الترا تونس - فريق التحرير
أفادت هيئة الحقيقة والكرامة، في تقريرها الختامي، أنها تلقت 29137 شكوى تتعلق بالمعاملة القاسية واللاإنسانية في السجون ومراكز الإيقاف منها 26572 شكوى تهم ذكورًا و2565 تهم نساء. وتشمل هذه المعاملة انتهاكات لحقوق الإنسان وتجاوزات مهينة تتعارض مع المواثيق الوطنية والدولية لحقوق السجين.
اقرأ/ي أيضًا: كمال المطماطي.. الوفاة تحت التعذيب والجثة تبحث عن قبر
الانتهاكات منذ الاستقبال!
أكد التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة أن رحلة السجين من التجاوزات المهينة وسوء المعاملة تبدأ منذ الاستقبال من خلال تجريده من ملابسه أمام أنظار بقية السجناء مع تعمد عون السجن تلمس الأعضاء التناسلية للسجين بهدف الحط من قيمته.
وكل سجين يحاول الاعتراض على هذه الممارسات التي درج عليها نظام السجن، يتعرض مباشرة إلى التعنيف والتحويل المباشر إلى جناح العقوبة حيث يتم تقييده بالسلاسل ويتعرض إلى الضرب بطريقة "الفلقة".
رحلة السجين مع التجاوزات المهينة وسوء المعاملة تبدأ منذ الاستقبال من خلال تجريده من ملابسه أمام أنظار بقية السجناء
ويحوّل السجناء بعد الاستقبال إلى مرحلة "الدوش" في شكل طوابير يمكن أن تضم أكثر من 100 سجينًا ويُحشرون في غرفة لا تتعدى مساحتها الجملية 5 أمتار على 5 أمتار ويقع تكديسهم فوق بعضهم البعض. وتبدأ عملية حلق الشعر والذقن ثم التحويل إلى غرفة الاستحمام وهي عبارة على ساحة مفتوحة مهيأة بمرشحات مثبتة في الحائط، وغالبًا ما يكون السجناء عراة بشكل تام لأن نظام السجن لا يوفر ملابس داخلية ولا مواد تنظيف ولا مناشف.
ثم لا يقع عرض السجين على طبيب السجن وفق ما تنص عليه اللوائح إذ يُكتفى بعرض أصحاب الأمراض المزمنة فقط على الطبيب.
ولا تُراعى أيضًا اللوائح المتعلقة بكيفية توزيع السجناء حسب نوعية جرائمهم وسنّهم إذ غالبًا ما يقع إيداع الأطفال في أجنحة السوابق العدلية بصفة متعمدة بهدف استغلالهم جنسيًا.
ظروف إقامة مهينة ولا إنسانية
يعاني المساجين من ظروف إقامة مهينة ومعاملة قاسية ولاإنسانية بداية من معضلة الاكتظاظ التي تسبب أحيانًا في بقاء المساجين رهن غرفهم أكثر من 23 ساعة.
ويكشف تقرير الهيئة أن إدارة السجن تعطي لناظر الغرفة والمسؤول على النظافة التمتع بسرير انفرادي فيما تختلف وضعية بقية المساجين. فيوضع سجينان في سرير واحد في شكل عكسي ما يسمى بالعامية التونسية "رأس وذنب" فيما يتوزع المساجين الذين لا يجدون سريرًا للنوم في الممرات الصغرى بين الأسرّة أو الممر الكبير الذي يُعرف في لغة السجن بـ"الكدس" أما من لا يجدون مكانًا يوضعون تحت الأسرة ما يمسّى بـ"تحت الكميون".
أدت ظروف الإقامة اللا إنسانية في سجون تونس زمن الاستبداد لانتشار الأمراض بما في ذلك مرض "السيدا"
وتقدم إدارة السجن لحافات عادة ما تم استعمالهما سابقًا وتكون رائحتهما كريهة جدًا، وذلك مع وجود نوافذ صغيرة جدًا لا تتناسب مع حجم الغرف.
وأدت ظروف هذه الإقامة لانتشار الأمراض خاصة الجرب والرمد مع وجود مرحاض واحد لقرابة 300 سجين. وأشار التقرير الختامي بالخصوص للغرفة رقم 1 في سجن تونس التي لا تتعدى مساحتها 150 مترًا لكن تسع بداخلها 300 سجين ليمثل هذا الوضع فرصة لعتاة المساجين لاستغلال بقية المساجين ماديًا في شكل بيع أسرّة.
اقرأ/ي أيضًا: مأساة العميد كردون.. لما اُغتيل شرف الجيش التونسي!
وقالت هيئة الحقيقة والكرامة إنه ثبت لديها اكتشاف حالات لحاملي فيروس "السيدا" يستعملون شفرات حلاقة مع بقية المساجين وذلك بسبب امتناع إدارة السجن عن توفير أدوات النظافة.
أما بخصوص الطعام، تقدم إدارة السجن أكلة لا تستجيب للشروط الصحية وخالية من أي قيمة غذائية وغالبًا ما تكون المكونات الأساسية للطعام مما تحتجزه أجهزة المراقبة البلدية من خضر وحتى من سمك. وتكون أكثر الوجبات المقدمة من المعجنات وتكون نسبة المياه هي الطاغية ومن أشهر ما يقدّم للسجناء "الراقو" و"الصبة" وهي عبارة عن خليط من قليل من الخضر والكثير من الماء وغالبًا ما تكون رائحته كريهة.
ويحصل لبعض السجناء الذين لا يتمتعون بالزيارة ولا بالقفة أن تتعكّر حالتهم الصحية من سوء التغذية إلى حد الموت.
رحلة السجين من التجاوزات المهينة وسوء المعاملة تبدأ منذ الاستقبال من خلال تجريده من ملابسه أمام أنظار بقية السجناء
وتتعمد إدارة السجن منع توزيع "القفة" التي تقدمها العائلات على مساجين الرأي والحيلولة دون اقتسامها فيما بينهم، ولذلك حدث أن وُزعت "القفة" بطريقة وضع كل جزء منها في كيس صغير ويُلقى في سلة الفضلات ليذهب آخر لأخذها. ولا تصل "القفة" عمومًا لصاحبها إلا بعد تفتيشها بعناية فائقة وقد أصبحت خليطًا من المأكولات وقد أصابها التلف جراء طول الانتظار وذلك بالخصوص بالنسبة للمساجين السياسيين.
وتفتقد السجون أيضًا للعناية الصحية ما يؤدي للإهمال الطبي ووفاة المساجين على غرار الهاشمي المكي ولخضر السديري، وكذلك المولدي بن عمر الذي كان يستغيث رغم تعرضه إلى التعذيب من قبل أعوان السجن إلى غاية وفاته دون إسعافه، وهو ما حدث أيضًا مع السجين السياسي سحنون الجوهري. وأكدت هيئة الحقيقة والكرامة، في هذا الجانب، ثبوت مشاركة بعض الأطباء في التنكيل بالمساجين إلى حد استعمال العصا على غرار طبيب يُدعى "حليم" رئيس مصحة سجن تونس.
عقوبة السجين داخل السجن.. انتهاكات مضاعفة
خصصت إدارة السجون أجنحة خاصة لمعاقبة المساجين بما فيهم مساجين الرأي للتنكيل أو الضغط عليهم من أجل تقديم تنازلات مثل طلب العفو أو لتسخيرهم كي يصبحوا عملاء لدى إدارة السجن.
وغالبًا ما يتميّز جناح العقوبة بكثرة الرطوبة والظلمة وانعدام النظافة وغياب بيت للراحة إذ تُترك فقط فتحة في البلاط، عادة ما تضم الفئران، لقضاء الحاجة. ويُجرد كل سجين في هذا الجناح من ملابسه وتُقدّم له بدلة زرقاء متعفنة غالبًا ما تكون ممتلئة بالحشرات كـالبق والقمل، ثم يقيّد السجين من الأطراف الأربعة إلى سرير معدني دون استعمال أي فراش بل تقوم إدارة السجن أحيانًا بتقييد المساجين وهم عراة مجرّدين من أي لباس.
خصصت إدارة السجون أجنحة خاصة لمعاقبة المساجين بما فيهم مساجين الرأي للتنكيل أو الضغط عليهم من أجل تقديم تنازلات مثل طلب العفو
ولا يمكن للسجين أحيانًا قضاء الحاجة إلا وهو في مكانه ولا تٌقدّم له إلا قارورة مياه صغيرة مع قطعة خبز متعفنة كامل اليوم، ويتم تعذيبه يوميًا باستعمال "الفلقة".
وذكرت هيئة الحقيقة والكرامة، في هذا الجانب، أن مدير سجن الرومي محمد الزغلامي يعمد إلى وضع كل من يقوم بتقطيع شرايينه في حوض كبير من الماء ثم يضع له الملح على الجرح حتى يتضاعف الألم ولا يعرضه على الطبيب لرتق الجرح إلا عندما يبلغ الألم منتهاه. وكان يتعمد مدير السجن إلقاء شفرات الحلاقة على المساجين في جناح العقوبة، وفق ما ورد في التقرير. ويُتعمد بالنسبة لمساجين الرأي استعمال أساليب مهينة جدًا مثل السب والبصاق إلى جانب التعرية.
وتحدث التقرير بالخصوص على جناح العقوبة في سجن الناظور، وهو جناح بمثابة كهف يوجد في باطن الأرض بعمق 36 مترًا تحت الأرض ولا تتوفر فيه أي إمكانية للتهوئة مع نسبة رطوبة عالية جدًا إلى حدّ تعرّق الحجارة. وهو جناح مخصص للحالات التي توصف بالخطرة وبالخصوص مساجين الرأي على غرار اليوسفيين ومساجين انتفاضة الخبز.
ويُرمى السجين في هذا الكهف داخل السجن في ظلام دامس منقطعًا عن العالم الخارجي ويصل به الأمر لتقاسم الخبز السيء الذي توفره إدارة السجن مع الجرذان لأنه في حالة عدم إطعامه ستأكله. ويظل السجين في هذا الجناح لمدة غير معلومة حتى قد تنساه إدارة السجن.
اقرأ/ي أيضًا: 33 متّهمًا أمام القضاء في قضية مقتله.. تعرف على قصة مقتل رشيد الشماخي
إدارة السجن تتشفّى
تمارس إدارة السجن زمن الاستبداد كل أشكال التضييقات ضد سجناء الرأي ومن ذلك منع أداء الصلاة بأكثر من مصلين إثنين فقط ومنع اجتماع أكثر من اثنين أيضًا على الأكل. وحصل أن سنّ أحد مديري السجن إجراءً استثنائيًا يمنع بموجبه أداء صلاة الصبح في موعدها ولا تؤدى إلا بعد بداية الدوام أي الساعة الثامنة صباحًا وهو ما أدى لاحتجاجات دفعت الإدارة للتراجع عن إجرائها التعسفي. وتمنع إدارة السجن، في نفس الإطار، صلاة النوافل وكذلك منع صيام النوافل إذ لا يبيح السجان إلا صيام شهر رمضان فقط، وفق ما ورد في تقرير هيئة الحقيقة والكرامة.
سنّ أحد مديري السجن زمن الاستبداد إجراءًا استثنائيًا منع بموجبه أداء صلاة الصبح في موعدها بألا تؤدى إلا بعد بداية الدوام أي الساعة الثامنة صباحًا
وتقوم الإدارة أحيانًا بحملات تفتيش مفاجأة تسمى "الفووي" باستعمال العصي ويخرج كل المساجين من الغرف ولو كانوا بملابسهم الداخلية. ويقع تفتيش المساجين بدقة متناهية مع تجريدهم من ملابسهم مع جلب الكلاب من أجل التهديد والترهيب.
ويعاني مساجين الرأي حتى في فترة الفسحة إذ دائمًا ما يكونون تحت حراسة مشدّدة وكل سجين يُضبط يتحدث مع سجين آخر عبر النوافذ تقع إحالته لجناح العقوبة.
ويُمنع اقتناء الصحف في السجن ولا يقع أحيانًا توفير إلا صحف الحزب الحاكم فقط وتقوم إدارة السجن حتى بحجب المقالات التي تتعرض لأوضاع البلاد ولو بصورة تعكس الموقف الرسمي للدولة وذلك باستعمال المقص. وقد أدى هذا الوضع لامتناع السجناء أنفسهم عن طلب قراءة الجريدة التي أصبحت مثل "شوليقة" حسب تعبير المساجين أنفسهم.
اقرأ/ي أيضًا: