مقال رأي
خلال العشرية الأخيرة، بات التعليم العالي في تونس، عمومًا، بلا طائل، إذ أن أغلب الشباب، وخاصة منهم خريجو الجامعات وأصحاب الشهائد العليا، يعانون البطالة منذ تخرجهم، ومنهم من تجاوزت بطالتهم العشر سنوات.
أغلب الاختصاصات التي تدرس في الجامعة ليست متوفرة في سوق الشغل على غرار اللغات والآداب التي تشهد منافسة مع الهندسة والطب والعلوم الرقمية والإعلامية التي تتماشى مع السوق التونسية والعالمية على حد سواء. وقد أصبح الطلاب يلجؤون إلى هذه الاختصاصات العلمية والمتطورة، على اعتبار أنها تفتح لهم أبوابًا للعمل في تونس وخارجها.
لكن، من المهم الإشارة إلى أنه ليس من السهل على جميع الطلبة الالتحاق بالشعب العلمية، فمنهم من لا تسمح معدلاتهم باتباع هذه الاختصاصات والكثير منهم يتبع اللغات والعلوم الإنسانية والأدبية التي بات خريجوها يجدون أنفسهم، العام تلو الآخر، وجهًا لوجه مع البطالة.
عدد كبير من الشباب، وخاصة منه الحامل لشهائد عليا، يبحث في شبكات التواصل الاجتماعي، سواء المجموعات المُنشأة للغرض في "فيسبوك" أو في منصة "لينكد إن"، عن فرص عمل أو عن أفكار لبعث مشاريع خاصة
ولعلّ خير مثال حيّ يبرز مستوى البطالة في تونس هو العدد الكبير من الشباب، وخاصة منه الحامل لشهائد عليا، الباحث في شبكات التواصل الاجتماعي، سواء المجموعات المُنشأة للغرض في "فيسبوك" أو في منصة "لينكد إن"، عن فرص عمل أو عن أفكار لبعث مشاريع خاصة مختلفة عن اختصاصاتهم الأكاديمية والجامعية وذلك لاقتناعهم التام بأن المشغل التونسي الخاص والعمومي لا يستطيع تشغيل جميع المتخرجين.
وحسب آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء سنة 2021، فإن نسبة البطالة من بين حاملي الشهادات العليا بلغت 30.1% في الثلاثي الثالث لسنة 2020، وهذا الرقم يعتبر مرتفعًا.
اقرأ/ي أيضًا: ارتفاع نسبة البطالة إلى حدود 18.4% خلال الثلاثي الثالث من سنة 2021
وبذلك يمكن القول إن الشباب التونسي انقسم بين من يبحث عن فرص العمل خارج البلاد في اختصاصه وبين من يتقدم للدراسة في معاهد تكوين خاصة للحصول على "صنعة " يستطيع من خلالها بدأ مشروع خاص أو العمل خارج البلاد أيضًا، لكن حتى تنفيذ المشاريع الخاصة على أرض الوطن أصبح أمرًا صعب المنال مع تنفّذ "البيروقراطية" وتعقيد الإجراءات الإدارية ومحدودية رأس المال، وغير ذلك من العوامل.
يمكن القول إن الشباب العاطل عن العمل انقسم بين من يبحث عن فرص العمل خارج البلاد وبين من يتقدم للدراسة في معاهد تكوين خاصة للحصول على "صنعة " يستطيع من خلالها بدأ مشروع خاص
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى فرص العمل التي توفرها دول أجنبية، على غرار كندا التي تفتح المجال أمام الشباب من الدول العربية للحصول على فرص شغل تتضمن مختلف المجالات سواء منها الأكاديمية أو التكوينية مع عدة تسهيلات في مراحل الهجرة. وبذلك، أصبحت كندا حلمًا للعديد من الشباب الذي لم يعد قادرًا على تحمل معيشته في تونس في ظل تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على حد سواء، ويرى أن تونس لم تعد تمثل مناخًا مناسبًا للعيش الكريم.
اقرأ/ي أيضًا: فاروق العيشاوي.. شاب قارع البطالة بالعجلات المطّاطية
حسب إحصائيات للمرصد الوطني للهجرة لسنة 2020، بلغ عدد المهاجرين 566 ألف شخص يتوزعون في فرنسا وإيطاليا وألمانيا، أغلبهم غادر من أجل البحث عن عمل وتحسين دخلهم.
أصبحت كندا حلمًا للعديد من الشباب الذي لم يعد قادرًا على تحمل معيشته في تونس في ظل تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على حد سواء
ويشير المرصد إلى أنه قد غادر 39 ألف مهندس، و3.3 ألف طبيب خلال الفترة المتراوحة بين سنتيْ 2015 و2020، وهو رقم مفزع وقابل للارتفاع في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، ورويدًا رويدًا أصبحنا نتحدث عن هجرة الأدمغة التي ستسفر عن شح تام في العديد من القطاعات في تونس. وحسب ما أدلى به المرصد الوطني للهجرة فإن أغلب القطاعات التي يشغلها المهاجرون تتفرع إلى قطاع البناء والإيواء والمطاعم، ثم تأتي التجارة والصناعة التحويلية ثم الفلاحة والصيد البحري.
أمام هذه الأرقام المفزعة، لا يسعنا إلا تأكيد ضرورة أن تجد الحكومة التونسية حلولًا مجدية لتفاقم البطالة في تونس، من شأنها توفير سوق الشغل في مختلف المجالات الجامعية، لعلّ أوكدها، في مرحلة أولى، القطع مع سياسة البيروقراطية والأساليب الإدارية البالية التي ما فتئت تمثل عائقًا أمام الشباب.
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"
اقرأ/ي أيضًا:
حوار| باعث شاب: الدولة أجهضت مشروعي لتحويل النفايات إلى طاقة متجددة
لجؤوا لبيع "الملاوي" و"الفريب" ومهن أخرى..قصص عن خريجي تعليم عالٍ غيروا طريقهم