14-فبراير-2020

تصاعد لافت للعنف المدرسي في تونس (صورة توضيحية/ناصر طلال/وكالة الأناضول)

 

أطلق المتدخلون في الشأن التربوي، من وزارة ومربين وأولياء وهياكل مهنية، صيحة فزع مؤخرًا بعد ارتفاع وتيرة الاعتداءات داخل الفضاءات التربوية وفي محيطها، وفي ظل الأنباء المتواترة عبر وسائل الإعلام عن عمليات اعتداء وضحايا للعنف اللفظي والمادي سواء كانوا تلامذة أو أساتذة أو من بقية أفراد الأسرة التربوية.

أطلق المتدخلون في الشأن التربوي، من وزارة ومربين وأولياء وهياكل مهنية، صيحة فزع مؤخرًا بعد ارتفاع وتيرة الاعتداءات داخل الفضاءات التربوية وفي محيطها

ولم تستثن هذه الاعتداءات أي منطقة من جهات الجمهورية كان آخرها وأعنفها في نفطة، ولاية توزر، قيام تلميذ يدرس في السنة السادسة أساسي بالاعتداء على مدير مدرسة إعداديّة بواسطة آلة حادة مما تسبب له في أضرار بدنية جسيمة، كما تعطلت الدروس بالمدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية بسيدي بوزيد الغربية بتاريخ 13 فيفري/ فبراير 2020 استجابة لدعوة الفرع الجامعي للتعليم الثانوي بسيدي بوزيد بتنفيذ إضراب إنذاري بعد الاعتداء على أستاذ داخل معهد من قبل أحد التلاميذ.

وقدم المرصد الوطني للعنف المدرسي، في قت سابقًا، معطيات إحصائية مفزعة أشارت إلى بلوغ عدد الاعتداءات الصادرة عن تلاميذ تجاه الإطار التربوي 4568 حالة سنة 2019 منها 2266 اعتداءً لفظيًا و2302 اعتداءً ماديًا.

وأكد تطور نسبة الاعتداءات الموجهة ضد الإطار التربوي لتبلغ 83 في المائة سنة 2018 والتي شهدت زيادة بنسبة 3 في المائة خلال الثلاثية الأخيرة من سنة 2019، وبيّن المرصد أن القيمين والقيمين العامين هم أكثر المتضررين من الاعتداءات من الأسرة التربوية إذ بلغت نسبتهم 47 في المائة بالمائة مقابل 23 في المائة على الأساتذة، و11 في المائة على المعلمين بالمدارس الابتدائية، وتعود بقية نسبة الاعتداءات، 19 في المائة، على المديرين والنظار وأعضاء الأسرة التربوية.

اقرأ/ي أيضًا: الخبير محمد بن فاطمة: منظومة التربية منهارة ولا بدّ من منهجية للإصلاح (حوار)

النقابة تتهم الوزارة بـ"البهتة" في مجابهة العنف

وأمام دفع تفاقم العنف في الوسط المدرسي، لفتت الجامعة العامة للتعليم الثانوي، في بيان بتاريخ 13 فيفري / فبراير 2020، نظر السلطة مشيرة إلى اكتساء العنف مزيدًا من الخطورة متهمة وزارة التربية بـ"البهتة في مجابهة منسوب العنف المسلط على المؤسسات التربويّة وعلى العاملين بها".

ودعت النقابة إلى متابعة لكل حالات العنف في مختلف المؤسسات التربوية، معبرة عن إسنادها الكلّي لمختلف التحركات الاحتجاجيّة. كما دعت كافة النقابات الأساسية والفروع الجامعية إلى "التحرك الميداني الفوري واتخاذ ما يجب من أشكال احتجاجية تصعيدية دفاعًا عن حرمة المؤسسات التربوية وكرامة العاملات والعاملين بها".

كما طالبت وزارة التربية بـ"التدخل العاجل والفعال واتخاذ ما يجب من إجراءات حمائية وقانونية من شأنها الحد من استشراء هذه الاعتداءات والعمل على بلورة تصور تربوي مشترك وشامل يعالج هذه الظاهرة ويتعاطى معها بما يجب من الفاعلية والجدوى".

العنف في مدارس سوسة.. نموذج مخيف

في حديثه عن العنف داخل المؤسسات التربويّة في سوسة وعلى العاملين بها، عبر المندوب الجهوي للتربية نجيب الزبيدي لـ"ألترا تونس" عن قلقه من ارتفاع حالات العنف خلال الثلاثي الأول من السنة الدراسية الحالية 2019-2020 التي بلغت 644 حالة إلى حد الآن مقابل بلغ 1578 حالة طيلة السنة الدراسية الفارطة، مشيرًا إلى وجود توتر كبير داخل المؤسسات التربوية وهو "مقلق جدًا".

نجيب الزبيدي (المندوب الجهوي للتربية بسوسة): يجب القيام بدراسة سوسيولوجية عميقة بسبب الارتفاع الغريب في نسبة العنف الذي بلغ درجة قصوى من الخطورة كما تنوعت أشكاله وأساليبه

ودعا محدثنا إلى دراسة هذه الإحصائيات دراسة سوسيولوجية عميقة بسبب "الارتفاع الغريب" في نسبة العنف الذي بلغ درجة قصوى من الخطورة كما تنوعت أشكاله وأساليبه، وفق تعبيره.

وأفاد أن أسباب العنف في السنة الفارطة تتمثل في التعرض إلى الاستفزاز (523 حالة)، وتناول المواد المخدرات (3 حالات)، والتحرش الجنسي (6 حالات)، والسرقة (23 حالة)، والغش في الامتحان (82 حالة) إضافة لأسباب أخرى (235 حالة) مع عدم تسجيل حالة عنف بسبب الكحول. وأكد، إجمالًا، أن العدد الإجمالي لحالات العنف في المرحلتين الإعدادية والثانوية ارتفع بشكل مزعج وبمعدل 3 في المائة من التلاميذ يمارسون العنف.

مراسل "ألترا تونس" مع المندوب الجهوي للتربية بسوسة

 

ولاحظ المندوب الجهوي للتربية بسوسة، من خلال قراءته للجداول الإحصائية للعنف، ارتفاع الاعتداءات الصادر من الإناث إذ بلغت 369 حالة من مجموع 1578 اعتداء طيلة الموسم الدراسي الفارط في حين بلغت خلال الثلاثي الأول من السنة الدراسية الحالية 179 من مجموع 644 حالة اعتداء.

وأفاد الزبيدي أن مصالح إدارته أطلقت حملة جهوية للتصدي للمخدرات ولكافة السلوكات المحفوفة بالمخاطر في الوسط التربوي، مشيرًا إلى مشاركة جهات متعددة في هذا المشروع الذي يشمل ولاية سوسة من جهات صحية وأمنية وجمعياتية. وأوضح أن فكرة الحملة تقوم على تمكين التلميذ من المبادرة والعزم على خلق آليات نابعة منه لمقاومة العنف.

وتابع قائلًا: "سعينا إلى تكوين هيئة موسعة من التلاميذ بمعدل تلميذين عن كل قسم تلميذة وتلميذ ويتمّ طرح المشروع عليهم وهم من يقومون بتطوير الأنشطة والبرامج والمشاريع التي يرغبون فيها دون تدخل من المدير أو الأستاذ أو الولي أو أي كان" مضيفًا "يكفينا من الوصاية".

عوامل خارجية وداخلية وراء العنف المدرسي

من جانبه، أرجع بشير حسني، وهو مربي وناشط مدني، استفحال ظاهرة العنف في السنوات الأخيرة داخل المؤسسات التربوية وإلى عوامل خارجية وأخرى داخلية. وأوضح أن الأسباب الخارجية تبدأ من المحيط العائلي للتلميذ في ظل استقالة الوليّ كليًا عن متابعة منظوره وفق تقديره، إضافة إلى محيط المؤسسات التربوية الذي أصبح يستقطب العاطلين عن العمل وحتى مروجي المخدرات بمختلف أنواعها. وأضاف أنه في غياب متابعة للولي، انساق العديد من التلاميذ إلى تيار استهلاك المخدرات وما يخلفه من توتر نفسي ما انعكس على النتائج المدرسية لكثرة الغيابات.

بشير حسني (مربي وناشط مدني): يجب على التلميذ أن يعي أنه مهما توهم فيبقى عليه احترام الفضاء التربوي الذي يقصده لتلقي المعرفة 

وبخصوص الأسباب الداخلية، تحدث حسني عن تسجيل نقائص عدة في المؤسسات التربوية "التي أصبحت فضاءات خانقة لا إبداع فيها وتفتقر لأبسط شروط الدراسة خاصة مع الاكتظاظ داخل الأقسام بسبب الضغط على الموارد البشرية من مدرسين وقيمين، إضافة إلى البرامج المملة التي لا تواكب تطور العصر". وأضاف محدثنا أن الزمن المدرسي يجعل التلميذ يقضي أغلب الوقت في فضاء لا تتوفر فيه شروط التعايش والخلق والإبداع.

اقرأ/ي أيضًا: التربية على الصحة الجنسية.. ماذا سيتعلّم التلميذ التونسي؟

وأكد محدثنا أن جميع هذه العوامل ساهمت في توتر العلاقات داخل الفضاء التربوي إضافة إلى ما يصفه بتهاون مختلف الأطراف في التعاطي مع ظاهرة العنف اللفظي والمادي. وأشار، بالخصوص، إلى ظاهرة تدخل أطراف من خارج المؤسسات التربوية حتى للحصول على بطاقة دخول وهو ما ساهم في تكبيل المؤسسة التربوية.

ودعا المربي والناشط المدني إلى ضرورة استرجاع المدرسة بهيبتها في المجتمع، وعودة التلميذ إلى رشده "إذ يجب أن يعي أنه مهما توهم يبقى تلميذ عليه باحترام الفضاء التربوي الذي يقصده لتلقي المعرفة وعليه التمييز بين المؤسسة التربوية وملاعب الكرة وحتى البلاتوات التلفزيونية التي سّرعت بانتشار العنف داخل مفاصل المجتمع ككل والمجتمع التربوي بالخصوص" وفق تأكيده.

هذه العوامل تساعد للحد من العنف

من جهته، أقر خبير المرافقة التربوية رضا بن عائشة، في حديثه لـ"ألترا تونس" أن بتفاقم ظاهرة العنف داخل الفضاءات التربوية وأولها ما أرجعه إلى أسباب متداخلة منها ما هو تربوي خاص و منها ما هو اجتماعي سياسي عام وفق تعبيره.

وقال إن التوتر صار يصبغ حياة التونسي بصورة عامة بسبب الضغوط المالية المتزايدة على الأسرة وضبابية المشهد السياسي والاجتماع. مشيرًا إلى توتّر العلاقات بين مكوّنات المشهد التربوي منذ تصاعد الخلافات بين الوزراء المتعاقبين على وزارة التربية ونقابات القطاع وما واكبه من تشنّج في الخطابات واتهامات للمربين بالابتزاز والمغالاة في المطالب الاجتماعية. واعتبر أن هذا التوتر "جعل صورة المربي تهتزّ في ذهن التلميذ والولي وتفقد ما كان يحيط بها من قدسية اجتماعية جعلت المربي في أعلى الهرم الاعتباري في المجتمع فتجاسر الجميع على المربي وعلى المدرسة التي فقدت جاذبيتها كمصعد اجتماعي في ظل تفاقم بطالة أصحاب الشهائد العليا".

رضا بن عائشة (خبير تربوي): توتّر العلاقات بين مكوّنات المشهد التربوي منذ تصاعد الخلافات بين الوزارة ونقابات القطاع جعل صورة المربي تهتزّ في ذهن التلميذ والولي وتفقد ما كان يحيط بها من قدسية اجتماعية

وأضاف محدثنا أن إيقاف الانتدابات وضعف ميزانية وزارة التربية ساهما في تفاقم ظاهرة الاكتظاظ في الأقسام وما يسببه من ضغط على المربي وتوتر قد يدفع البعض إلى ممارسة العنف بمختلف درجاته الرمزية واللفظية وفي حالات شاذة الجسدية. وقال، في هذا الجانب، إن إصدار قانون يجرم الاعتداء على المؤسسات التربوية هو مطلب مشروع وملح.

وأكد الخبير التربوي على أهمية عوامل عديدة للمساعدة على الحد من ظاهرة العنف داخل المدرسة وفي عموم المجتمع على غرار تصحيح العلاقة بين مكونات الأسرة التربوية، وتفعيل مجالس المؤسسات، ودعم الأنشطة الثقافية داخل المدارس والمعاهد، وتوسيع الشراكات مع المجتمع المدني، وتحديث التكوين الموجه للإطار التربويـ والمضي بجدية في إصلاح تربوي عميق ورصين مع استقرار مؤسسات الدولة وتحسن الوضع الاقتصادي.

واعتبر بن عائشة أن دور المجتمع المدني محوري للحد من العنف داخل المدرسة وفي محيطها داعيًا جمعيات الأولياء للتحرك الجاد نحو تأطير التلاميذ في أنشطة ثقافية ورياضية بالتعاون والشراكة مع الهياكل الرسمية. ودعا أيضًا لصياغة "مشاريع مؤسسة" تبنى على التعاون والتعاضد بين مختلف المتدخلين "للخروج من الدائرة المفرغة التي دخلها الجميع منذ اشتعال الخلاف الوزاري النقابي".

ووجه خبير المرافقة التربوية، في ختام حديثه معنا، دعوة إلى وزارة التربية إلى الانفتاح على المجتمع المدني وتيسير أنشطته وتبسيط الإجراءات الإدارية المكبلة، وفق توصيفه، لأنشطة الجمعيات الراغبة في دعم جهود الدولة في المجال التربوي وذك دون الغفلة عن منع كل توظيف سياسي أو حزبي أو تجاري لهذه الأنشطة، وفق تأكيده.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لعبة "البلانات".. الإدمان الخفيّ من أجل الربح السريع

المس بالمقدّسات عند المراهق.. خلل تربوي أم هويّة بصدد التشكّل؟