بربطة عنقه الملونة وبدلته الأنيقة وخطواته الثابتة، وبنبرة صوته المميزة، يسلّم عليك بدفء ويحدثك بودّ وكأنه يعرفك، ويكفي أن تعرفه أن تقول له: "أهلًا عمي الطاهر".
إنه الطاهر المليجي ذاكرة الفنانين كما يلقبه كثيرون والذاكرة التي تجمع الفن بالإعلام. يعترضك في أروقة الإذاعة التونسية أين مكث عمرًا هناك، فتستدرجه للحديث وإذ به يوقع بك في شراك التاريخ، فيروي لك قصة أبواب الإذاعة وأركانها، ويسرد حكايات شخصيات مرت من هناك فلكل أستوديو حكايته عند عمّ الطاهر. يتحوّل المكان إلى صور أمامك ويتلمس الرجل الأقفال وكأنه يناديها: "اشهدي على ما أقول".
الطاهر المليجي: أستغرب اليوم من إعادة بث برامج كثيرة على القناة الوطنية فيما يتم استثناء برامجي
يبدأ المليجي حديثه لـ"ألترا تونس" قائلًا: "عمري 84 عامًا ومازلت أتذكر كل التفاصيل لأنني لم أكن موظفًا يعمل فقط، بل كنت أمارس فعلًا أحبه. فقد عشقت العمل التلفزي وأعطيته عمري وقدمت خلاله برامج ثرية بأخبار حصرية نظرًا لعلاقاتي القوية بعمالقة الطرب في مصر وتونس".
ويواصل حديثه مستدركًا: "لكن أستغرب اليوم من إعادة بث برامج كثيرة على القناة الوطنية فيما يتم استثناء برامجي" مضيفًا بصوت تخنقه العبرات "ظلمتني التلفزة ويؤلمني ذلك جدًا".
اقرأ/ي أيضًا: حوار| لطفي بوشناق: لم أنتظر الثورة لأتحرّر وهذا هو "سليمان" في "أجراس العودة"
الطاهر المليجي الذي كان شاهدًا على الحراك الفني الذي عاشته تونس منذ الثلاثينيات اختفى عن الأنظار في السنوات الأخيرة بسبب تقدمه في العمر، لكن أيضًا لأن الساحة الفنية والإعلامية باتت تعيش وضعًا مزريًا، على حد تعبيره.
ويرى أن العمل الإعلامي لا يقوم على تقديم ما يرضي الجمهور بل يهدف إلى الرقي بالجماهير من خلال تقديم مادة راقية من حيث الأغاني والقصائد، مستغربًا ما يصفها بـ"الأغاني الهابطة" التي يبثها الإعلام عمومًا والعمومي منه خصوصًا.
الطاهر المليجي: الأغنية التونسية تعيش اليوم أسوأ حالاتها
وينتقد عم الطاهر، في حديثه معنا، ما يعتبره "حديث قهاوي" وكثرة الضحك والقهقهة في البرامج الإذاعية خصوصًا، معتبرًا ذلك ترذيلًا للعمل الاذاعي وقلة احترام للمستمع. وأخبرنا أنه لا يستمع اليوم إلا للإذاعة الثقافية التي يرى أنها نقطة ضوء وسط العتمة.
الرجل مؤرخ الفنانين كما يُقلّب والذي عايش أهم الشعراء والفنانين والملحنين في تونس يرثي حال الأغنية التونسية واليوم، ويرى أنها تعيش أسوأ حالاتها رغم وجود شعراء كبار مثل آدم فتحي الذي بعتبره من أحسن الأقلام.
الناقد والإعلامي الذي عرف بكلمته "بالأمارة" يحتفظ بكل برامجه في أشرطة كاسات متمنيًا رقمنة أرشيفه وأن لا يضيع في الرفوف. وقد نشر، في هذا الإطار أيضًا، عدة مقالات في جريدة "الصباح" حول مواضيع عدة منها المعهد الرشيدي والمنعرج الموسيقي، وأثر البايات في الحياة الموسيقية بتونس، ويهود تونس وأثرهم في الساحة الفنية.
الطاهر المليجي: تلقيب بورقيبة بـ"المجاهد الأكبر" إهانة للمجاهدين الذين حملوا السلاح في الجبال لمواجهة المستعمر
والطاهر المليجي الذي اختص في النقد الفني يقول لـ"ألترا تونس": "أكره السياسة، وكنت أعتبر بورقيبة أعظم سياسي في تونس لكن عندما أهان البايات وأذلهم اعتبرته ارتكب خطأً فادحًا جدًا وثم حينما جعل من الرئاسة مدى الحياة". ويرى أن في تلقيبه، بورقيبة، بـ"المجاهد الأكبر" إهانة للمجاهدين الذين حملوا السلاح في الجبال لمواجهة المستعمر.
أما عن الوضع السياسي الراهن، يقدّر محدثنا أن البلاد تعاني من طبقة سياسية تفتقد للنضج اللازم، مؤكدًا أن المواطن التونسي يدفع ثمن تجاذبات هذه الطبقة وخصوماتها من قوته اليومي.
اقرأ/ي أيضًا:
آمال المثلوثي: نيويورك أوسع فضاء للحرية والشيخ العفريت يغريني (حوار)
رفيقة بوجدي: هذه حكايتي مع الدراما في تونس والجزائر وهكذا ننافس الأتراك (حوار)