أن تذهب إلى طبيب الذكورة فعليك أن تخفي الأمر عن الجميع وحتى عن زوجتك، وحين ترتاد عيادة المختص فعليك أن تفعل ذلك سرًا وكأنّك ترتاد مكانًا مشبوهًا، وإلًا ستصبح في عيون الأغلب إن لم نقل الكل "مش راجل". هكذا يقول مكرم (اسم مستعار) وهو يروي قصته مع العلاج منذ سنة بسبب عجزه الجنسي، مؤكدًا أنّه يخفي الأمر عن كل أفراد العائلة وحتى عن زوجته.
يقول مكرم لـ"الترا تونس" إنّه اكتشف عجزه الجنسي قبل الزواج بسنوات، ومع ذلك تزوج أملًا منه أن يعالج الأمر فيما بعد، وأنه بمجرد الزواج سيكون كل شيء طبيعيًا. وهو يعرف اليوم أنّ زوجته قد تكون منزعجة من الأمر، ولكنّه قرر العلاج دون حتى إخبارها، لأن ذلك مصدر حرج له كما يقول.
الفحولة في المجتمعات العربية هي دلالة على الرجولة والقدرة على ممارسة الجنس لذا يخجل كل عاجز جنسي عن مصارحة الغير بعجزه
وتعتبر المجتمعات العربية الذكورة أو الفحولة معيارًا للتفوق على المرأة. فالفحل في أصل معناه هو الذَّكر من كل حيوان، ثم صار ذلك الذكر الضخم المنجب صاحب القوة الجنسية والجسدية الفائقة. غير أن الفحولة في المجتمع العربي سرعان ما اتخذت لنفسها بعدًا آخر في سياقات أخرى، وأصبحت دلالة حتى على الرجولة والقدرة على ممارسة الجنس لدى الرجال. لذا يخجل كل عاجز جنسي عن مصارحة الغير بعجزه وفق هشام الشريف المختص في الجنسانية البشرية والباحث في علم الجنس في حديثه لـ"الترا تونس".
اقرأ/ي أيضًا: "سكّرتك بالشروليّة على كل بنية".. وللفتيان نصيب من التصفيح في تونس
يضيف الشريف في حديثه معنا أن "الرجل لا يريد حتى الاعتراف بالأمر لنفسه فكيف يعترف به للآخر أو حتى الزوجة في حد ذاتها بل ويعتقد البعض أن زيارة المختصين تعتبر إهانة واستنقاصًا من الرجولة والتشكيك فيها، مشيرًا أن "المجتمعات العربية تعتبر الضعيف الجنسي ليس برجل، ولا تعترف بأنّ هذه أمراض لا تمس الرجولة ويمكن معالجتها بعد جلسات علاج نفسي لدى أحد المختصين".
ويؤكد المختص في الجنسانية البشرية أن الحديث عن علاج المرأة "أمر مقبول وعادي بالنسبة للمجتمعات العربية ولا يخلق أي خجل وكأن العجز مكتوب فقط على المرأة، حتى أنه في حال تأخر حمل الزوجة تتعرض للمضايقة والانتقاد دون الشك ولو للحظة أن العيب قد يكون في الزوج".
طبعًا لم يكن من السهل بالنسبة إلينا إقناع رجل للحديث عن عجزه الجنسي، وكان من الصعب الالتقاء بأحدهم دون أن يتأكد من أنّ اسمه لن يذكر ودون كشف هويته، وذلك على غرار فتحي (اسم مستعار) الذي أشار إلى أنه بات عاجزًا جنسيًا أو يعاني اضطرابات جنسية بالأساس بعد أربع سنوات من زواجه قائلًا "اعتقدت في البداية أن الأمر بسبب قليل من القلق والتوتر أو الإرهاق، لكن بعد تواصل الحالة على مدى عدة أشهر كان من الواضح أن حالتي ليست مؤقتة".
المختص في الجنسانية البشرية هشام الشريف: العاجز جنسيًا لا يريد الاعتراف بالأمر لنفسه فكيف يعترف به للآخر أو حتى الزوجة في حد ذاتها بل ويعتقد البعض أن زيارة المختصين تعتبر إهانة واستنقاصًا من الرجولة
وقد أضاف محدّثنا أنه جرب في البداية تعاطي بعض المنشطات المعروفة دون اللجوء إلى طبيب، ولكنها لم تنجح في حل المشكلة مشيرًا "ما زاد الأمر سوءًا هو تغير سلوك زوجتي معي والتي باتت تعاملني بفتور وقسوة. وطلبت مني العلاج لكنني أكره مجرد التفكير في ذلك. أكره نفسي حين أتخيل أنني في عيادة طبيب وهو يكشف على مناطق حساسة من جسمي أو أن أتوجه إلى طبيب نفسي لمعالجة الأمر أو مصارحته بعجزي الجنسي".
يشير الباحث في علم الجنس هشام الشريف، في هذا الجانب، أن أغلب الذين يعانون العجز الجنسي أو اضطرابات جنسية يرفضون العلاج لأنهم أساسًا يرفضون الاعتراف بعجزهم أو تفطن أي طرف كان لهذا العجز فيهم.
ويقول في حديثه معنا "أنا كمختص أقدر هذا الأمر وهو ما دفعني إلى عدم توظيف سكرتيرة تحدد المواعيد أو تستقبل المرضى حتى يكون الشخص مرتاحًا أكثر خلال تواصله مباشرة مع الطبيب. وعلى صعيد آخر خلال استقبالي لهؤلاء أتجنب دائمًا أن يتقابل أي شخص مع مريض آخر في العيادة حتى أحقق رغبة كل شخص في سرية العلاج دون أن يعرف أيًا كان بهذا الأمر، وهو جزء هام للعلاج".
فتحي (اسم مستعار): أكره نفسي حين أتخيل أنني في عيادة طبيب وهو يكشف على مناطق حساسة من جسمي أو أن أتوجه إلى طبيب نفسي لمصارحته بعجزي الجنسي
من جهة أخرى، أكد محدّثنا أنه لا يوجد مفهوم اسمه عجز جنسي بالأساس "ففي علم الجنس نتحدث عن اضطرابات جنسية تتمظهر في عدّة إشكاليات يتعرض لها البعض نتيجة الضغوط الحياتية واليومية".
اقرأ/ي أيضًا: مونولوج الإجهاض: "لن أحمل مجددًا لأني لم أكبر بعد"
يكتشف البعض عجزه قبل الزواج أو بعده، فيما قد يتعرض آخرون إلى اضطرابات جنسية بعد الزواج بمدة، ورفض العلاج دون مراعاة شعور الطرف الآخر أو التفكير في المشاكل التي قد تنجر عن ذلك. في المقابل، يوجد عدد كبير من الرافضين للزواج، ويكون مرد ذلك العجز الجنسي الذي يعانون منه دون قدرتهم على الاعتراف بذلك، ويختارون عدم المجازفة والزواج للحفاظ على صورتهم في المجتمع.
أحمد الذي التقيناه هو أحد هؤلاء، جعله يقينه بعجزه الجنسي يرفض فكرة الزواج رغم ضغط العائلة، وهو يرفض أيضًا حتى فكرة العلاج أو اللجوء إلى مختص. ويشير محدثنا أنه يلجأ أحيانًا الى أحد الأطباء النفسيين لأنه يرفض الإفصاح عن ذلك لأحد أقاربه أو أصدقائه خوفًا من سخريتهم ونعته بأنه "مش راجل" كما يقول.
من جهته، يشير الشريف إلى أن عنصر المصارحة هو "أمر هام، وهو أفضل من الزواج والطلاق لا سيما وأن جل حالات الطلاق سببها المشاكل الجنسية المسكوت عنها". وبصفته خبيرًا لدى المحاكم في تونس العاصمة، تقع الاستعانة بهشام الشريف من قبل قاضي الأسرة في العديد من حالات الطلاق. ويقول المختص في الجنسانية البشرية، في هذا الإطار، إنه بمجرد الحديث مع طالبي الطلاق في بعض أمور حياتهم الزوجية يتضح في أغلب القضايا أنّ الجنس هو سبب الطلاق.
أحمد يرفض الزواج رغم ضغط العائلة مخيرًا إخفاء عجزه الجنسي وهو يرفض أيضًا فكرة العلاج أو الإفصاح عن ذلك لأحد أقاربه أو أصدقائه خوفًا من سخريتهم ونعته بأنه "مش راجل"
ازدهرت، في الأثناء، في تونس تجارة صنع المنشطات الجنسية والأدوية المعالجة لحالات الاضطراب الجنسي التي تصيب الرجال. إذ سبق وأعلن مسؤول في الصيدلية المركزية أن الصيدليات تبيع شهريًا 42800 حبة من عقار "الفياغرا"، وحوالي 100 ألف حبة من عقارين شبيهين هما "فياتيك" و"زلتان" يتم تصنيعهما في تونس.
اقرأ/ي أيضًا: