهاجرين. وأكدت أنّ المهاجرين في البلدان الأكثر تضررًا من انتشار فيروس كورونا يتعرضون لنفس الصعوبات التي يعاني منها المواطنون، وقد يجدون أنفسهم في وضعية محفوفة بالمخاطر بسبب وضعيتهم كمهاجرين، نظرًا لولوجهم المحدود للخدمات الصحية والإقصاء من النفاذ إلى نظام المعلومات والوقاية بسبب الحواجز اللغوية والمالية.

دعت المنظمة الدولية للهجرة في تونس إلى ضرورة اعتماد مقاربة شاملة وغير تمييزية في التكفل بالأشخاص المتضررين أو المهددين بالإصابة بفيروس "كورونا"

كما أعلنت المنظمة على بعث خط أخضر مفتوح "80101566"، يقوم من خلاله مستشارو المنظمة بتقديم المشورة والتوجيه للمهاجرين مشيرة إلى أنّها قامت بتعزيز التدابير الحمائية الوقائية والنظافة والاستجابة في مراكز الايواء التي تديرها، وسينتفع المقيمون فيها بالمساعدات اليومية والرعاية الصحية اللازمة. فيما تم تكثيف الحملات التحسيسية والتوعوية للمهاجرين الذين يقيمون بالمراكز، لمجابهة فيروس "كورونا" المستجد وتمكينهم من الولوج إلى نفس مستوى المعلومات لدى باقي فئات المجتمع.

اقرأ/ي أيضًا: عن حقّ المهاجرين على تونس..

وبادرت بعض البلديات بالتنسيق مع منظمة الهجرة الدولية بتوزيع مساعدات مالية وغذائية على بعض العائلات المهاجرة على غرار بلدية رواد. فقد تمّ توزيع وصل شراء مواد غذائية بقيمة 100 دينار من جميع المغازات الكبرى دون استثناء مع تخصيص مبلغ مالي قيمته 200 دينار لكل عائلة إفريقية لها أطفال ومقيمة بتونس. وحددت البلدية قائمة المحتاجين لهذه المساعدات لتتواصل المبادرة خلال هذا الأسبوع لتشمل 650 شخصا مهاجرًا.

ورغم المبادرات الشخصية أو من قبل المجتمع المدني إلاّ أنّ آلاف المهاجرين في تونس يواجهون اليوم خطر التشرد والجوع. فقد أعلنت جمعية الإيفواريين الناشطين في تونس عم طرد عدد من الأفارقة والإيفواريين من منازلهم من قبل أصحابها خلال فترة الحجر الصحي بسبب عدم تمكنهم من دفع الإيجار مؤكدة أنّ الحجر الصحي العام جعل عديد المهاجرين عاجزين عن العمل باعتبار أن أغلبهم طلبة ويعملون في المقاهي والمطاعم قبل أن يتم غلقها بسبب انتشار فيروس كورونا.  

بعض المهاجرين في عدّة مناطق أطلقوا بدورهم نداءات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمساعدتهم على توفير سكن بعد طردهم من قبل أصحاب المساكن بسبب عدم القدرة على دفع الإيجار، أو لمساعدتهم على توفير بعض المواد الغذائية للمئات منهم بعد فقدان مواطن شغلهم.

الحكومة تعلق آجال الإقامة وتناشد مالكي العقارات

دخلت الحكومة تباعًا على الخط إذ أقر اجتماع وزاري، الثلاثاء 8 أفريل/نيسان 2020، تعليق احتساب الآجال القانونية للإقامة بتونس ابتداء من غرة مارس/آذار الماضي وإلى غاية انقضاء الموجب على المستوى الوطني والبلدان الأصلية للمقيمين. كما تقرر تعليق احتساب آجال انقضاء تأشيرة الدخول للبلاد التونسية والتمديد فيها والآثار المالية المترتبة عن ذلك إلى غاية انقضاء الموجب.

دعوة مالكي العقارات إلى تأجيل خلاص معينات الكراء المستوجبة لشهري أفريل/نيسان وماي/آيار تأسّيًا بالأخلاق العالية وروح التضامن الإنساني

وتطرق الاجتماع إلى وضعية الأجانب المقيمين بتونس وخاصة منهم الجاليات الإفريقية وسبل الإحاطة بهم خلال هذا الظرف الاستثنائي، وقد تم التأكيد على الحرص على توفير الضروريات الحياتية لهم دون تمييزهم عن المواطنين.

كما تم خلال هذه الجلسة الاتفاق على جملة من الإجراءات المتعلقة بتسيير عمل الجمعيات التي تساهم في الإحاطة بالأجانب بتونس، مع العمل على تقديم إعانات عينيّة وأخرى مالية لفائدتهم، وفقا لقائمات تُضبط مع الجمعيات المعنية، إضافة إلى دعوة مالكي العقارات إلى تأجيل خلاص معينات الكراء المستوجبة لشهري أفريل/نيسان وماي/آيار تأسّيًا بالأخلاق العالية وروح التضامن الإنساني، وفق ما ورد في بيان صادر إثر هذه الجلسة الوزارية.

صيحة فزع مستمرة

ونشرت مفوضية حقوق الإنسان بيانًا مشتركًا مع المنظمة الدولية للهجرة، ومفوضية اللاجئين ومنظمة الصحة العالمية، الأسبوع الماضي ذكرت فيه أنّ فيروس كورونا لا يميز بين أحد ملاحظة أن العديد من اللاجئين والنازحين قسرًا وعديمي الجنسية والمهاجرين يعانون من درجة أعلى من الخطر. ويُعتبر إيقاف اللاجئين والمهاجرين المحتجزين في مراكز احتجاز رسمية وغير رسمية، وفي أوضاع مزدحمة وغير صحية، أمر يبعث على قلق بالغ، وفق البلاغ. وبالنظر إلى العواقب الفتاكة التي قد تترتب على تفشي فيروس كورونا، "فمن الواجب إطلاق سراحهم دونما تأخير، وينبغي إطلاق سراح الأطفال المهاجرين وأسرهم وأولئك المحتجزين دون أسس قانونية كافية على الفور".

ربما اللاجئون أفضل حظًا عن غيرهم من المهاجرين غير النظاميين سيما وأنّهم يوجدون في مراكز إيواء معلومة لدى السلط 

كما ذكر البيان أنّه من الضروري ضمان وصول الجميع، بما في ذلك كافة المهاجرين واللاجئين، على نحو متساوٍ إلى الخدمات الصحية وأن يتم إدراجهم بشكل فعال في خطط الاستجابة الوطنية لفيروس كورونا، بما في ذلك الوقاية والفحص والعلاج. ولن يساعد إدراجهم في حماية حقوق اللاجئين والمهاجرين فحسب، بل سيعمل أيضًا على حماية الصحة العامة واجتثاث انتشار الفيروس على المستوى العالمي. وفي حين أن العديد من الدول توفر الحماية للاجئين والمهاجرين وتستضيفهم، إلا أنها غالبًا ما تكون غير جاهزة للاستجابة للأزمات مثل فيروس كورونا لضمان حصول اللاجئين والمهاجرين على الخدمات الصحية الوطنية بشكل كافٍ، وقد تحتاج الدول إلى دعم مالي إضافي، وهنا يمكن للمؤسسات المالية العالمية أن تلعب فيه دورًا رائدًا في توفير الأموال اللازمة.

وقد أشار عبد الرزاق الكريمي، عضو المجلس التونسي للاجئين لـ"ألترا تونس" أنّه بالفعل يعاني اليوم العشرات من اللاجئين والآلاف من المهاجرين غير النظاميين وضعيات هشة خاصة العمال اليوميين في ورشات الميكانيك أو البناء أو المقاهي أو حتى عاملات المنازل، وقد باتوا دون عمل بسبب الحظر الصحي وفي ظل الأزمة التي تمرّ بها البلاد.

وأضاف أنّه يتابع باستمرار مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين كيفية مساعدة الوضعيات الهشة من اللاجئين وتوفير أقصى ما يمكن من مساعدات طبية أو وقائية أو غذائية لكلّ اللاجئين.

لكنّ ربما اللاجئون أفضل حظًا عن غيرهم من المهاجرين غير النظاميين سيما وأنّهم يوجدون في مراكز إيواء معلومة لدى السلط ولدى أغلب منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية المتابعة لشؤون اللاجئين في ظل جملة الإجراءات البسيطة التي اتخذت في شأنهم. لكنّ يواجه أغلب المهاجرين غير النظاميين المعاناة مضاعفة، فهم مهددون بالتشرّد بعد فقدان موطن الشغل دون أن يكون لهم قاعدة بيانات لدى السلط أو لدى المجتمع المدني ولا حتى معلومات عن أماكن وجودهم لتوزيع مساعدات عليهم. إذ ظل فقط هؤلاء يتلقون بعض المساعدات التي يقدّمها الأفراد أو بعض الجهات التي تعلم بأماكن وجود بعضهم. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

طالبو اللجوء في تونس.. البحث عن مأوى في انتظار قانون يضمن حقوقهم

عاملات بلا أجور يستغثن: كورونا أرحم من قطع أجورنا ومورد رزقنا!