23-يوليو-2024
خزانات المياه

أزمة المياه في تونس دفعت بالكثيرين إلى تركيب خزانات مائية رغم ارتفاع كلفتها بعض الشيء وذلك لتفادي مشكل الانقطاع المتواتر للمياه

 

ليس لهم علاقة بجدلية جهر السدود أو بناء الجديد منها، ولا يفقهون ما يعنيه مشكل التغيرات المناخية وتأثيراتها على التساقطات، وكل ما يعرفه أهالي عديد المناطق في تونس هو أنّ أزمة المياه غيرت حياتهم وانزلقت بتحركاتهم من المطالبة بالكماليات إلى طلب ضروريات الحياة. فقد طال مشكل انقطاع المياه جميع المناطق والجهات بأشكال متفاوتة، بين قطعها لساعات قليلة وبين قطعها لأيام متواصلة، خصوصًا في المناطق الداخلية، ولا سيما منها التي تضم أكبر السدود المزودة للمدن المجاورة. 

أزمة المياه في تونس أنعشت تجارة شركات بيع خزانات المياه المنزلية التي يقع تثبيتها في أسطح المنازل وربطها مباشرة بشبكة توزيع المياه لتُملأ مباشرة في حال عودة المياه بعد انقطاعها حتى تُستعمل في أوقات الحاجة

أزمة  المياه في تونس أججت الشوارع في أكثر من مناسبة، لكنّها في المقابل أنعشت تجارة شركات بيع خزانات المياه المنزلية. فقد ظهرت خلال السنوات الأخيرة شركات بيع وتركيب خزانات مياه مختلفة الأحجام والسعة، لا تقع تعبئتها من مياه الأمطار، بل يقع تثبيتها في أسطح المنازل وربطها مباشرة بشبكة توزيع المياه لتُملأ مباشرة في حال عودة المياه، حتى تُستعمل في أوقات الحاجة. 

 

صورة
انتشرت تجارة بيع الخزانات البلاستيكية التي بات يقبل عليها العديد من التونسيين (مريم الناصري/ الترا تونس)

 

لم تكن تلك الخزانات تباع بكثرة في تونس، بل تباع في بعض الجهات لا سيّما الريفية أو قرب المزارع التي تغيب فيها شبكات المياه الصالحة للشرب. ويعول سكان تلك المناطق سابقًا على مياه الأمطار لملء تلك الخزانات، لاستغلالها في الاستعمالات اليومية والفلاحية. 

لم تكن الخزانات المائية تباع بكثرة في تونس، بل تباع في بعض الجهات لا سيّما الريفية التي تغيب فيها شبكات المياه الصالحة للشرب، لكن بعد استفحال أزمة المياه الصالحة للشرب في عدة مناطق أصبح هناك إقبال على هذه الخزانات

لكن بعد استفحال أزمة المياه الصالحة للشرب في تونس بسبب جفاف السدود واعتماد نظام الحصص في توزيع المياه، وانقطاعها في عدة مناطق لفترات طويلة، انتشرت تجارة بيع الخزانات البلاستيكية التي بات يقبل عليها العديد من العائلات لحل أزمة انقطاع المياه. 

وانتشرت عروض تلك الخزانات وتركيبها حتى في مواقع التواصل الاجتماعي، مع تقديم تفضيلات في الأسعار وتسهيلات حتى في الدفع خصوصًا وأنّ أسعار بعضها يفوق الألفي دينار. 

 

صورة
أزمة المياه في تونس أنعشت تجارة شركات بيع خزانات المياه المنزلية (مريم الناصري/ الترا تونس)

 

يقول أبو القاسم (71 سنة): "لجأت  منذ أكثر من سنة إلى تركيب خزان مياه على سطح المنزل بسعة 500 لتر. في البداية لم أكن مقتنعًا بنجاح الفكرة لكونها جديدة في حياتنا اليومية، ولم أطّلع على تجارب البعض مع تركيب خزان مياه لحل أزمة انقطاعه، لكنّ أغلب السباكين أكدوا نجاح الأمر، خاصة وأنه لا يكلّف أي فاتورات استهلاكية مرتفعة طالما هناك ترشيد في الاستهلاك". 

أبو القاسم (أحد متساكني القيروان): كلفني تركيب خزان منزلي بسعة 500 لتر 900 دينار، والكمية التي يخزنها تكفيني لقرابة 3 أيام حسب الاستهلاك الذي يختلف بين الفترة الشتوية والصيفية

ويضيف أبو القاسم، الذي يعيش في منطقة العلا بالقيروان: "لقد كلّفني تركيب الخزان 900 دينار بين سعر الخزان وكلفة اليد العاملة، والمحرك الكهربائي الذي يضخ المياه،  وفعلًا يسع الخزان 500 لتر من المياه، تكفيني لقرابة ثلاثة أيام حسب الاستهلاك الذي يختلف بين الفترة الشتوية والصيفية، على ألّا نستهلك ما في الخزان سوى خلال انقطاع المياه الذي لم يعد مشكلًا وقتيًا أو ظرفيًا، وإنما تحوّل إلى مشكل نواجهه باستمرار على غرار العديد من المناطق وفي كل الأوقات". 

وكان من النادر جدًا رؤية خزانات الماء تباع في المحلات التجارية، لكن أصبحت العديد من محلات بيع الحنفيات ومعدات الحمامات تبيع خزانات مياه بلاستيكية مختلفة الأحجام، تتراوح سعتها بين 500 و4 آلاف لتر. يقع تركيبها خصوصًا في أسطح المنازل وربطها بشبكة توزيع المياه، حتى تملأ تلقائيًا ما إن تعود المياه. وتتتراوح أسعار تلك الخزانات بين 500 دينار و16 ألف دينار حسب السعة. كما تحتاج إلى محرك كهربائي لضخ المياه إلى كامل المنزل في حال انقطاع المياه. 

تباع خزانات المياه بأحجام مختلفة وتتراوح سعتها بين 500 و4 آلاف لتر ويقع تركيبها خصوصًا في أسطح المنازل وربطها بشبكة توزيع المياه حتى تملأ تلقائيًا ما إن تعود المياه، وتتتراوح أسعارها بين 500 دينار و16 ألف دينار حسب السعة

وكما تعتبر ندرة المياه أزمة عالمية كبرى تؤثر في جميع الدول حول العالم نتيجة لجملة من العوامل، بما في ذلك التغيرات المناخية والإفراط في استخدام موارد المياه، تشهد تونس على غرار العديد من دول العالم أزمة مائية كبيرة منذ أكثر من خمس سنوات، نتيجة تراجع مخزون السدود إلى أدنى مستوياتها، بسبب الجفاف. 

وحسب آخر إحصائيات لوزارة الفلاحة التونسية، فقد بلغت نسبة المخزون الجملي للمياه بالسدود، إلى غاية 13 جويلية/يوليو 2024، 664 مليون متر مكعب، أي بنسبة امتلاء في حدود 28.3%، أقل من المخزون المسجل خلال نفس الفترة من السنة الفارطة بما يعادل 175 مليون متر مكعب، وأقل من معدل السنوات الثلاثة الماضية لنفس الفترة بـ 255 مليون متر مكعب.

 

صورة
الخزان يحل أزمة انقطاع المياه بصفة وقتية وليس لأيام طويلة (مريم الناصري/ الترا تونس)

 

يذكر أنّه يوجد في تونس أكثر من 1200 وحدة مائية، تتوزع بين السدود والبحيرات ومحطات معالجة المياه. وتستأثر الزراعة بنسبة 80 بالمائة من المياه، والصناعة بـ5 بالمائة والسياحة بـ2 بالمائة و13 بالمائة مخصصة للاستهلاك والاستعمال المنزلي. 

ولمواجهة النقص الكبير في الموارد المائية سبق أن قرّرت وزارة الفلاحة، منذ أفريل/نيسان 2023 ترشيد استهلاك المياه عبر قطعها طيلة ساعات الليل ومنع استعمال مياه الشرب الموزعة عبر شبكة توزيع المياه في النشاطات الفلاحية والري وتنظيف الفضاءات العامّة وغسل السيّارات. 

أزمة المياه تفاقمت أكثر خلال هذا العام بسبب نقص الأمطار وتراجع مخزون السدود. وقد شهدت العديد من المناطق انقطاعًا للمياه لأكثر من أسبوعين متواصلين،  الأمر الذي دفع البعض إلى اللجوء لتركيب خزانات منزلية

وأفادت شركة توزيع المياه، في بيان لها أيضًا، بأنها انطلقت في قطع المياه الصالحة للشرب لسبع ساعات يوميًا في كل أنحاء البلاد، من التاسعة ليلًا وحتى الرابعة صباحًا، وذلك لمواجهة أسوأ أزمة جفاف تمر بها تونس.

لكن تشهد العديد من المناطق انقطاعًا متواصلًا للمياه الصالحة للشرب، ولا تزال تلك المشاكل تؤجج الشارع وتدفع الأهالي للاحتجاج في العديد من الجهات طيلة السنة وليس فقط خلال فترة الصيف. 

أزمة المياه تفاقمت أكثر خلال هذا العام بسبب نقص الأمطار وتراجع مخزون السدود. وقد شهدت العديد من المناطق انقطاعًا للمياه لأكثر من أسبوعين متواصلين،  الأمر الذي دفع البعض إلى اللجوء لتركيب خزانات منزلية. 

 

صورة
تختلف أسعار خزانات المياه المنزلية حسب سعتها (مريم الناصري/ الترا تونس)

 

تقول كريمة عامري، إحدى متساكني تستور، إنّها قامت بتركيب خزان مياه بسعة 800 لتر، لأنّها تملك محلًا لصنع المرطبات وتحتاج إلى الماء باستمرار، وانقطاعها كل فترة بات يعطل عملها، وبفضل الخزان الذي يملأ كلما عادت المياه وجدت حلًا لمشكل انقطاع الماء. لكن في المقابل، إذا انقطع الماء لأكثر من أسبوع فإنها كغيرها تواجه مشكلًا كبيرًا، إذ أنّ الخزان يحل أزمة انقطاع المياه بصفة وقتية وليس لأيام قد تصل أسبوعين، وفقها.

صاحب محل تجاري: "أبيع يوميًا بين 10 و20 خزانًا مائيًا بسعات مختلفة وهو ما يدلّ على إقبال الناس بكثرة على تركيب خزانات المياه.. لكن للأسف ليس في مقدور الجميع اقتناؤها خصوصًا وأنّ أسعارها تعدّ مرتفعة باعتبار أنها مستوردة"

من جهته، يشير محمد، أحد أصحاب المحلات التجارية، إلى أنّه يبيع مواد البناء منذ سنوات، لكنه بات منذ ثلاث سنوات يبيع خزانات مياه سعتها تتراوح بين 500 و5 آلاف لتر، بعضها يُستغل في تخزين الزيت، نظرًا لجودة المواد التي صنعت منها الخزانات بما يمكّن من الحفاظ على جودة المياه لفترة طويلة. 

يقول محمد لـ"الترا تونس": "صرت أبيع بين 10 و20 خزانًا بسعات مختلفة يوميًا، وهو ما يدل على إقبال الناس بكثرة على تركيب الخزانات"، مشيرًا إلى أنّ "تكلفة التركيب تختلف حسب سعة الخزان، لكن للأسف ليس بمقدور الجميع تركيبها خصوصًا أن أسعارها تعدّ مرتفعة بعض الشيء باعتبار أنها مستوردة"، وفقه. 

وبين أزمة مائية كبيرة وتجارة حديثة، تبقى آلاف العائلات تواجه مشكل انقطاع الماء دون إيجاد حلول هي بالأساس بيد السلطات والجهات الرسمية، طالما أنّ اقتناء الخزانات المنزلية ليس في متناول أغلبهم.


صورة