أثرت الأزمة الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير على المقدرة الشرائية للتونسيين، مما أدى إلى اختلال التوازن في المنظومة الاستهلاكية والقدرة الشرائية، وهو ما دفع أغلب العائلات التونسية إلى اللجوء إلى الاقتراض البنكي والتداين. إذ كشف المؤشر العربي 2018/2017 الذي أصدره مؤخرًا المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات والذي تضمّن استبيانًا في 11 بلدًا عربيًا منها تونس، أنّ قرابة نصف التونسيين يواجهون صعوبات في تغطية احتياجاتهم ويلجؤون إلى التداين.
المؤشر العربي 2018/2017: قرابة نصف التونسيين يواجهون صعوبات في تغطية احتياجاتهم ويلجئون إلى التداين
كما كشفت نتائج المؤشر العربي لهذه السنة أنّ الأوضاع الاقتصادية لأسر المنطقة العربية هي أوضاع غير مرضية على الإطلاق، وكذا الحال بالنسبة للأسر التونسية. إذ أفاد 57 في المائة من المستجوبين التونسيين أن وضع أسرهم الاقتصادي سيء، من بينهم 22 بالمائة يعتبرونه سيءًا جدًا، مقابل 40 في المائة وصفوا وضع أسرهم بالجيّد.
اقرأ/ي أيضًا: المؤشر العربي2018/2017: التونسيون يقيمون سلبيًا الوضع السياسي رغم مناخ الحريات
على صعيد آخر بيّن المؤشر العربي في تقييم للأوضاع الاقتصادية في تونس أنّ 57 في المائة من التونسيين يرون أنّ الوضع سيء جدًا، كما أشار 33 في المائة إلى أنّ الوضع سيء، مقابل 8 في المائة فقط يرونه جيّدًا. فيما أشارت الدراسة في الأثناء إلى أنّ النتائج أظهرت تحسنًا طفيفًا في تقييم المستجوبين لأوضاع أسرهم الاقتصادية في استطلاع 2017/2018، وذلك مقارنة بنتائج استطلاعي 2016 و2012/2013.
فأمام ارتفاع الأسعار التي طالما أججت الاحتجاجات في السنوات الأخيرة وشغلت الرأي العام، فإنّ المقدرة الشرائية للتونسي تدهورت بشكل كبير. وقد بيّن المؤشر العربي أنّ 55 في المائة من التونسيين يرون أنّ دخل الأسرة لا يغطي نفقات احتياجاتهم ويواجهون صعوبات في تغطية احتياجاتهم، كما أفاد 35 في المائة من المستجوبين أنّ دخل الأسرة يغطي نفقات احتياجاتهم ولا يوفرون منه، فيما يرى 10 في المائة فقط أنّ دخل الأسرة يغطي نفقات احتياجاتهم بشكل جيد ويستطيعون التوفير منه. وقد أظهرت مقارنة المستوى المعيشي لأسر المستجوبين من خلال مدى تغطية هذا الدخل لاحتياجاتهم في استطلاع 2018/2017 بنتائج الخمس سنوات الماضية أنّ الفروق طفيفة.
المؤشر العربي 2018/2017: 90 في المائة من التونسيين يعتبرون أن الأوضاع الاقتصادية سيئة منهم 57 في المائة يصفونها بالسيئة جدًا
ووفق أغلب خبراء الاقتصاد والمنظمات المهتمة بنمط استهلاك التونسيين ونفقاتهم، فإنّ أغلب العائلات التونسية تلجأ بالضرورة إلى التداين لمجابهة مصاريفها واحتياجاتها لا سيما في المواسم الاستهلاكية الكبرى. وقد أفاد المعهد الوطني للاستهلاك بخصوص ظاهرة التداين الأسري في تونس أنّ نحو 850 ألف أسرة تونسية متحصلة على قرض بنكي من مجموع 2.7 مليون أسرة. كما أشار المعهد أنّ الأسر التونسية اليوم مدانة للبنوك بأكثر من 21.3 مليار دينار، بعد أن كانت لا تتجاوز الـ10.7 مليار دينار سنة 2010. وقد بلغ حجم التداين وفق آخر احصائيات من البنك المركزي أكثر من 20 مليار دينار خلال السنة الماضية.
وقد أكد أغلب خبراء الاقتصاد أنّ ارتفاع قروض الاستهلاك هي نتيجة حتمية لتدهور القدرة الشرائية، وأنّ الأرقام التي تقدمها البنوك أو البنك المركزي عن حجم تداين العائلات التونسية لا يعكس الواقع الحقيقي لديون التونسيين خاصة وأنّ الأسر التونسية تلجأ إلى التداين من الشركات المالية أو الأصدقاء والأقارب وحتى من الصناديق الاجتماعية، مع الاعتماد أيضَا على الشراء بالتقسيط من المحلات.
المؤشر العربي 2018/2017: 57 في المائة من المستجوبين التونسيين يعتبرون أن وضع أسرهم الاقتصادي سيء
وفي هذا الجانب، بيّن المؤشر العربي من جهته أنّ العائلات التونسية تلجأ أيضا إلى عدّة حلول لسد عجزها خاصة الأسر التي أفادت أنّ دخلها لا يكفي لتغطية نفقاتها، إذ أظهرت النتائج عن لجوء إلى الاستدانة ومن الأقارب والبنوك أو المؤسسات المالية.
فقد كشفت الدراسة أنّ 33 في المائة من الأسر التونسية يلجؤون إلى الاستدانة من المعارف والأقارب والأصدقاء، فيما يلجأ 18 في المائة إلى القروض من البنوك أو المؤسسات المالية الأخرى، و14 في المائة يتلقون معونات من الأقارب والجيران والأصدقاء. كما يلجأ 4 في المائة منهم إلى بعض ممتلكات العائلة أو أحد أفرادها من عقارات وذهب مثلًا، كما أشار 12 في المائة من المستجوبين أنّهم يلجؤون إلى التقشف والاقتصاد في المصاريف، مقابل لجوء 8 في المائة إلى العمل الإضافي.
اقرأ/ي أيضًا: يناير تونس الساخن دائمًا.. احتجاجات مثيرة للجدل ضد غلاء المعيشة
وبين المؤشر أنه بمقارنة أساليب تغطية العجز في نفقات أسر المستجيبين الذين أفادوا أن دخول أسرهم لا تكفي لسد نفقاتهم في نتائج استطلاع 2017/2018 بنتائج السنوات الأربع الماضية، يوجد بعض التباينات خاصة أنّ أسر المعوزة لا تزال تعتمد على نحو رئيس على الاستدانة من المعارف والأقارب، ثم على المعونات من الأفراء والمعونات من المؤسسات والقروض البنكية. وهو أمر يعني أنّ الأسر المعوزة ستكون عرضة للبقاء في حالة العوز والحاجة، كما ستكون عرضة لمزيد تدهور وضعها المعيشي نتيجة تراكم الديون عليها، سواء كان لمصلحة أفراد أو مؤسسات.
المؤشر العربي 2018/2017: 33 في المائة من الأسر التونسية يلجؤون إلى الاستدانة من المعارف والأقارب والأصدقاء فيما يلجأ 18 في المائة إلى القروض من البنوك أو المؤسسات المالية الأخرى
يذكر أنّ آخر تقرير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أفاد أنّ أكبر نسبة من السكان في تونس ممن يعيشون في ظروف الفقر والتهميش الاجتماعي يتمركزون أساسًا في المناطق الداخلية، وهو ما أشعل فتيل الاحتجاجات المطالبة بالحصول على الخدمات الاجتماعية الأساسية. وقد شهدت السنوات الأخيرة مظاهرات احتجاجية بشأن البطالة وارتفاع الأسعار آخرها الاحتجاجات التي عرفتها تونس بداية 2018 بسبب ارتفاع الضرائب في قانون المالية واستمرار تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
ويُشار، في النهاية، أن المركز العربي يقوم سنويّا باستبيان في البلدان العربية عبر إصدار المؤشر العربي، وذلك بهدف الوقوف على اتجاهات الرّأي العام العربي نحو مجموعة من الموضوعات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، بما في ذلك اتجاهات الرّأي العام نحو قضايا الديمقراطية، والمشاركة السياسية.
اقرأ/ي أيضًا:
تقدير موقف: احتجاجات تونس.. جدل الأسباب والمسؤولية
"انطلاق مؤتمر "الجيل والانتقال الديمقراطي في الوطن العربي