"أن تكوني امرأة في بلد عربي يعني أن يتأثر حقك في الغذاء وغيره من الحقوق كالحق في المياه والأرض"، عبارات وردت براصد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية لعام 2019 الخاص بالحق في الغذاء. والحديث عن الحق في الغذاء والسيادة الغذائية من المنظور الجندري الذي خُصّص له فصل في الراصد، يحيل إلى العلاقة المباشرة بين المرأة والغذاء، على اعتبار أن النساء يسهمن في إنتاج الغذاء في مراحله المختلفة.
نائلة الزغلامي (عضو جمعية النساء الديمقراطيات): النساء العاملات في الوسط الريفي يتقاضين نصف أجر الرجل ولا يتمتعن بالحماية ولا التغطية الاجتماعية
وإن كانت البلاد التونسية غير معنية بسوء التغذية على خلاف بلدان عربية أخرى وهي سوريا والعراق واليمن وفلسطين، فهي مدعوّة إلى مراجعة سياساتها الاقتصادية والاجتماعية في اتجاه تحسين النظم الفلاحية.
اقرأ/ي أيضًا: العودة المدرسية.. أزمة في المدارس الخاصة وأولياء حائرون
نساء يعانين من أجل الأمن الغذائي للآخرين..
لا يمكن لتونس بأي شكل من الأشكال أن تضمن الحق في الغذاء وتؤسس لعدالة غذائية مادامت حقوق المرأة العاملة في القطاع الفلاحي وهي التي تشكّل 80 في المائة من اليد العاملة فيه منقوصة، وفق ما أفادته به الكاتبة العامة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي.
وأشارت الزغلامي في حديثها لـ"ألترا تونس"، إلى أنّه من الإيجابي أن تكون تونس خارج دائرة البلدان العربية التي تعاني من سوء التغذية ولكن ذلك لا ينفي وجود بعض المؤشرات التي قد تهدد الحق في الغذاء على غرار انتهاك حقوق العاملات في القطاع الفلاحي، مضيفة "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أعدّت دراسة بخصوص العاملات في الوسط الريفي وخلصت إلى معطيات تفيد باستغلال النساء في العمل الفلاحي خاصة وأنهن يمثّلن يدًا عاملة رخيصة".
أديب نعمة لـ"ألترا تونس": إذا توجهنا بسياساتنا الغذائية نحو اقتصاديات السوق ونحو الاستيراد فنحن فعليًا نعتمد سياسات تؤدي إلى تهميش مستمر لصغار الفلاحين
وتابعت بالقول "النساء العاملات في الوسط الريفي يتقاضين نصف أجر الرجل ولا يتمتعن بالحماية ولا التغطية الاجتماعية خاصة مسألة النقل غير الآمن الذي يتسبب في حوادث وفاة عاملات يتنقّلن في شاحنات الموت في سبيل تحقيق الأمن الغذائي للآخرين"، لافتة إلى أنّ الغذاء حق لكل إنسان ولكن يتم الحديث عنه من منظور جندري لأن نسبة العاملات في قطاع الفلاحة كبيرة وهن فئة هشة وأكثر عرضة للتجويع والتفقير، حتّى أنّهن يسهمن في إنتاج خضر وغلال لا يتذوّقنها طيلة حياتهن رغم أنهن يخضّبنها بدمائهن وعرقهن، وفق قولها.
وقالت محدثتنا إنّ "راصد الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في البلدان العربية أطلق اليوم صيحة فزع خوفًا من أن تسوء الأوضاع في ظل الاتفاقيات التي تهدد السيادة الغذائية على غرار الأليكا والتي ستكون نتائجها وخيمة على الفئات المفقرة بما فيهن النساء الكادحات"، مشيرة إلى أن العاملات في قطاع الفلاحة غير محميات وأن الدولة غير واعية بذلك، وهو ما يحتّم ضرورة انتباه المجتمع المدني التونسي إلى مسالة الحق في الغذاء ليكون في متناول الفئات المفقّرة بتوزان، قائلة "الوسطاء نحن شوكة في حلق كل السياسات التي تسعى إلى تفقير الكادحات والكادحين".
اقرأ/ي أيضًا: "في بيتهم وحش".. قصص عن اغتصاب أطفال من ذوي القربى
استغلال العاملات في الفلاحة جزء من السياسات النيوليبرالية
من جهته، اعتبر الخبير في التنمية عن شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية أديب نعمة أن استغلال العاملات في القطاع الفلاحي غير إنساني وهو جزء من السياسات العامة النيوليبرالية التي لا تعطي قيمة للإنسان، ويتجلّى ذلك بالأساس في قطاع الزراعة بأنه مهمش وفي فئة النساء لهشاشتها.
وقال نعمة، في تصريح لـ"ألترا تونس"، "إذا توجهنا بسياساتنا الغذائية نحو اقتصاديات السوق ونحو الاستيراد والزراعات المروية في المساحات الكبيرة المخصصة لإنتاج سلعة للتصدير، فنحن فعليًا نعتمد سياسات تؤدي إلى تهميش مستمر لصغار الفلاحين وصغار المنتجين ولا سيما النساء".
النساء الريفيات تشكّلن 90 في المائة من عمال الحصاد وتعملن كعاملات زراعيات موسميات
وأشار إلى أن دور المرأة أساسي في الزراعة طالما هذه الزراعة أسرية أو تتم على نطاق محلي أو تعتمد على أساليب تقليدية، مؤكّدًا أن التوجّه إلى اقتصاديات السوق يضرب هذا الدور ويضرب الزراعة التقليدية.
وأضاف "هناك استخدام مكثف للنساء في الأعمال الزراعية سواء في القطاف أو المعالجة في المصانع، وهو استخدام يتم بشروط غير بشرية على الإطلاق، ويتم تشغيلها لأنها قابلة للإخضاع والسيطرة عليها"، لافتًا إلى أنها تتقاضى أجرًا أدنى نتيجة حاجتها إلى العمل.
وتابع بالقول " تتعرض المرأة إلى الاستغلال الشديد وتتحول في أغلب الأحيان من فلاحة ومزارعة تعمل في إطار أسرتها على إنتاج استهلاك ذاتي ومحلي إلى أجيرة زراعية تعمل في الشركات الكبيرة أو أراضي تابعة لآخرين لقاء أجر زهيد محفوف بالخطر، ففي تونس ظروف نقل العاملات غير ملائمة مما أدى إلى عدّة وفيات".
العاملات في القطاع الفلاحي وإنتاج زيت الزيتون..
وتطرّق راصد الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في البلدان العربية إلى إنتاج زيت الزيتون في تونس، إذ ورد فيه أنّ المساهمة الأكبر للنساء في صناعته تقدّر بـ2 مليار دينار تونسي وذلك كونهن مصدرًا للعمالة الرخيصة خلال مواسم الحصاد.
وجاء في التقرير أن النساء الريفيات تشكّلن 90 في المائة من عمال الحصاد وتعملن كعاملات زراعيات موسميات كما تتلقين أجورهن بشكل يومي وهي غالبًا أقل مما يكسب الرجال العمال الذين يقومون بالعمل ذاته ويتم صرف جزء صغير من أجورهن على المواصلات من قراهن إلى بساتين الزيتون وينظم ذلك عادة المستخدمون أصحاب المزارع.
اقرأ/ي أيضًا: