31-أغسطس-2019

ارتباك داخل مؤسسات التعليم الخاص قبيل العودة المدرسية (صورة أرشيفية/ناصر طلال/وكالة الأناضول)

 

قبيل العودة المدرسية، لازال منشور وزارة التربية القاضي بمنع المدرسين المباشرين في القطاع العام من التدريس في المدارس الخاصة، يثير الانقسام داخل مكونات المنظومة التربوية والمتدخلين فيها بين مؤيد ورافض. وهو إجراء بعثر أوراق آلاف الأسر التي رأت في التعليم الخاص الحلّ من أجل سنة مدرسية مستقرة خاصة على ضوء الإضرابات المتكررة والأزمات المحتدة بين الوزارة ونقابة التعليم الثانوي طيلة السنوات الأخيرة ما أثر على جودة التعليم العمومي.

أثار منشور وزارة التربية القاضي بمنع المدرسين المباشرين في القطاع العام من التدريس في المدارس الخاص انقسامًا داخل مكونات المنظومة المدرسية والمتدخلين فيها بين مؤيد ورافض

وكانت قد دعت الوزارة، في شهر جويلية/ أيلول الماضي، المندوبيات الجهوية إلى التوقف الفوري والكلي عن منح التراخيص للمدرّسين الراجعين لهم بالنّظر في مختلف المؤسسات التربوية للقيام بساعات تدريس بالمؤسسات التربوية خاصة.

ويأتي ذلك، حسب منشور الوزارة، في إطار تنظيم قطاع التدريس بهذه المؤسسات وتبعُا لعدم احترام بعض التراتيب المتعلقة بضبط شروط التراخيص في إحداث مؤسسات تربوية خاصة وتنظيمها، وما ترتب عن ذلك من تراجع نوعي على مستوى جودة التعليم وظروف العمل في هذه المؤسسات وبالإضافة إلى ما لذلك من تأثيرات اجتماعية في الحدّ من فرص التشغيل لحاملي الشهادات العليا التي يتيحها التشغيل في المؤسسات الخاصة.

اتحاد أصحاب المؤسسات الخاصة: قرار الوزارة مظلمة مفاجئة

الاتحاد التونسي لأصحاب المؤسسات الخاصة للتربية والتعليم والتكوين، أعلن في بلاغ له يوم 30 أوت/أغسطس 2019، أن المداولات مع وزارة التربية أفضت إلى السماح بمنح رخص للتدريس لمدرسي الأقسام النهائية في المستويين الإعدادي والثانوي على أن يتم انتداب مدرّسي الأقسام الأخرى بالاعتماد على "عقود شغل نموذجية" تصدر لاحقًا، بحيث يكون عدد التراخيص المسندة موازي لعدد المنتدبين الجدد.

لكن رئيس الاتحاد عبد اللطيف الخماسي لمّح إلى أنه لن يتم قبول المقترح لأنه ليس من العدل أن يتم تمييز مجموعة من التلاميذ المنتمين الى المؤسسات الخاصة لأنهم يجرون امتحانات وطنية بتوفير أساتذة يتميزون بالكفاءة والخبرة البيداغوجية دون غيرهم، خاصة وأن الإعداد لهذه السنة النهائية يكون على امتداد السنوات السابقة لسنة الامتحان على حدّ تقديره.

عبد اللطيف الخماسي (الاتحاد التونسي لأصحاب المؤسسات الخاصة للتربية): 400 مؤسسة تربوية في المستوى الإعدادي والثانوي تعتمد بنسبة 60 في المائة على مدرسين من القطاع العمومي

وقبل يوم، لوّح الاتحاد بتنظيم وقفة احتجاجية لأصحاب المؤسسات الخاصة للتربية والتعليم أمام وزارة التربية يوم 5 سبتمبر/ أيلول بعد تعثّر محاولات التواصل مع الوزارة.

وفي تصريح لـ"الترا تونس"، وصف عبد اللطيف الخماسي المنشور بأنه "مظلمة مفاجئة" يحرم المؤسسات الخاصة من التعاون مع المربين من القطاع العام منذ 60 عامًا، ويحرم التلاميذ الذين اختاروا التعليم الخاص من تخفيف العبء على الدولة في جودة التعليم، وفق قوله. وأكد أنه لم يتم إشراك أصحاب هذه المؤسسات في التفاوض بشأن هذا القرار.

شاهد/ي أيضًا: فيديو: هل تفضل تدريس ابنك في مدرسة عمومية أو خاصة؟

كما أفاد محدثنا أن حوالي 400 مؤسسة تربوية في المستوى الإعدادي والثانوي تعتمد بنسبة 60 في المائة على مدرسين يباشرون مهامهم في القطاع العمومي، مشيرًا إلى أن نسبة كبيرة من التلاميذ يبحثون عن فرصتهم الأخيرة لمواصلة تعليمهم بالمؤسسات الخاصة وهو ما يتطلب درجة من الكفاءة على مستوى التدريس.

وإلى غاية أكتوبر/تشرين الأول 2018، توجد 566 مدرسة ابتدائية خاصة في مختلف ولايات الجمهورية، وكان عدد هذه المدارس تضاعف اأثر من أربع مرات في أقل من عشر سنوات سنة 2018، وتم تسجيل إقبال 79043 تلميذًا مقابل 21509 خلال السنة الدراسية 2008/2009، أي قبل 110 سنوات، وفق إحصائيات لوزارة التربية. ووفق المصدر نفسه، بلغ عدد المؤسسات الخاصة في المرحلة الإعدادية والتعليم الثانوي 388 مؤسسة تضمّ 11839 مدرّسًا.

محمد بن فاطمة (خبير دولي في التربية): التعليم الخاص جزء لا يتجزأ من المنظومة التربوية

محمد بن فاطمة، وهو خبير دولي في تقييم المنظومات التربوية وإصلاحها، يؤكد لـ"ألترا تونس" أن التعليم الخاص هو جزء لا يتجزأ من المنظومة التربوية، وأن ازدهار التعليم بشقيه الخاص والعام مرتبط بالآخر بالنظر للبعد التنافسي الذي يفرض حد أدنى من تكافؤ الفرص.

ويعتبر أن منشور وزارة التربية بمنع الترخيص للتدريس في المؤسسات الخاصة هو "اجراء فيه شيء من النقص بالرغم مما يمكن أن يمثله من حافز لانتداب مدرسين جدد من حاملي الشهادات العليا"، وفق قوله.

ولم يخف محدثنا تبعات القرار على مستوى جودة التعليم في المؤسسات الخاصة التي تعتمد في جزء كبير منها على أساتذة مكونين في المدرسة العمومية.

محمد بن فاطمة (خبير دولي): توقيت الإعلان عن الإجراء يجعل المؤسسات الخاصة للتربية والتعليم عاجزة عن اتخاذ الإجراءات اللازمة من انتداب وتكوين المدرسين الجدد

وأفاد أن توقيت الإعلان عن الإجراء يجعل المؤسسات الخاصة للتربية والتعليم عاجزة عن اتخاذ الإجراءات اللازمة من انتداب وتكوين مدرسين جدد يفتقرون للخبرة، مشيرًا إلى أن التوقيت هو الذي يجعل المسألة صعبة، حسب تأكيده. وقال إنه سيكون لذلك تأثير سلبي على التلاميذ في هذه المؤسسات وعلى مستوى ثقافة المؤسسة الخاصة، ويفقد التوازن الصحي بين التعليم الخاص والعام.

ونبّه بن فاطمة من خطورة أن يؤدي هذا الإجراء بالتعليم في تونس في الذهاب في مسارات متعددة متحدثًا أساسًا عن تنامي ظاهرة إقبال على التمدرس في المؤسسات الأجنبية في تونس، بديلًا عن مسار موحّد يتكون من التعليم التونسي العمومي والخاص الذي يتّسم بتقارب وتوحيد البرامج.

وأكد الخبير الدولي في التربية أنه لا بد من تمكين المؤسسات الخاصة من الوقت الكافي للإعداد والتكوين والتدريب حتى يعطي الإجراء أكله دون أن يؤثر على جودة التعليم.  

رضا الزهروني (رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ): نؤيد منشور وزارة التربية

في المقابل، يؤيد رضا زهروني رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ منشور وزارة التربية، على اعتبار أن الجمع بين وظيفتين بالنسبة للموظف العمومي هو أمر غير قانوني من حيث المبدأ، إضافة وأن التدريس ساعات إضافية عن الجدول المخصص للمدرس في المؤسسات العمومية له تأثير على جودة الأداء.

رضا زهروني (رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ): يجب على المؤسسات الخاصة التوجّه لتكوين المدرّسين لضمان جودتها

اقرأ/ي أيضًا: لماذا تتكاثر مؤسسات التعليم الخاص بشكل متواصل؟

وأكّد أنه يجب احترام القانون وتجاوز السكوت المعمول به منذ عقود، مشيرًا إلى أن الإقبال على المدارس الخاصة كان بسبب تدهور المنظومة العمومية، وأن الحل أمام من اختار المؤسسات التربوية الخاصة هو البحث بحسب الأداء لتجاوز النقص.

وقال رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ إنه يجب على المؤسسات الخاصة التوجّه لتكوين وتدريب المدرّسين لضمان جودتها.

واشتكى محدّثنا، في الأثناء، من تغييب دور الولي في المنظومة التربوية وعدم تشريكه في تصورات الإصلاح الذي يبدأ بحسب رأيه بحوكمة المؤسسات التربوية، وإيلاء قطاع التربية الاهتمام المطلوب خاصة في ضوء تسجيل 110 ألف منقطع عن الدراسة سنويًا في مرحلة ما قبل الجامعة.

نقابة التعليم الثانوي: تأييد ولكن..

من جهته، اعتبر كاتب عام نقابة التعليم الثانوي لسعد اليعقوبي أن منشور الوزارة "مهم للمدرسة العمومية"، ووصفه، في مداخلة إذاعية في وقت سابق، بأنه "جريء وإنه من حق الوزارة أن تتخذه من أجل أن تفتح المؤسسات الخاصة للانتداب". وأضاف أن الدولة تمنح التراخيص لفتح مؤسسات خاصة لمعالجة مشكل البطالة.

عبر لسعد اليعقوبي كاتب عام نقابة التعليم الثانوي عن رفضه لـ"مقايضة" وزارة التربية بإعلان استعدادها لفتح مراكز التكوين لفائدة المدارس الخاصة

إلا أن اليعقوبي رفض ما ورد في منشور الوزارة مما وصفتها ب"مقايضة" بإعلانها الاستعداد لفتح مراكزها لتكوين المنتدبين لفائدة المؤسسات الخاصة، معتبرًا إياها من حقّ المدرسة العمومية ومن حق مدرسيها، رافضًا تسخير موارد المجموعة العمومية لفائدة المدرسة الخاصة، وفق قوله.

وفي نفس الإطار، كان قد أكد شادلي الفرشيشي، عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بالهوارية، أن الأولياء بدأوا يدركون أن التعليم العمومي أفضل، مشيرًا إلى أن حوالي أن 40 في المائة من المدارس الخاصة ستغلق لأنها غير قادرة على انتداب أساتذة.

وكان بيان الاتحاد التونسي للمؤسسات الخاصة للتربية والتعليم والتكوين الصادر في 30 أوت/ أغسطس، في هذا الجانب، أفاد بتراجع نسبة التسجيل في المؤسسات الخاصة.

أولياء حائرون

في هذا السياق، مازالت أميرة، وهي أم لثلاثة تلاميذ يزاولون تعليمهم بإحدى المدارس الخاصة في ولاية بن عروس، لم تحسم أمرها بشأن عودة أبنائها في ظل ضبابية الوضع، خاصة وأن قرارها بالتوجه للمؤسسات الخاصة كان بحثًا عن الاستقرار الدراسي حتى مع ارتفاع التكاليف.

محي الدين (وليّ): أجد نفسي في حيرة مع تلويح المؤسسات الخاصة بالإضراب وأعتقد أنه لا مهرب أمامنا، هما خياران بين العمومي والخاص كلاهما مرّ

وهو الشأن أيضًا بالنسبة لمحدثنا محي الدين الذي قال، في حديثه لـ"ألترا تونس"، إنه كان يتمنى أن تكون المدرسة العمومية التي تخرج منها ملائمة لتدريس أبنائه قائلًا "اليوم أجد نفسي في حيرة مع تلويح المؤسسات الخاصة بالإضراب، وأعتقد أن لا مهرب أمامنا هما خياران كلاهما مرّ".

وكان لسعد اليعقوبي كاتب عام الجامعة العامة للتعليم الثانوي، في المقابل، حذر أن العودة المدرسية المقبلة ستكون "عودة نضالية لافتكاك حقوق المدرسين العالقة منذ السنة الفارطة". وفي نفس الإطار، أعلنت النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بنابل مقاطعتها العودة المدرسية متهمة المندوبية الجهوية ووزارة التربية بالتنصل من وعودها وبالمماطلة في التفاوض لحل الإشكاليات العالقة.

في الأثناء ورغم ما يصاحب العودة المقررة يوم 17 سبتمبر/أيلول المقبل من ضبابية، يستعد الأولياء لتأمين عودة أكثر من مليوني تلميذ إلى مقاعد الدراسة وذلك في ظل ارتفاع تكاليف المواد المدرسية بنسبة 30 في المائة مقارنة بالسنة الماضية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الخبير محمد بن فاطمة: منظومة التربية منهارة ولا بدّ من منهجية للإصلاح (حوار)

التعليم في خطر: ثقافة "الموازي المدرسي" تهدد المدرسة التونسية