أكدت وسائل إعلام إيطالية، الأربعاء 19 جوان/يونيو 2024، أنّ تونس أنشأت رسميًا منطقة البحث والإنقاذ البحرية الخاصة بها والخاضعة لمسؤوليتها، في إطار مجهودات مكافحة الهجرة غير النظامية، وذلك تنفيذًا لما سبق أن نصّ عليه الأمر الرئاسي عدد 181 لسنة 2024 المتعلّق بتنظيم البحث والإنقاذ البحريين.
-
وسائل إعلام إيطالية: انتصار جديد لجورجيا ميلوني
وأعلنت وكالة "نوفا" للأنباء الإيطالية، الأربعاء، أنّ "تونس أنشأت رسميًا منطقة البحث والإنقاذ البحرية الخاصة بها (SAR). وأبلغت ذلك إلى المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة اليوم، موضحةً حدود هذه المنطقة"، وفقها.
وكالة أنباء إيطالية: تونس أنشأت رسميًا منطقة البحث والإنقاذ البحرية الخاصة بها، وأبلغت ذلك إلى المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة موضحةً حدود هذه المنطقة
وذكرت الوكالة بتصريح سابق لوزير الدفاع التونسي عماد مميش، أدلى به في نهاية شهر ماي/أيار الماضي، أكد من خلاله أن تونس تستعد لإضفاء الطابع الرسمي على منطقة البحث والإنقاذ الخاصة بها والتي ستكون "جزءًا لا يتجزأ من السيادة الوطنية".
ومن جانبها، قالت صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية، في مقال تحت عنوان "ولادة منطقة البحث والإنقاذ التونسية.. انتصار جيورجيا ميلوني الجديد على المهاجرين"، "في هذه المنطقة من البحر الأبيض المتوسط، وأمام سواحل الدولة المغاربية، وخارج مياهها الإقليمية، سيتعين على دوريات خفر السواحل التونسية التدخل للبحث والإنقاذ لأي مهاجرين".
صحيفة إيطالية: مع منطقة البحث والإنقاذ سيصبح تدخل خفر السواحل التونسي خارج مياهها الإقليمية أسهل وأكثر تقنينًا، وستتلقى تونس بذلك المزيد من الوسائل والتمويل من الاتحاد الأوروبي للعمل في البحر
واستدركت الصحيفة الإيطالية القول إنّ "ذلك يحدث أساسًا، جزئيًا، لكن مع منطقة البحث والإنقاذ سيصبح الأمر أسهل وأكثر تقنينًا، وستكون المنطقة التي يمكن أن تتدخل فيها السلطات التونسية أوسع بكثير، وستتلقى تونس بذلك المزيد من الوسائل والتمويل من الاتحاد الأوروبي للعمل في البحر".
وخلصت صحيفة "لا ريبوبليكا" إلى أنّ ذلك "يعدّ انتصارًا آخر لجورجيا ميلوني بهدف قطع الطريق أمام المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى لامبيدوزا من سواحل شمال إفريقيا"، حسب نص المقال.
صحيفة إيطالية: إنشاء تونس منطقة بحث وإنقاذ خاصة بها يعدّ انتصارًا آخر لجورجيا ميلوني بهدف قطع الطريق أمام المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى لامبيدوزا من سواحل شمال إفريقيا
كما سلطت الصحيفة الإيطالية الضوء على تقديم ميلوني، في 4 جوان/يونيو الماضي خلال مجلس الوزراء، تقريرًا عن "نشاط مجموعة العمل الإيطالية التونسية المشتركة التي ساعدت السلطات التونسية في إنشاء منطقة البحث والإنقاذ في الدولة الإفريقية". وذكرت الصحيفة أنّ ميلوني أوضحت آنذاك أنّ "المنظور المشترك هو إضفاء الطابع الرسمي على وجود منطقة بحرية، تتيح تدخل السفن التونسية للقيام بأعمال الإنقاذ وإعادة المهاجرين إلى أقرب ميناء آمن، في تونس".
وعلى هذا الأساس، أنشأت الأربعاء 19 جوان/يونيو 2024 منطقة البحث والإنقاذ الخاصة بتونس، في قناة صقلية، بموجب رسالة أرسلت إلى المنظمة البحرية الدولية، حيث تم تحديد مركز تنسيق الإنقاذ البحري بتونس كجهة اتصال، وفق ما نقلته الصحيفة الإيطالية.
-
هل من حديث رسمي في تونس عن منطقة البحث والإنقاذ؟
ولئن لم يتم الإعلان بعد عن إنشاء منطقة بحث وإنقاذ تحت مسؤولية تونس، من قبل السلطات الرسمية التونسية، إلى حدود كتابة هذه الأسطر (الساعة 21.30 من يوم الأربعاء 19 جوان/يونيو 2024)، فإنه سبق أن تم التعرض إلى ذلك، سواءً في تصريحات لوزير الدفاع التونسي، أو في أمر رئاسي صادر في أفريل/نيسان المنقضي، على الرغم من التحذيرات وصيحات الفزع التي سبق أن أطلقها حقوقيون تونسيون بخصوص ذلك.
لئن لم يتم الإعلان بعد عن إنشاء منطقة بحث وإنقاذ تحت مسؤولية تونس، من قبل السلطات الرسمية التونسية فإنه سبق أن تم التعرض إلى ذلك، سواءً في تصريحات لوزير الدفاع أو في أمر رئاسي صادر في أفريل حول ذلك رغم تحذيرات حقوقيين تونسيين
وكان وزير الدفاع التونسي عماد مميش قد أكد، بتاريخ 29 ماي/أيار 2024، لدى إشرافه بالقاعدة العسكرية البحرية الرئيسية بحلق الوادي على اختتام فعاليات تمرين البحث والإنقاذ البحريين "بحر آمن 24"، الذي نظّمه جيش البحر من 27 إلى غاية 29 ماي/أيار المنقضي، أنّ الهدف من إرساء منظومة البحث والإنقاذ البحريين على المستوى الوطني هو تعزيز نجاعة تدخّل الدولة في هذا المجال بهدف توفير خدمة البحث والإنقاذ البحريين لفائدة جميع مستعملي البحر من التونسيين وغير التونسيين في منطقة المسؤولية التونسية"، مشدّدًا في هذا الإطار على "إيفاء الدولة بالتزاماتها وتعهّداتها الدولية في المجال"، على حد ما جاء في بلاغ صادر عن وزارة الدفاع التونسية.
وقال الوزير، في هذا الصدد، إنّ "المنظومة الوطنية للبحث والإنقاذ البحريين تعتمد بالأساس على ثلاث ركائز أساسية، وهي سلطة وطنية مسؤولة على البحث والإنقاذ البحريين المتمثّلة في المصلحة الوطنية لخفر السواحل، ومخطّط وطني للبحث والإنقاذ البحريين يتضمّن الآليات التنسيقية ومهام وصلاحيات الأطراف المتدخّلة، فضلًا عن منطقة المسؤولية في مجال البحث والإنقاذ البحريين الراجعة بالنظر للسيادة التونسية"، وفق ذات البلاغ.
وذكرت وزارة الدفاع، آنذاك، أنّ "تنفيذ تمرين البحث والإنقاذ البحريين يأتي في سياق تطبيق الفصل الرابع من الأمر عدد 181 المؤرّخ في 5 أفريل/نيسان 2024 المتعلّق بتنظيم البحث والإنقاذ البحريين".
وقد أثنى وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوسي، آنذاك، في غرة جوان/يونيو 2024، على الخطوة التونسية، معلقًا "أرحب بالإعلان عن نية إنشاء منطقة بحث وإنقاذ تونسية".
وأضاف، في منشور له على منصة "X"، أن ذلك "يمثل تقدمًا مهمًا لحفظ الأرواح والسيطرة على تدفقات الهجرة غير النظامية"، حسب تقديره.
La Tunisia avrà presto un proprio sistema per la ricerca e il salvataggio delle persone in mare, come previsto dagli obblighi e impegni internazionali.
Accolgo con favore la notizia dell’intenzione di istituire una zona SAR tunisina, che rappresenta un significativo passo… pic.twitter.com/HCBeA50GKK
— Matteo Piantedosi (@Piantedosim) June 1, 2024
-
علامَ ينصّ الأمر المتعلق بتنظيم البحث والإنقاذ البحريين؟
وينصّ الأمر عدد 181 المؤرّخ في 5 أفريل/نيسان 2024 المتعلّق بتنظيم البحث والإنقاذ البحريين، على أنّ المقصود بـ"البحث" هو "عملية تهدف إلى الاستدلال على الأشخاص المكروبين بالبحر يتولى تنسيقها المركز الوطني لتنسيق عمليات البحث والإنقاذ البحريين أو المراكز الفرعية"، بينما المقصود بـ"الإنقاذ" هو "عملية انتشال أشخاص مكروبين بالبحر وتلبية احتياجاتهم الأولية الطبية أو غير الطبية ونقلهم إلى مكان آمن".
فيما يوضح أنّ "خدمة البحث والإنقاذ" ترتكز على "أداء وظائف الرصد والاتصال والتنسيق والبحث والإنقاذ في حالة الاستغاثة، بما في ذلك تقديم المشورة الطبية أو المساعدة الطبية الأولية أو الإجلاء الصحي، باستخدام الوسائل العامة والخاصة المتاحة".
ورد في الأمر عدد 181 المؤرخ في 5 أفريل 2024 المتعلق بتنظيم البحث والإنقاذ البحريين أنه "يتم بمقتضى مخطط وطني للبحث والإنقاذ البحريين تحديد منطقة المسؤولية التونسية"
ويذكر الأمر ذاته أنّ "آمر المصلحة الوطنية لخفر السواحل يُكلّف بمهام السلطة الوطنية المسؤولة عن خدمات البحث والإنقاذ البحريين ويتولى للغرض خاصة السهر على حسن سير خدمات البحث والإنقاذ البحريين والقيام بمهام نقطة الاتصال وطنيًا ودوليًا في مجال البحث والإنقاذ البحريين واقتراح إبرام اتفاقيات بخصوص التعاون والتنسيق في هذا المجال مع الدول الأخرى".
كما جاء فيه أنه "تُحدث بالمصلحة الوطنية لخفر السواحل وحدة مسؤولة عن تعزيز نجاعة خدمات البحث والإنقاذ البحريين وتنسيق سير العمليات تسمى “المركز الوطني لتنسيق عمليات البحث والإنقاذ البحريين".
ويتم بمقتضى مخطط وطني للبحث والإنقاذ البحريين تحديد منطقة المسؤولية التونسية وتنظيم عمل المتدخلين في المنظومة الوطنية للبحث والإنقاذ البحريين والإجراءات والوسائل والآليات الضرورية لتفعيلها وضبط مرجع نظر المراكز الفرعية في مجال البحث والإنقاذ البحريين، وفق ما ورد في الفصل السابع من الأمر ذاته.
-
أيّ خطورة لإنشاء منطقة بحث وإنقاذ خاصة بتونس؟
وسبق أن نبه الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، منذ سبتمبر/أيلول 2023، إلى خطورة إنشاء منطقة بحث وإنقاذ تحت مسؤولية تونس، وذلك بعد أن نقلت وكالة الأنباء الإيطالية "نوفا" عن مصادر دبلوماسية إيطالية آنذاك أنّ الاتحاد الأوروبي يعمل على تقييم إنشاء منطقة بحث وإنقاذ في المياه التونسية، في إطار تنفيذ مذكرة التفاهم المبرمة مع تونس.
وقال بن عمر، في تصريح لإذاعة "ديوان" (محلية) بتاريخ 26 سبتمبر/أيلول 2023، إنّ "تونس ستتحمّل بموجب إحداث هذه المنطقة، مسؤولية المهاجرين غير النظاميين عبر البحر المتوسط سواء انطلقوا من تونس أو من دول أخرى"، لافتًا إلى أنّ "الخطورة تكمن، أيضًا، في اعتراض مراكب الهجرة غير النظامية بعمق المياه الدولية التي تنتشر بها القوات الأمنية الأجنبية".
رمضان بن عمر: "تونس ستتحمّل بموجب إحداث هذه المنطقة، مسؤولية المهاجرين غير النظاميين عبر البحر المتوسط سواء انطلقوا من تونس أو من دول أخرى"
وأكّد الناشط الحقوقي، في ذات السياق، أن "الضغوط مسلطة على تونس منذ سنوات من أجل الإعلان عن هذه المنطقة، وكان المجتمع المدني التونسي قد نبه من خطورة الإعلان عنها"، لافتًا إلى أن "الاتحاد الأوروبي يريد العمل بالمناولة وتحميل العبء الإنساني والسياسي والأخلاقي إلى البحرية التونسية"، حسب تعبيره، معقبًا: "سنجد دائمًا أنّ الاتحاد الأوروبي هو المستفيد من كل هذه المقترحات بمحاولته تركيز الأزمة في تونس " وفق قوله.
وأشار إلى أنّ "المياه الإقليمية التونسية في حدود 12 ميلًا، تأتي بعدها المياه الدولية والمنطقة الاقتصادية الخالصة"، متحدثًا عن أنّ اللجوء إلى هذه المنطقة تمّ بعد أزمة 2015 بعد اتفاق وقعته الحكومة الإيطالية مع ليبيا في ذلك الوقت، وأعلن خفر السواحل الليبي وقتها عن منطقة بحث وإنقاذ على امتداد 90 ميلًا بحريًا، وقد لاقى ذلك سخطًا كبيرًا من المنظمات العاملة في البحر التي اعتبرت ذلك طريقة من طرق الحدّ من الهجرة غير النظامية"، وفق وصفه.
ويؤكد رمضان بن عمر أنّ تونس لا تملك الإمكانيات المادية واللوجستية لإنشاء مراكز بحث وإنقاذ رئيسية وفرعية، ولهذا تعهّد الاتحاد الأوروبي برصد أموال هذه المراكز، أما عن خطورتها في علاقة بمراكب الهجرة غير النظامية، فقد صرّح بن عمر: "كنا نعترض هذه المراكب في المياه الإقليمية التونسية، بل أحيانًا في المياه الدولية، لكن اليوم، وبموجب هذه الاتفاقية، سنعلن عن منطقة جغرافية أخرى في البحر تمتد لمسافات كبيرة جدًا في المياه الدولية، يمكن أن يكون فيها أي تواجد أجنبي (أمني، عسكري..)، ومع ذلك، فإنّ مسؤولية البحث والإنقاذ ترجع للدولة التونسية"، وفقه.
رمضان بن عمر: "الضغوط مسلطة على تونس منذ سنوات من أجل الإعلان عن هذه المنطقة، وكان المجتمع المدني قد نبه من خطورة الإعلان عنها.. والاتحاد الأوروبي يريد تحميل العبء الإنساني والسياسي والأخلاقي إلى البحرية التونسية"
وما انفكت ظاهرة الهجرة غير النظامية تؤرق بال السلطات التونسية، وبدرجة أكبر الاتحاد الأوروبي، خاصة وأنّ أعداد المهاجرين ما فتئت ترتفع، سواءً من حاملي الجنسية التونسية أو من القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء الذين تمثل تونس بالنسبة إليهم محطة عبور في اتجاه الدول الأوروبية.
يذكر أنّه تم في 16 جويلية/يوليو 2023، توقيع "مذكرة تفاهم" بين تونس والاتحاد الأوروبي حول "شراكة استراتيجية وشاملة"، وتهم بالأساس ملف الهجرة غير النظامية. وقد قام بتوقيعها الرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
وقد طالت مذكرة التفاهم عديد الانتقادات على الصعيد الحقوقي في تونس، واعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنّ هذه المذكرة "خطيرة وتكرس دور الحارس والسجان"، وفق توصيفه، كما انتقد المنتدى مرارًا ما أسماها توجهات "إيطاليا لجعل تونس نقطة ساخنة لتجميع المهاجرين" وهو ما رفضه عديد النشطاء الحقوقيين أيضًا.