"أصبحنا نغطي شبابيك منازلنا ونغلقها دومًا، ونركّب بعض الشِباك الصغيرة لنمنع دخول الحشرات وبالخصوص الحشرة القرمزية التي باتت تغزو جل المناطق بصفاقس. كنا نعاني من الناموس والذباب حتى أنستنا هذه الحشرة ما قبلها".
تضيف رقية عزيز إحدى متساكني ساقية الزيت بصفاقس، أنّ الحشرة القرمزية باتت تنتقل من الضيعات والمناطق الفلاحية إلى المناطق السكانية عبر الرياح. "وهو ما زادنا هذا العام مشكلًا آخر فضلًا عن مشكل الناموس الذي نعاني منه سنويًا. وبسبب لونها وصبغتها الحمراء باتت تصبغ ملابسنا على حبل الغسيل في الشرفات وباحات المنازل، إضافة إلى الجدران. وعلى الرغم من مداواة بعض المناطق، فإن مشكل انتشارها في البيوت بات أمرًا مقلقًا جدًا"، وفق قولها.
مواطنون يشتكون لـ"الترا تونس" من انتشار الحشرة القرمزية بشكل كثيف في البيوت بعد غزوها المناطق الفلاحية، بشكل يمنعهم حتى من فتح النوافذ، دون أن تنفع معها المبيدات الحشرية
الأمر ذاته يعاني من سكان العديد من المناطق في ولاية المهدية التي كانت أول ولاية تشهد انتشار هذه الحشرة القرمزية. إذ يشير كريم ساسي أحد متساكني الشابة إلى أنّ الحشرة القرمزية غزت جميع الضيعات الفلاحية، ولم ينفع معها أي مداواة أو مبيدات، ومع ارتفاع درجات الحرارة انتقلت تلك الحشرة من الأراضي الفلاحية إلى المنازل.
يقول المواطن في تصريحه لـ"الترا تونس": "لم نكن نتوقع أنها قد تغزو منازلنا أيضًا. ولكن المشكل نعيشه اليوم بشكل كبير. ونحرص على غلق أبواب ونوافذ بيوتنا حتى نتجنب هذه الحشرة التي فاق انتشارها حتى الحشرات الأخرى، ولا ينفع معها حتى المبيدات التي نستعملها" وفق قوله.
يضيف كريم ساسي: "كل صباح نجد كميات كبيرة من الحشرة القرمزية على الأرض أمام بيوتنا وخصوصًا أمام النوافذ. ورغم النداءات والتشكيات لم يقع مداواة الحشرة سواء في الضيعات أو الأزقة، ولا نعرف لمَ لا يلجأ الفلاحون إلى قطع التين المصاب ودفنه أو حرقه لمنع انتشارها؟!" وفق تساؤله.
وتمثل الحشرة القرمزية واحدة من الآفات التي تضر بغراسات التين، إذ تلحق أضرارًا بليغة بهذا النبات لكونها تمتص نسغ أو عصارة النبتة فتظهر على الألواح مناطق مصفرة تتسع شيئًا فشيئًا، لتؤدي في النهاية إلى سقوط اللوح المصاب وموت الجذع في حالة شدة الإصابة. وتنتشر هذه الآفة بسرعة كبيرة حيث يقوم الريح بحملها من مكان إلى آخر.
كريم ساسي أحد متساكني الشابة لـ"الترا تونس": كل صباح نجد كميات كبيرة من الحشرة القرمزية على الأرض أمام بيوتنا، ولا نعرف لمَ لا يلجأ الفلاحون إلى قطع التين المصاب ودفنه أو حرقه لمنع انتشارها؟!
ومنذ سنة 2021، بدأ أغلب المزارعين وأصحاب الأراضي الفلاحية يشتكون من انتشار هذه الحشرة القرمزية بسرعة في عدّة جهات وبالخصوص المناطق الساحلية. دون دراية منهم أو خبرة في طريقة القضاء عليها. كما يتطلب الأمر إمكانيات كبيرة لا يتحملها أغلبهم.
وقد أشار المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعيّة، من جهته، من خلال التقرير السنوي، الذي أصدره، قسم العدالة البيئية والمناخية "حقوق بيئية، تغيّرات مناخية، عدالة بيئية واجتماعية"، نشر يوم 18 أفريل/نيسان 2024، إلى أنّ آفة الحشرة القرمزية تخطت أشواطًا بفعل "بطء وعدم نجاعة التدخلات الرامية لاحتواء انتشارها".
كما عبّر المنتدى عن قلقه بخصوص انتشار الحشرة القرمزية وفتكها بزراعات التين في عدّة مناطق من البلاد. وأوضح أنّه "في حين اعتمدت عدّة بلدان جهودًا وقائية في مقاومة الحشرة القرمزية، عمدت تونس إلى اتخاذ إجراءات ما بعد ظهور الآفة وعملت على مقاومة انعكاساتها الضارّة ممّا أدّى إلى تكبد خسائر ماديّة دون النجاح في الاجتثاث النهائي لهذه الآفة".
ومنذ أكثر من خمس سنوات، حذّر الخبير السابق بمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة نور الدين نصر، وهو أخصائي في النباتات والإنتاج النباتي، من خطر دخول الحشرة القرمزية إلى تونس بعد انتشارها خاصة في المغرب. كما تواصل مع عدة مسؤولين في وزارة الفلاحة وعرض طرق للتخلص من الحشرة قبل انتشارها، لا سيما وأنّها سريعة الانتشار والتنقل مسافات طويلة عبر الريح.
تمثل الحشرة القرمزية واحدة من الآفات التي تضر بغراسات التين، إذ تلحق أضرارًا بليغة بهذا النبات، لتؤدي في النهاية إلى سقوط اللوح المصاب وموت الجذع في حالة شدة الإصابة
وأشار نور الدين نصر لـ"الترا تونس" إلى أنّه "واصل نشر عدّة تدوينات منذ سنوات عن خطر هذه الحشرة وكيفية القضاء عليها بسرعة وبأقل تكاليف. لا سيما وأنّ رش المبيدات لا ينفع في القضاء على هذه الآفة". وقد بيّن أن أفضل حل للقضاء على انتشار الحشرة هو "قصّ الضلف وردمه في الأرض بالنسبة للضلف المتضرر جدًا أو تثمينه كعلف للحيوانات للضلف الأقل تضررًا، مع المحافظة على جميع المجموعات الجينية، والشروع في إكثار الأصناف المقاومة للحشرة القرمزية حسب الأهداف" وفقه.
ويعني الخبير التين الذي ينتج ثمار ولو ذات جودة غير عالية، ويوجه لمصانع استخراج الزيوت، والتين غير المعد للاستهلاك البشري أو الحيواني ويكون للحماية (ضيعات فلاحية وطرقات وحائط مائي لحماية الغابات من الحرائق) ثم التين الشوكي الموجه للحيوانات ثم التين الشوكي الموجه للسوق والاستهلاك".
كما أكد المختص ضرورة القيام بحملات توعوية للفلاحين في عدة جهات ممن لا يعرفون شكل الحشرة ولا كيفية القضاء عليها قبل انتشارها في كامل ضيعته. فالحل الأمثل هو ردم التين المصاب في الأرض، وفقه.
خبير سابق بمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة: رش المبيدات لا ينفع في القضاء على الحشرة القرمزية، وأفضل حل للقضاء عليها هو قصّ الضلف المتضرر وردمه في الأرض
كما أكد محمد رابح حجلاوي، المكلف بالإدارة العامّة للصحّة النباتية ومراقبة المدخلات الفلاحية بوزارة الفلاحة، في المقابل، في تصريحات إعلامية، أنّ الوزارة رصدت اعتمادات تناهز 11 مليون دينار لتطبيق عناصر بروتوكول مقاومة الحشرة القرمزية. كما أرست خلية مراقبة ومتابعة تنفيذ البروتوكول في الولايات العشر المعنية بمكافحتها، ويتعلّق الأمر بولايات المهدية والمنسيتر وسوسة والقيروان وسيدي بوزيد وصفاقس والقصرين وسليانة وزغوان ونابل.
ولكن العديد من سكان المناطق المتضررة يطلقون يوميًا نداءات للقضاء على الحشرة في أقرب وقت، بعد أن غزت أغلب منازلهم منذ ارتفاع درجات الحرارة. كما باتوا ينشرون بصفة يومية صورًا وفديوهات عن انتشار تلك الآفة في ساحات بيوتهم.