"عمري 28 سنة، تغيّرت حياتي منذ تزوجت وكان ذلك في سن العشرين، ومررت بتجربة مرض السيدا.. كنتُ قد انقطعت عن دراستي الجامعية وخيّرت الارتباط بابن عمي الذي يكبرني بحوالي 15 سنة، كان مقيمًا في إيطاليا ولم يزر تونس طيلة عشر سنوات.. فور عودته لأرض الوطن سنة 2015 قررت عائلته تزويجه من إحدى بنات العائلة كي تضمن عودته سنويًا إلى تونس وليؤسس عائلة وتقر عين والدته برؤية أحفادها من ابنها الوحيد الذي سرقته منها الغربة كما تقول دائمًا.. وقع الاختيار عليّ فقد كانت صفاتي تتوافق مع شروطه (جميلة، ذات أخلاق عالية، مثقفة) ولسوء حظي توفرت فيه جميع شروط (فارس أحلام فتيات العائلة)..".
- تونسية تروي تجربتها مع مرض السيدا
"أعتبره سوء حظ، لكن جميع من حولي كانوا يرونني محظوظة آنذاك فقد وعدني ابن عمي بإتمام مسيرتي الجامعية في إيطاليا وبحياة سعادة وترف على أرض الجنة الموعودة.. لا أنكر أني أعجبت به وأحببته ورأيت فيه الشريك المناسب خاصة وأنه يقدّر أهمية الدراسة والعلم والمعرفة وهو كل ما يهمني حينها.. أقيمت مراسم الزفاف في الصائفة ذاتها وكان زفافًا أسطوريًا بالنسبة لأهالي قريتنا المتواضعة، ثم سافر زوجي بعد أسبوعين لإيطاليا ليتم الوثائق اللازمة.. التحقت به بعد حوالي 7 أشهر وعشت أجمل لحظات حياتي، فقد سحرتني إيطاليا بكل ما فيها معالمها السياحية المأكولات الشعبية وغيرها.. وبما أني لا أجيد اللغة الإيطالية سخّرت سنة كاملة لتعلّمها لأتمكن إثر ذلك من الالتحاق بإحدى الجامعات.. تمت الأمور كما خططت له وسجلت بإحدى الجامعات، أتمتت السنة الأولى بنجاح وفي السنة الثانية حدث ما لم يكن متوقعًا".
السيدا هي عدوى تهاجم جهاز المناعة في الجسم، حيث يستهدف الفيروس خلايا الدم البيضاء بما يضعف جهاز المناعة فيتيح الإصابة بالعديد من الأمراض الأخرى حسب منظمة الصحة العالمية
تقول بثينة "اسم مستعار" في حديثها لـ"الترا تونس"، إنها زارت المستشفى تزامنًا مع اليوم العالمي لـ"الإيدز" (السيدا) بسبب مغص في معدتها فوجدت مكانًا مخصصًا للتقصي المبكّر لمرض السيدا هيّئته إحدى الجمعيات، وبطلب من الطاقم الطبي الذي كان يقنع المارة بأهمية التقصي، تم رفع عينة من دمها وتبيّن أنها حاملة لمرض فقدان المناعة المكتسبة!
تقول: "لم أصدق نتيجة التحليل وطلبت منهم رفع عينة ثانية فكانت بدورها إيجابية.. ذهلت وانتابتني أحاسيس لا يسعني وصفها.. كيف أكون حاملة لمرض شرس كهذا ولا أملك أيّ أعراض؟ وكيف يمكن أن أصاب بعدوى هذا المرض وهو الذي ينتقل من شخص لآخر عبر الدم أو العلاقات الجنسية غير المحمية؟ فكرت في البداية في تجاهل الموضوع لكني بعد تفكير آثرت مصارحة زوجي الذي سارع من فرط الخوف للتقصي بدوره فتبين أنه مصاب أيضًا".
تونسية تزوجت بابن عمها المقيم بإيطاليا: انفصلت عن زوجي وخيّرت العودة للعيش وسط عائلتي في تكتّم كبير بعد إصابتي بالسيدا بسببه، لأن المجتمع لن يرحمني إذا ما ذاع خبر مرضي
تؤكد المتحدثة أنها لم تتقبل ما حدث في البداية وكان وقع الصدمة عليها كبيرًا وانتابها إحساس بالغيظ من زوجها الذي اعتبرته وتعتبره إلى الآن سبب مصابها، وتضيف أنها انفصلت عنه في غضون سنة وخيّرت العودة للعيش وسط عائلتها في تكتّم كبير عما حدث لأن المجتمع لن يرحمها إذا ما ذاع خبر إصابتها بالسيدا وفق تعبيرها.
- مرض السيدا.. أهم خصائصه وأعراضه
تعرّف منظمة الصحة العالمية مرض الإيدز على أنه عدوى تهاجم جهاز المناعة في الجسم، حيث يستهدف الفيروس خلايا الدم البيضاء بما يضعف جهاز المناعة فيتيح الإصابة بالعديد من الأمراض كالسرطان والسل والالتهابات.. وتنتقل عدوى الفيروس عبر سوائل جسم الشخص المصاب كالدم وحليب الأم والسائل المنوي والسوائل المهبلية ويمكن التصدي لهذا الفيروس عبر المضادات الفيروسية.
وتفيد المنظمة بأن أعراض الفيروس تختلف من شخص إلى آخر، أبرزها الحمى والصداع والتهاب الحلق والطفح الجلدي. وقد أودى هذا المرض الخطير، بحياة 40.4 مليون شخص في العالم فيما تشير التقديرات إلى أن 39 مليون شخص مصاب بالسيدا سنة 2022 وتهدف المنظمة بحلول سنة 2025 إلى تشخيص 95% من جميع الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة.
منظمة الصحة العالمية: أودت السيدا بحياة 40.4 مليون شخص في العالم فيما تشير التقديرات إلى أن 39 مليون شخص مصاب بالإيدز سنة 2022
وفي تونس، بيّنت وزارة الصحة التونسية، أن عدد المتعايشين مع فيروس فقدان المناعة المكتسبة يقدر وفقًا لإحصائيات سنة 2022 بحوالي 6890 شخصًا فيما يقدّر عدد الحالات الجديدة المسجلة خلال سنة 2022 نفسها بـ 412 حالة من بينهم خمسة أطفال أقل من 4 سنوات.
ويحظى مرضى فيروس نقص المناعة البشرية باهتمام بالغ من قبل وزارة الصحة وخاصة منظمات المجتمع المدني التي تقوم بدور هام وتعاضد مجهودات الدولة في التقصي وفي التوعية والإحاطة. وعلى خطورة هذا المرض، فإن التعايش معه أصبح ممكنًا، لكن الخطير في الأمر هو تزايد حالات الإصابة في صفوف التونسيين خاصة منهم الشباب المدمن، والأخطر من ذلك هو وجود عديد الحالات المصابة التي لم يكشف عنها ولا تخضع لأي رقابة أو إحاطة وهو ما يرفع في خطر تسجيل إصابات جديدة.
أعراض فيروس نقص المناعة المكتسبة (السيدا) تختلف من شخص إلى آخر، أبرزها الحمى والصداع والتهاب الحلق والطفح الجلدي
- "مدمنو المخدرات عبر الإبر أكثر الفئات التي تنتشر في صفوفها العدوى"
عديدة هي الجمعيات التي تعنى بمرضى السيدا في تونس، من بينها الجمعية التونسية للإرشاد والتوجيه حول السيدا والإدمان، وقد أفاد المنسق الإداري والمالي للجمعية صالح مسعودي بأن الجمعية تهدف إلى الإحاطة بالمتعايشين مع فيروس نقص المناعة والإحاطة بالمدمنين والحد من مخاطر الإدمان وذلك عبر توزيع مطويات خاصة بالأمراض المنقولة جنسيًا والتعفنات وتوفير إحاطة نفسية من قبل أخصائيين نفسانيين يعملون على مساندة المرضى والمدمنين لتجاوز الفترات الصعبة التي يمرون بها.
وأوضح المسعودي في حديثه لـ"الترا تونس"، أن الجمعية توفر إعانات مادية للمتعايشين مع مرض السيدا لأن مناعتهم ضعيفة ويحتاجون للعديد من الأدوية التي لا يمكن لمستشفى الرابطة أن يوفرها جميعها، فيما يعمل مربّون نظراء، وهم متعايشون مع المرض، على التواصل مع المرضى الآخرين ليساعدوهم في الحصول على مواعيد بالمستشفى والحصول على الأدوية كما يعملون على توعيتهم بضرورة استعمال الأدوية بانتظام لتفادي تعكر حالتهم الصحية، كما أنهم يوفرون لهم إحاطة نفسية لها تأثير إيجابي على المرضى بما أنهم يتشاركون المرض نفسه ولا وجود لتمييز بينهم.
عدد المتعايشين مع السيدا في تونس يقدر وفقًا لإحصائيات سنة 2022 بحوالي 6890 شخصًا وفق وزارة الصحة التونسية
وتعمل الجمعية على تخصيص حصص للإطار الطبي وشبه الطبي للحد من التمييز والوصم وكذلك على التدخل لفائدة المريض بموافقته لدى عائلته عند التفطن لحمله للفيروس وذلك بهدف مساعدته وحماية عائلته، كما تقدم الجمعية النصيحة للأمهات المتعايشات مع الفيروس الراغبات في الإنجاب كي لا ينتقل الفيروس للجنين وذلك عبر التزامها بتدابير وقائية خاصة وامتناعها عن إرضاع الطفل رضاعة طبيعية بعد الولادة.
وأوضح المتحدث أن الجمعية تؤمن حملات توعوية لفائدة الطلبة في الجامعات لتوعية الشباب حول الأمراض المنقولة جنسيًا وتوفير أدوات الوقاية على غرار الواقي الذكري.. أما المدمنون على المخدرات فيؤمن لهم المربّون النظراء حصص خاصة لإرشادهم على الكيفية الصحيحة لاستعمال الإبر وتوفر لهم إبرًا نظيفة ليمتنعوا عن استعمال إبرة واحدة للجميع وهي الطريقة التي تنشر عدوى الفيروس في صفوفهم. كما أشار إلى أن الجمعية تشارك في البرنامج الوطني لمكافحة السيدا مع وزارة الصحة ومع الجمعيات المختصة وتقوم بندوات توعوية للمسؤولين لإعلامهم بأن المرض يمكن أن ينتقل بسرعة إذا لم يتم اتخاذ الاحتياطات اللازمة.
عضو بجمعية الإرشاد والتوجيه حول السيدا والإدمان: تقديرات المنظمة العالمية للصحة بتونس تفيد أنه ما بين 6000 و7000 مصاب بالسيدا، منهم حوالي 1800 فقط يخضعون للعلاج
ويقول المسعودي: "تفيد إحصائيات وزارة الصحة بأن حوالي 1800 حامل للفيروس يعالجون لكن تقديرات المنظمة العالمية للصحة بتونس تفيد أنه ما بين 6000 و7000 مصاب أي أن أكثر من الثلثين حاملون للإصابة ويعيشون حياة عادية وسط المجتمع.. المدمنون على المخدرات عبر الحقن هم الفئة التي تكثر فيها الإشكاليات، فحسب البحوث التي تقوم بها الدولة وجمعيتنا نجد 22% منهم مصابون و80% مصابون بفيروس ("ج) أما الفئة الثانية فهم المثليون الذين يصاب منهم حوالي 9% والفئة الثالثة هم العاملات في الجنس".
عضو بجمعية الإرشاد والتوجيه حول السيدا والإدمان: المدمنون على المخدرات عبر الحقن هم الفئة التي تكثر فيها إشكاليات مرض السيدا
ويختم المتحدث بأن هذا المرض يمكن التعايش معه في حال الالتزام باستعمال الأدوية بشكل منتظم، لكن العديد من المصابين لا يلتزمون لأن الأدوية كثيرة في حدود 12 حبة يوميًا فتتعكر صحتهم.
تجدر الإشارة إلى أن تونس كانت قد احتفلت باليوم العالمي لمكافحة السيدا الموافق لغرة ديسمبر/ كانون الأول من كل سنة وقد شددت وزارة الصحة على أهمية توعية الشباب والأجانب والفئات الهشة والأكثر اختطارًا على الإقبال على مراكز الإرشاد والكشف اللاسمي والمجاني.