"لكلّ امرئ من اسمه نصيب"، هكذا نطقت العرب قديمًا في حكمة الأسماء ودلالاتها، إذ ترافق الأسماء حياة الفرد ومماته وتخلّف له أثرًا لمن بعده. وهي تحمل في مجتمعاتنا العربية دلالات اجتماعية ودينية وحتى سياسية وقبلية أحيانًا، ونجدها ذات أثر عند كلّ حقبة زمنية متأثرة بالثقافة السائدة والبائدة على حدّ سواء.
وتعكس الأسماء، أيضًا، بعدًا قيميًا وأخلاقيًا لبنية المجتمع وتتأثر بالتلوينات الثقافية المحلية والوافدة. فعلى مرّ العهود، حكمتنا الأسماء بما جادت به ثقافة الآباء والأجداد، فالمولود لا حول له ولا قوة فيما التحم به من اسم وما علق به من معنى، حتّى يكبر فيرى فيه أشياء منه وينكر أخرى.
انتشرت على مدى السنوات الأخيرة ظاهرة إسناد أسماء غير عربية الأصل للمواليد الجدد تأثرًا أحيانًا بالمسلسلات وبالخصوص التركية منها وسط اختلاف بين البلديات في تقبّلها
و في حضارتنا، لم تخل التسميات من القيود، إذ يخضع الاختيار للأعراف أحيانًا وللقوانين أحيانًا أخرى، وقد يخضع لأوامر السلطة السياسية أو القبلية أو الدينية وهو ما يثير مشكل الهوية وتقييد الحرية في اختيار الأسماء.
ولم تكن تونس بمنأى عن جدل الأسماء عبر العهود المتعاقبة، وهو جدل يتجدّد في كل مرة بمناسبة رفض السلطة المحلية في دائرة بلدية ما تسجيل مولود باسم معيّن وفق قوانين صادرة بعد الاستقلال، وهي دائمًا ما تثير انتقادات البعض لجمودها وعدم مرافقتها لمتغيرات ثقافة المجتمع، فيما يدافع عنها آخرون بعنوان الحفاظ على الهوية العربية للمجتمع وتجانسه.
اقرأ/ي أيضًا: "حِدّي"، "معيوفة" و"عَبْشَة": أسماء تمنع الموت حسب البعض؟
كيف ينظم القانون التونسي إسناد أسماء المواليد؟
يضع المنشور عدد 85 المؤرخ في 12 ديسمبر 1965 تحجيرات لإسناد الأسماء وهي:
- الأسماء غير العربية.
- إسناد اللقب كاسم وبالإجارة .
- ألقاب الزعماء أو أسماؤهم وألقابهم في آن واحد.
- الأسماء المستهجنة والمنافية للأخلاق أو محل التباس.
ويمنح القانون المتعلق بالسماح لبعض التونسيين بتغيير اللقب أو الاسم (قانون عدد 20 لسنة 1964 المؤرخ في 28 ماي 1964) الحق لكل تونسي في طلب إبطال اسمه بمقتضى أمر من رئيس الجمهورية ينشر في الرائد الرسمي بناء على مطلب يقدّم إلى وزارة العدل دون الحاجة لحكم قضائي إذا توفرت أحد الشروط التالية:
- ليس له اسم عربي أو أمازيغي.
- له اسم يكون من أجل معناه أو عند النطق به محل التباس أو سخرية.
- له نفس اسم أحد اخوته أو أخواته.
وتصدر أوامر حكومية في الرائد الرسمي تتضمن قائمات لتعديل الاسم منها على سبيل المثال أمر حكومي بتاريخ 25 مارس/أذار 2016 تضمن تغيير 465 اسمًا: 320 اسمًا محلّ سخرية، 120 اسمًا لاتحاد الأسماء مع أسماء أخواتهم أو إخوانهم، 15 اسمًا غير عربي أو أمازيغي، و11 اسما محلّ التباس.
اختلاف بين البلديات حول إسناد الأسماء
انتشرت، على مدى السنوات الأخيرة، ظاهرة إسناد أسماء غير عربية الأصل للمواليد الجدد تأثرًا أحيانًا بالمسلسلات وبالخصوص التركية منها، وتقبل بعض البلديات إسناد هذه الأسماء، فيما تعارض أخرى ذلك بعنوان تطبيق منشور 1965 سابق الذكر.
ففي جانفي/كانون الثاني 2020، أكدت بلدية بنزرت، في مذكرة للعموم، أنه تطبيقًا لقانون الحالة المدنية لسنة 1957 ولمنشور صادر عن وزير الداخلية في 5 أوت/أغسطس 2013 تحت عدد 205600، يُحجر إسناد الأسماء غير العربية للمولود. وذكرت البلدية أمثلة عن الأسماء الممنوعة منها "رستم"، و"يارا"، و"إنجي"، و"بيزيد"، و"إيزيل"، و"ركال"، و"تاتيناس"، و"ألين" و"ساندرا" بل طالبت المواطنين بالاستناد على المعاجم العربية في اختيار الأسماء.
وقد أثارت هذه المذكرة جدلًا على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبرت الجمعية التونسية لمساندة الأقليات هذا الإجراء يخالف المبادئ الدستورية الضامنة للحريات الشخصية وحرية الضمير والمعتقد والدين.
يثير، بذلك، تسجيل الولادات الجدد في أقسام الحالة المدنية بعدة بلديات تونس سجالًا عاد بين أهالي المواليد الجدد وأعوان الضابطة العدلية حول طبيعة الأسماء المقترحة لأبنائهم.
لطفي البوزيدي (مواطن): انتشار أسماء غريبة عن ثقافتنا في العشرية الأخيرة هو نتيجة التأثر بثقافة المسلسلات والأفلام الأجنبية
يرى لطفي البوزيدي (مواطن) أن "انتشار أسماء غريبة عن ثقافتنا في العشرية الأخيرة هو نتيجة التأثر بثقافة المسلسلات والأفلام الأجنبية" مشيرًا إلى انتشاء أسماء الشخصيات الفنية في الدراما والسينما المصريتين في عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، مقابل انتشار الأسماء التركية في الوقت الحاضر بعد نجاحات الدراما التركية.
اقرأ/ي أيضًا: "البرني" و"عبشة" و"زويتينة": أسماء هجرها أصحابها بسبب السخرية
ويقدّر محدثنا أن المشترك في الثقافات المتجاورة لا يحجب الاختلافات، مشيرًا إلى أنه توجد أسماء تركية منتشرة تظلّ أجنبية ولا تراعي الخصوصية التونسية، مشيرًا إلى الحرج في إسناد الأسماء، ملاحظًا، في المقابل، أن الحركية الثقافية هي جوهر الحراك الذي تشهده الحضارات.
سمر الدباش، مواطنة أخرى، تحدثت لـ"ألترا تونس"، أن إحدى صديقاتها أرادت تسمية ابنتها "إيزيس" في الحالة المدنية في إحدى بلديات سوسة، فقوبل طلبها بالرفض مما دفعها إلى اختيار اسم آخر في دفتر الولادات مع مناداتها بالاسم المُراد في الوسط الاجتماعي.
وترى أن الدستور التونسي هو أحد العوامل المقيدة لإسناد الأسماء باعتباره يحدد مجال الهوية العربية الإسلامية بما يعني التقيد بمقومات هذه الهوية معتبرة، من جهتها، أن الثقافة التونسية ذات بعد كوني متأثر بالثقافات المجاورة والحضارات المتعاقبة. ولكنها تشدد أن إطلاق الحرية في اختيار الأسماء قد يشوه بنية الثقافة التونسية ويضرب خصوصيتها، وفق تأكيدها.
شهادة من رئيس دائرة بلدية
التقى "ألترا تونس" رئيس الدائرة البلدية سوسة سيدي عبد الحميد صابر دريرة الذي حدثنا أن قسم الحالة المدنية بمرجع نظر الدائرة تلقى منذ شهر جانفي/كانون الثاني 2020 إلى موفى شهر جوان/يونيو من نفس العام 1590 طلبًا لتسجيل لولادات جديدة.
وأشار إلى ورود طلبات قليلة تهم أسماء غريبة، وبيّن محدثنا أنه "يصرّ في كل مرة على تطبيق القانون والمناشير الوزارية في الغرض". وأوضح أن مصالح البلدي تلتجئ حال ورود اسم غريب للمعاجم العربية على الأنترنت للتأكد من أصوله العربية.
صابر دريرة (رئيس دائرة بلدية): رفضنا تسجيل أسماء في سجل الولادات منها "لامار"، و"أفلان"، و"نيران"، و"أيلا"، و"يانين" باعتبارها أسماء غير عربية
وأضاف أنه حال تبيّن أن أصول الأسماء غير عربية وتعود لأصول عبرية أو إغريقية أو من إفريقيا جنوب الصحراء، تُوجه دعوة للوليّ للتثبّت وإعادة تقديم طلب باسم جديدة تطبيقًا للقانون.
وأفادنا دريرة أن من الأسماء التي رفضت الدائرة البلدية سوسة سيدي عبد الحميد تسجيلها "لامار"، و"أفلان"، و"نيران"، و"أيلا"، و"يانين" باعتبارها أسماء غير عربية وفق المعاجم العربية.
و قد اعتبر محدثنا أن معظم المحتجّين على عدم قبول أسماء أبنائهم المقترحة لا يلتجؤون للقضاء بل يماطلون في تعويض اسم آخر خلال الفترة القانونية المحددة بـ10 أيام من تاريخ الولادة، ثم يقدمون اسمًا مقبولًا قانونيًا في نهاية المطاف حتى لا يتم اللجوء للمحكمة للتسجيل بعد انتهاء هذه الآجال. وأفاد، وفق معاينته، أنه غالبًا ما تكون الزوجة أي أم الطفل هي التي تصرّ على الاسم الغريب المقترح وتصرّ على تثبيته في سجل الولادات.
اقرأ/ي أيضًا:
"الوحلة في الكحلة أما البيضة خذات راجل".. إرث العنصرية في الأمثال التونسية
"النعوشة" أو "أم الذراري".. طائر الموت في الموروث الشعبي التونسي