"التعليم أفضل مؤونة للشيخوخة"، هذا ما قاله أرسطو والحال أن أعدادًا كبيرة من التونسيين بلغوا سنّ الشيخوخة دون تعلّم حرف واحد وحمل تلك المؤونة. فيما قال الإمام عبد الحميد بن باديس أنه "إذا علّمت ولدًا فقد علمت فردًا، وإذا علمت بنتًا فقد علمت أمة"، ولكنّ تبلغ نسبة النساء الأميات حوالي 25 في المائة في تونس.
تحدثت تقارير رسمية صادرة مؤخرًا عن وزارة الشؤون الاجتماعية والمعهد الوطني للإحصاء عن ارتفاع نسبة الأمية في السنوات الأخيرة لتبلغ حوالي 19 في المائة من إجمالي عدد السكان أي حوالي 2 مليون تونسي. وتستأثر ولايات الشمال والوسط الغربي بأعلى نسبة لتبلغ 30.8 في المائة، وتحتلّ ولاية القيروان المرتبة الأولى بنسبة 35 في المائة. وتظل نسبة الأمية مرتفعة لدى النساء على الصعيد الوطني بنسبة 25.5 في المائة في حين تصل هذه النسبة لدى الإناث في الوسط الريفي 41.7 في المائة.
كانت عائشة نفاتي (70 سنة) ترتاد المدرسة كلّ يوم مع الساعة الثالثة بعد الظهر لتلتقي بزملاء في مثل سنّها أو أكبر لتعلّم بعض الحروف وإتقان كتابتها أو قراءتها
ارتفاع نسبة الأميّة مشكل اجتماعي تواجهه تونس، زاد حدّة خلال السنوات الأخيرة بعد توقف برنامج تعليم الكبار إثر الثورة. فمن منا لا يذكر بعض كبار الحي من نسوة أو رجال وهم يتوافدون على مقاعد الدراسة في المدارس خاصة بعد الظهر بعد انطلاق برنامج تعليم الكبار سنة 2000؟ إذ كانت تلقى هذه الدروس إقبالًا كبيًرا لدى كبار السنّ رغم أن تعليمهم لن يوصلهم إلى تحصيل شهائد علمية أو بلوغ أعلى المناصب، إذ كان الطموح يقتصر فقط على اكتساب القدرة على مطالعة الصحيفة أو كتابة اسمه.
اقرأ/ي أيضًا: "الزهايمر" أو علّة الذاكرة.. حالات وحلّ
تذكر عائشة نفاتي حينما كانت ترتاد المدرسة وهي البالغة من العمر 70 سنة، متجهة كلّ يوم إلى قاعة الدرس مع الساعة الثالثة بعد الظهر، لتلتقي بزملاء في مثل سنّها أو أكبر، لتعلّم بعض الحروف وإتقان كتابتها أو قراءتها. تقول لـ"ألترا تونس" إنّ أغلب زملائها وقتها كانوا يحبون هذه الحصص باعتبارها فرصة لتعلّم قراءة أو كتابة بعض الأحرف ومناسبة للالتقاء بعد قضاء يوم كامل في البيت، مبينة أن الحصص مثلت أيضًا فرصة للترفيه عن النفس، لكنّ تجربتها لم تتجاوز السنتين بعد انقطاع البرنامج بعد الثورة.
في ديسمبر/كانون الأول 2017، وقعت وزارة الشؤون الاجتماعية اتفاقية مع الاتحاد الوطني للمرأة لتفعيل برنامج تعليم الكبار مع التزام الوزارة بتوفير الإطار الكافي من المدرسين على أن يشرف الاتحاد على مراكز جهوية لتعليم الكبار للقضاء على الأمية. كما يتولى الاتحاد الإشراف على التدريب المهني والتكوين قصد تأهيل النسوة وتعليمهنّ عدّة حرف للانتفاع بمشاريع صغرى على غرار الخزف والخياطة وصناعة الحلويات تحديدًا في المناطق الداخلية والريفية حيث ترتفع نسبة الأمية وتغيب مواطن الشغل.
راضية الجربي: البرنامج سيشمل التكوين في الحرف
في حديثها مع "ألترا تونس"، أكدت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي أنّ الاتفاقية مهمة خاصة للنسوة في المناطق الداخلية والريفية بالنظر لارتفاع نسبة الأمية بينهنّ والبعض لم يرتدن المدرسة في حياتهن أو انقطعن عن الدراسة في سنّ مبكرة بسبب الظروف الاجتماعية، مما جعل المرأة تمثّل قرابة ثلثي الأميين في تونس.
راضية الجربي: أغلب المراكز ستكون فيها ورشات مختلفة وحصص منظمة لتعليم النساء القراءة والكتابة إلى جانب تعليمهنّ بعض الحرف والصناعات
اقرأ/ي أيضًا: العودة المدرسية.. كابوس بعض الأمهات العازبات
وقالت إنّ البرنامج لن يقتصر فقط على تعليمهنّ الكتابة والقراءة فقط كما كان في السابق، بل سيشمل تكوينًا في عدّة حرف وصناعات يدوية لتأهيلهنّ وتشجيعهنّ على بعث مشاريع صغرى في مناطقهنّ.
وأشارت محدثتنا إلى أنّ أغلب المراكز ستكون فيها ورشات مختلفة وحصص منظمة لتعليم النساء القراءة والكتابة، إلى جانب تعليمهنّ بعض الحرف والصناعات حتى تلقى المراكز إقبالًا من كبار السنّ خاصة وأنّ البرنامج يشجع كلّ كبار السنّ على التعلّم واكتساب مهارات حرفية.
أين وصل تفعيل برنامج تعليم الكبار؟
وفي جانفي/كانون الثاني 2019، أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية عن تنفيذ برنامج استثنائي يمتد على ثلاث سنوات للترفيع من نسق محو الأمية بالشمال والوسط الغربيين، وتدعيم البرنامج بورشات تكوين مؤكدة على ضرورة انخراط بعض الجمعيات التنموية المانحة للقروض الصغرى وبنك التضامن لدعم البرنامج عبر مرافقة الدارسين وتذليل العوائق وتبسيط الاجراءات لبعث المشاريع الصغرى في جهاتهم. ودعت أيضًا إلى حث كل الأطراف على توعية المجتمع المدني بأهمية بعث الجمعيات المحلية المعنية بتعليم الكبار ودعمهم.
ولاحقًا في جويلية/يوليو 2019، أمضت وزارة الشؤون الاجتماعية اتفاقية مع مؤسسة التعاون الدولي الألماني لدعم برامج تعليم الكبار لتطوير مناهج التعليم وتجهيز المراكز بالجهات والولايات، بالتعاون مع الاتحاد الوطني للمرأة التونسية. وأكدت وزارة الشؤون الاجتماعية على أهمية الشراكات والتعاون الدولي الذي من شأنه أن يوفر تمويلات ودعم مالي لتطوير البرنامج.
تبلغ الاعتمادات المخصصة لبرنامج تعليم الكبار 9 مليون دينار والحال أنّ الحاجيات السنوية للقضاء على الأمية تتراوح بين 25 و30 مليون دينار حسب مختصين
يذكر أنّ هشام بن عبدة المسؤول عن البرنامج الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار، أشار، في تصريحات إعلامية، إلى أنه خُصّص اليوم فقط 9 مليون دينار لبرنامج تعليم الكبار، والحال أنّ الحاجيات المالية السنوية للقضاء على ظاهرة الأمية في تونس تتراوح ما بين 25 و30 مليون دينار.
وأكد أنّ البرنامج الذي تديره الدولة ممثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية منذ سنة 2000 شهد بعد ثورة 2011 تراجعًا كبيرًا في حجم ميزانيته مشيرًا إلى أنّ إدارة البرنامج سعت إلى البحث عن فرص للتمويل الدولي بالشراكة مع منظمة ألمانية غير حكومية.
وأوضح أنّ مراكز تعليم الكبار ومحو الأمية التي يبلغ عددها 950 مركزًا من المنتظر أن تستقطب 22 ألف و500 مواطنًا مقابل 21 ألف تم استقبالهم خلال العام الماضي، فيما يتولى حوالي 1200 مدرسًا تقديم الدروس، على أنّ يقع تعميم البرنامج في كامل الولايات والجهات التي ترتفع فيها نسبة الأمية.
اقرأ/ي أيضًا: