تشهد السوق التونسية منذ أكثر من سنتين نقصًا كبيرًا في العديد من المواد الغذائية على غرار السكر والقهوة والأرز والزيت النباتي المدعم، أو فقدانها تمامًا من المحلات في عدة فترات. أزمة أثارت موجة من الانتقادات لا سيما وقد أثر تراجع إنتاج القمح وانخفاض وارداته إلى فقدان مادتي الدقيق والسميد أيضًا. العديد منّا يجد بدائل كالمعجنات وغيرها، أو أكل أي أطباق لا تتطلب توفر الخبز أو السميد أو الأرز. لكن أزمة فقدان المواد الغذائية أثرت بشكل أكبر على عدة مرضى خصوصًا مرضى الأبطن الذين يعتمدون خصوصًا على مادة الأرز وعدة مواد خالية من الغلوتين لتعويض القمح والشعير.
أزمة فقدان المواد الغذائية أثرت بشكل كبير على عدة مرضى خصوصًا مرضى الأبطن الذين يعتمدون خصوصًا على مادة الأرز وعدة مواد خالية من الغلوتين لتعويض القمح والشعير
- ما هو مرض الأبطن؟
وحسب التعريف العلمي للمرض فإن الأبطن هو التحسس من المادة الزلالية "الغلوتين" الموجودة بالخصوص في القمح والشعير. وتتمثل أعراضه لدى المصابين في الإسهال والتقيؤ وانتفاخ البطن عند تناول المعجنات والخبز. وعدم التقيد بحمية غذائية معيّنة يؤدي إلى إصابة مرضى الأبطن بعدة أمراض أخرى.
وحسب مجموعة "مايو كلينيك" الصحية، فإنّ تناوُل الغلوتين يُحفِّز استجابة مناعية في الأمعاء الدقيقة. حيثُ تُتلِف هذه الاستجابة بطانة الأمعاء الدقيقة بمرور الوقت وتمنعها من امتصاص بعض العناصر المغذية (سوء الامتصاص)".
مرض الأبطن هو التحسس من المادة الزلالية "الغلوتين" الموجودة بالخصوص في القمح والشعير وتتمثل أعراضه لدى المصابين في الإسهال والتقيؤ وانتفاخ البطن عند تناول المعجنات والخبز
ويُؤدِّي التَّلَف المعوي غالبًا إلى الإسهال والتعب وفقدان الوزن والانتفاخ وفقر الدم، ويُمكن أن يُؤدِّي أيضًا إلى مضاعفات خطيرة. وفي حالة الأطفال، يُمكن أن يُؤثِّر سوء الامتصاص على النمو والتطوُّر، فضلًا عن تسبُّبه في أعراض تُلاحَظ لدى البالغين.
- 100 ألف مصاب بمرض الأبطن في تونس
وحسب الجمعية التونسية لمرضى الأبطن فإنّ عدد المصابين بهذا المرض في تونس أكثر من 100 ألف مصاب. قام 30 بالمائة منهم فقط بتشخيص إصابتهم، فيما لا يعلم البقية بمرضهم، ولا يتخذون الإجراءات اللازمة للتوقي من التعكرات الصحية الناجمة عن هذه الحالة المرضية، التي تتمثل خصوصًا في الإسهال المستمر والشعور بالخمول والإعياء الدائم.
حسب الجمعية التونسية لمرضى الأبطن يوجد في تونس أكثر من 100 ألف مصاب، 30 بالمائة منهم فقط قاموا بتشخيص إصابتهم فيما لا يعلم البقية بمرضهم ولا يتخذون الإجراءات اللازمة للتوقي من التعكرات الصحية الناجمة
لذا يعتمد المرضى بالضرورة حمية غذائية خاصة خالية من أي معجنات والخبز العادي وأي مشتقات للقمح والشعير، ليعتمدوا خصوصًا على مادتي الأرز والذرة كبديل لصنع بعض الخبز. إضافة إلى عدة مواد أخرى خالية من الغلوتين وتباع في المحلات التجارية الكبرى ويكتب على غلافها الخارجي مواد خالية من الغلوتين، لكنّها لا تتوفر للأسف في كل المحافظات والمدن خاصة الصغيرة.
كما يعاني مرضى الأبطن من غلاء المواد والمعجنات الخالية من مادة الغلوتين وارتفاع أسعار عديد المواد الغذائية البديلة عن الخبز. ومع فقدان مادة الأرز العادي بشكل كبير يضطر المرضى إلى شراء أنواع من الأرز باهظة الثمن، إذ يصل سعر الكيلوغرام الواحد منه إلى 10 دينارات.
يقول سيف الدين غالي أحد المصابين بالأبطن لـ"الترا تونس" إنه كان يعاني نقصًا كبيرًا في الحديد، ورغم التحاليل كان يشعر دومًا بالإعياء والدوار، إلى أن تفطن الطبيب المشرف على حالته بعد إجراء عدة تحاليل إلى أنه يعاني من حساسية الغلوتين على الرغم من أنه لم يكن يعاني من الإسهال أو أي أعراض أخرى.
يعاني مرضى الأبطن من غلاء المواد والمعجنات الخالية من مادة الغلوتين وارتفاع أسعار عديد المواد الغذائية البديلة عن الخبز. ومع فقدان مادة الأرز العادي بشكل كبير يضطر المرضى إلى شراء أنواع من الأرز باهظة الثمن
ومنذ أكثر من عشر سنوات يتبع سيف الدين حمية غذائية بعيدًا عن استعمال أي معجّنات أو خبز من القمح أو الشعير. كما أنه غير مسموح له بتناول جميع أنواع الحلويات المصنوعة من دقيق القمح.
ويشير سيف الدين إلى أنه لم يتقبل الأمر في البداية، لكنّه تعوّد بعد عدة أشهر على عدة مذاقات جديدة بسبب استعماله مواد خالية من مادة الغلوتين وتعويض عدة أطباق بمادة الأرز وطبخ الخبز أحيانًا من العدس أو الأرز.
لكنه يؤكد كغيره من مرضى الأبطن أنّ جميع المواد الخالية من الغلوتين باهظة الثمن مقارنة بالمعجنات العادية، ولا يمكن اقتناؤها بكميات كبيرة. كما أنه تأثر كثيرًا من فقدان مادة الأرز العادي وبات يقبل على عدة أنواع من الأرز باهظ الثمن.
وقد طالبت الجمعية التونسية لمرضى الأبطن كلًا من وزارة التجارة وتنمية الصادرات ووزارة الشؤون الاجتماعية بضرورة توفير مادة الأرز للمرضى باعتبارها مادّة ضرورية في حميتهم الغذائية، ولا يمكن الاستغناء عنها.
وقد أكدت الجمعية أنّها تحصلت على مساعدات من الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي لفائدة قرابة 250 عائلة باحتساب 5 كلغ للعائلة الواحدة، وهي مساعدات ضئيلة جدًا مقارنة بالعدد الكبير للمرضى ولا تلبي الاحتياجات الحقيقية لهم.
سيف الدين غالي (مصاب بمرض الأبطن): منذ أكثر من 10 سنوات أتبع حمية غذائية بعيدًا عن استعمال أي معجّنات أو خبز من القمح أو الشعير.. لم أتقبّل الأمر في البداية لكنّني تعوّدت على ذلك مع مرور الوقت
وقد أشرفت الجمعية على توزيعها على أكثر العائلات حاجة. خاصة وأن عدد العائلات المعوزة والتي تحتاج إلى مساعدات تقدر بحوالي ثلاثة آلاف عائلة حسب الجمعية. وهو عدد كبير ويحتاج إلى مساعدات مستمرة، لا سيما وأن المواد الغذائية الأخرى الخالية من مادة الغلوتين والتي تباع خصيصًا في المحلات التجارية الكبرى غالية الثمن بالنسبة لعدد كبير من المرضى.
كما بادرت الجمعية منذ سنوات بمفاوضات مع الصندوق الوطني للتأمين على المرض للتكفل بمصاريف شراء المواد الخالية من "الغلوتين"، إلا أنه لم يتم التوصل بعد إلى حل مع الصندوق، الذي لا يتكفل سوى بمصاريف الأدوية، إلا أنّ مرض الأبطن لا يتطلب أدوية وإنما حمية غذائية معيّنة.
- الآلاف لم يتفطنوا بعد إلى مرضهم بداء الأبطن
وقد أشار منجي بن حريز رئيس الجمعية لـ"ألترا تونس" إلى وجود الآلاف من المرضى ممن لم يتفطنوا بعد إلى مرضهم، بسبب قلة الوعي به. وعدم الالتزام بحمية غذائية معينة قد يعكر صحة العديد منهم ويؤدي إلى التعرض إلى أمراض الكبد وهشاشة العظام وفقر الدم ونقص الحديد ونقص النمو لدى الأطفال ممن يصابون بهذا المرض في سن مبكر، وذلك بسبب الالتهابات التي تصيب الأمعاء الدقيقة مما يجعلها غير قادرة على امتصاص الفيتامينات والأغذية مما يؤدي إلى نقص الحديد وفقر الدم ونقص العديد من الفيتامينات بالجسم.
رئيس جمعية مرضى الأبطن: هناك الآلاف من المرضى في تونس لم يتفطنوا بعد إلى مرضهم بسبب قلة الوعي به.. وعدم الالتزام بحمية غذائية معينة قد يعكر صحتهم ويعرضهم إلى أمراض الكبد وهشاشة العظام وفقر الدم ونقص الحديد
العديد من مرضى الأبطن قاموا بإنشاء صفحات على منصات التواصل الاجتماعي لتبادل التجارب والبحث عن بعض المواد الغذائية الخاصة بهم والتي باتت مفقودة. فيما بعث بعض الشباب مشاريع صغيرة لإنتاج مواد غذائية خالية من الغلوتين ومخصصة لمرضى الأبطن، لكن عددها قليل ولا توجد في أغلب المحافظات والجهات لا سيما وأن هذه الفئة من المرضى موزعة على كامل الجمهورية.
وفي هذا الخصوص، أكد منجي بن حريز رئيس جمعية مرضى الأبطن أنّ الجمعية كثيرًا ما شددت على ضرورة بعث مشاريع لإنتاج مواد غذائية خالية من الغلوتين، لا سيّما وأن أغلبها مستورد وهذا ما أدى إلى ارتفاع ثمنها كثيرًا مقارنة بالمواد الغذائية الأخرى كما أنها لا تتوفر في كل الجهات.