"اسأل مجرب وما تسألش طبيب" مثل شعبي تونسي متداول في جميع الأوساط وعند جميع الفئات، يستشهد به البعض عندما يكون محل استشارة بخصوص مرض تعرّض له أو دواء استعمله.
وعلى خطورة المواضيع المتعلّقة بالصحّة وحساسيتها إلا أن العديد من التونسيين يتعاملون مع الأمراض والأدوية بطريقة عشوائية تصبح فيها تجارب الصديق ونصائح الصديق وحتى مواقع الأنترنت بديلًا عن الطبيب أو الأخصائي. وسواء كان الأمر بسبب جهل أو قلّة امكانيّات أو غيرها من الأسباب إلا ان انعكاسات التداوي الذاتي هي غالبًا خطيرة وغير متوقّعة.
اقرأ/ي أيضًا: "الكي" و"التشليط".. عن أغرب أنواع التطبب الرعواني في تونس
نصائح الصيدلي ولا زيارة الطبيب
في إحدى صيدليات العاصمة، كان لـ"ألترا تونس" تونس لقاء مع عدد من الحرفاء الذين كان أغلبهم لا يحملون وصفات طبيّة. تقول سمية الجبالي (30 سنة) إنها لا تلتجئ للطبيب سوى في الحالات المتقدّمة أو بعد اعتماد دواء لم يلائم حالتها، مضيفة أنّها غالبًا ما تعتمد على نصائح "فارماسي الحومة" والذي يرشدها على الأدوية التي تستحقّها وفق حالتها.
فوزية الهرابي (44 سنة): ألتجئ للتداوي الذاتي بسبب غلاء سعر أجرة الطبيب التي أعتبرها مشطّة والتواصل مع الصيدلي أسهل من الطبيب
وتؤكّد محدّثتنا أنّها تثق بالصيدلي وغالبًا ما يفيدها ما يقدّمه لها من أدوية. وتقول عن مدى معرفتها بخطورة التداوي الذاتي إنها تجهل الأمر وأنها حسب تجربتها لم تتعرّض لأيّ أعراض جانبيّة بسبب تناولها أدوية دون استشارة طبيب على حدّ تعبيرها.
بدوره حدثنا الحاج صالح (65 سنة) قائلًا: "ماعادش خالطين على الفازيتة (زيارة) متاع الطبيب" ويؤكّد أنّ ما يتحصّل عليه من جراية لا تمكّنه من التمتّع بخدمات الأطبّاء الخاصين وأنّ عمره وبنيته لا تتحمّل الانتظار ورداءة خدمات المستشفيات العموميّة لذلك يسهل عليه الأخذ بنصائح الصيدلي ولا يربح بذلك سعر زيارة العيادة على حدّ تعبيره.
وتؤكّد فوزية الهرابي (44 سنة)، في ذات الإطار، لـ"ألترا تونس" أنّ التواصل مع الصيدلي أسهل من التواصل مع الطبيب إذ أنّ شرح الصيدلي يكون أدق وأبسط وأنّها تتصل به حتى في ساعات متأخّرة من الليل في الحالات الاستعجاليّة خاصّة لأطفالها على حدّ قولها لذلك فهي تثق بنصائحه وفعاليّتها. وتضيف محدّثتنا أنّها تلتجئ للتداوي الذاتي بسبب غلاء سعر أجرة الطبيب التي اعتبرتها مشطّة.
لطفي الحناشي (محضّر صيدلي): ظاهرة التداوي الذاتي مقلقة
لطفي الحناشي محضّر صيدلي 22 سنة عمل بإحدى الصيدليات بالضاحية الشمالية للعاصمة يتحدّث لـ"ألترا تونس" عن تجربته مع الحرفاء إذ يوضّح أنّ معدّل الحرفاء يتراوح بين 120 إلى 250 حريف يوميًا وهو مرتبط أساسًا بانتشار العدوى الفيروسيّة.
ويؤكّد أنّ 70 في المائة تقريبًا يشترون الدواء بدون وصفة مضيفًا: "شخصيًا تقلقني هذه الظاهرة كثيرًا وتتعدّد أسبابها فمنها ما هو مرتبط بقلة امكانيات المواطن في الأحياء الشعبية خاصّة وغلاء أجرة الطبيب وبعض الأدوية وقلّة وعي عند بعض المرضى".
لطفي الحناشي (محضّر صيدلي): أكثر المشاكل التي يتعرض لها أعوان الصيادلة هي من الحرفاء الذين يريدون أدوية الأعصاب بدون وصفة أو بوصفة منتهية الصلوحيّة
ويفيد محدّثنا أنّ العديد من المرضى يعتمدون على ثقتهم في الصيدلي فبحكم خصوصيّة بعض الأحياء فإنّ التواصل مع الصيدليّ يكون متاحًا في كلّ الأوقات وفي كلّ الأماكن.
اقرأ/ي أيضًا: عالم طب التجميل في تونس.. طب السعادة!
"قد يعترضك الحريف في المقهى، في السوق، أثناء إيصالك ابنك للمدرسة ليتساءل عن دواء أو يستشيرك عن مرض كما أتلقّى مكالمات هاتفيّة مستمرّة لأجيب على أسئلة المرضى سواء من الأقرباء أو أبناء نفس الحي أو الأصدقاء"، هكذا عبّر محدّثتنا عن مدى انزعاجه من هذه الظاهرة وخاصّة إذا كان الأمر يستحقّ استشارة طبيّة على حدّ تعبيره.
وعن نوعيّة الأدوية التي يطلبها المرضى، يقول لطفي إنّ أغلب الادوية المتداولة متعلّقة بالأنفلونزا أو الحمّى أو الآلام مضيفًا أنّ أكثر المشاكل التي يتعرض لها أعوان الصيادلة هي من الحرفاء الذين يريدون أدوية الأعصاب بدون وصفة أو بوصفة منتهية الصلوحيّة بالإضافة لأدوية الهلوسة التي يتعرض بسببها للتهديد والسب والشتم والعنف أيام الثورة على حدّ تعبيره.
منصف حمزة (طبيب): مخابر الأدوية هي أكبر مستفيد!
وفي نفس السياق، يؤكّد الدكتور منصف حمزة (اختصاص طب عام) أنّ ظاهرة التداوي الذاتي تفشّت في تونس خاصة بعد الثورة بسبب التسيب في تطبيق القانون وضعف سلطة المراقبة وعدم الالتزام بالقانون من قبل أصحاب الصيدليات مضيف أنّ البعد التجاري هو الذي أصبح غالبا على حدّ تعبيره.
ويقول لـ"ألترا تونس" إنّ الأسباب تعود لضعف المقدرة الشرائية الذي سبب صعوبة الولوج للخدمات الصحية الخاصة بالإضافة لتدهور الخدمات الصحية العمومية.
وعن مدى خطورة هذه الظاهرة، يعتبر حمزة أن التداوي الذاتي يمكن من الوصول الى جميع الأدوية تقريًبا دون الرجوع الى الطبيب وهذا ما يسبّب في استعمال الخاطئ للأدوية لمعالجة أمراض دون تشخيص صحيح بالإضافة الى أنّه يسبّب مضاعفات بسبب دمج أدوية غير قابلة للاستعمال في نفس الوقت وخاصة للفئات الحساسة كالأطفال وكبار السن والحاملين لأمراض مزمنة وهذا ما يجعل تشخيص المرض صعبًا بعد استعمال الأدوية غير المناسبة، وفق تأكيده.
منصف حمزة (طبيب): تونس هي ثاني دولة في العالم بعد تركيا من حيث استعمال المضادات الحيوية وهذا يسبب في تزايد مقاومة البكتيريا
ويواصل محدّثنا قائلاً: "تونس هي ثاني دولة في العالم بعد تركيا من حيث استعمال المضادات الحيوية وهذا يسبب في تزايد مقاومة البكتيريا مما يعسر العلاج خاصّة وأنّ جزءًا كبيرًا من هذه المضادات تستعمل عن طريق التداوي الذاتي".
وأفاد الدكتور منصف حمزة أنّ الرابح الأكبر من هذه الممارسات هي مخابر الأدوية في حين المجتمع هو الخاسر وفق قوله. كما حمّل المسؤوليّة للدولة "التي لا تطبّق القانون ولا تملك رؤية للإصلاح أو لتطبيق القانون بجدية بالإضافة إلى لأنّ الكثير من طالبي الأدوية يوجّهون للمصالح الصحية العمومية وهي غير قادرة على استيعاب ذلك" على حدّ تعبيره.
وختم الطبيب حديثه، في ذات الإطار، لـ"ألترا تونس" أن التداوي الذاتي يغطّي على جزء من ضعف الدولة في تحسين الخدمات الصحية وتوظيف الإطارات اللازمة.
اقرأ/ي أيضًا: