تمضي الشابة هيفاء بن يوسف يومها في العمل على ترصّد المنتجات التي يقتنيها زملاؤها، فلا يمرّ يوم دون أن تلقي عليهم محاضرات حول ضرورة مقاطعة كل المواد الاستهلاكية التي تدعم اقتصاد الكيان الصهيوني. ومنذ بدء العدوان الصهيوني، أصبحت هذه عادة يوميّة تؤثّر في النمط الاستهلاكي لأصدقائها، وفق ما أكدته لـ"الترا تونس".
- "مبدأ المقاطعة يثير تهكم البعض"
علاقة هيفاء بالمقاطعة ليست حديثة، فقد انطلقت منذ الحرب على غزة سنة 2008 وكانت تلازم غرف الدرشة لإقناع الناس بضرورة دعم القضية الفلسطينية وقد تعرضت للتهكم والاستهزاء من قبل المحيطين بها.
"أتعامل مع المُنتجات بمنطق الحلال والحرام، وأنظر لكلّ من يستهلك المنتجات التي تدعم اقتصاد العدو كمساهم في شراء الأسلحة للكيان" هكذا عبرت محدثتنا عما يجعلها تلتزم التزامًا كاملًا بمبدأ المقاطعة. وتضيف أن ما يشجعها هو ما تسمعه من المختصّين الاقتصاديين حول مدى تأثير المقاطعة في اقتصاد العدو وأنّ منصات التواصل الاجتماعي وخاصة تيك توك ساهم بصفة كبيرة في فضح علاقة عديد الشركات بكيان الاحتلال.
هيفاء بن يوسف (ناشطة): أتعامل مع المُنتجات بمنطق الحلال والحرام وأنظر لكلّ من يستهلك المنتجات التي تدعم اقتصاد العدو كمساهم في شراء الأسلحة للكيان وهذا ما يجعلني ألتزم التزامًا كاملًا بمبدأ المقاطعة
وتتأسف بن يوسف لِما أدركته عن مدى سيطرة العالم الغربي في الاقتصاد العربي، داعية كل المؤثرين في العالم الرقمي إلى أن ينخرطوا في حملات المقاطعة وخاصة أن يدعموا المُنتج التونسي كبديل.
وتختم حديثها قائلة: "لا أستطيع النوم ليلًا إلا بعد الاطلاع على مؤشرات البورصة للشركات الكبرى، وأبتسم ابتسامة نصر عند رؤية العلامات الحمراء. وأعتقد أننا نجحنا في الضغط عليهم خاصة مع البيانات التبريرية التي يصدرونها".
- "المقاطعة مبدأ يتوارثه الأجيال"
لا تختلف تجربة المهندسة أسماء الزايري عن سابقتها، فمنذ أن كانت تبلغ الثالثة عشر من عمرها قامت بمقاطعة المنتجات الأمريكية تزامنًا مع الحرب على العراق.
تؤمن الزايري بنجاعة أي عمل مهما كان بسيطًا لترسيخ المقاطعة كمبدأ، وتؤكد في حديثها لـ"الترا تونس" أنّها تساند القضية الفلسطينية بالمقاطعة.
وتضيف: "أتابع يوميًا أخبار فلسطين حيث يقتل أطفال وتهان نساء وينكّل بكبار السنّ، وعلى الرّغم من هذا هم صامدون ويدافعون عن أولى القبلتين نيابة عنا، لذلك يصعب عليّ تمويل مغتصبهم".
أسماء الزايري (مهندسة): المقاطعة ثقافة ومبدأ لديّ منذ الصغر ودفعتُ كل العائلة لاتّباع هذا المنهج.. لو كان الجميع على قلب رجل واحد فيقينًا ستكون خسائر العدو فادحة
ولم تكتف أسماء الزايري بنفسها، بل دفعت كل العائلة لاتّباع هذا المنهج وأصبح مسألة تورّث جيلًا بعد جيل. وتقول في ختام حديثها إنّه "لو كان الجميع على قلب رجل واحد فيقينًا ستكون خسائر العدو فادحة" وفقها.
- "قاطع ما استطعت وابحث عن البديل"
تحت شعار "قاطع ما استطعت وابحث عن البديل"، تساند حملة مقاطعة ومناهضة التطبيع التحرّكات العفوية التي يقوم بها المواطن التونسي لمساندة القضية الفلسطينية.
وقد تأسست هذه المجموعة سنة 2014، تزامنًا مع العدوان الصهيوني على غزة، من قبل شباب ذوي خلفيات تقدمية مقاومة للاستعمار والصهيونية والإمبريالية، وفق ما أكده عضو المجموعة غسان بن خليفة.
وأشار محدث "الترا تونس" إلى أنّ العمل يرتكز على محورين متكاملين، الأوّل يتعلق بمناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني في مختلف أشكاله السياسية والثقافية والاقتصادية والأكاديمية، والثاني يتمثل في مقاطعة منتجات الشركات الداعمة لاقتصاد العدو، وفقه.
غسان بن خليفة (عضو حملة "مقاطعة ومناهضة التطبيع"): عملنا يرتكز على محورين متكاملين الأوّل يتعلق بمناهضة التطبيع في مختلف أشكاله السياسية والثقافية والاقتصادية والأكاديمية، والثاني يتمثل في مقاطعة منتجات الشركات الداعمة لاقتصاد العدو
وعن تاريخ المقاطعة كأداة مقاومة، يوضح بن خليفة أنها وسيلة نضالية انطلقت منذ عقود طويلة استعملها الفلسطينيون في الإضراب العام الشهير سنة 1936 احتجاجًا على التواطؤ البريطاني في إدخال الصهاينة إلى فلسطين المحتلة. كما اعتمدتها عديد الشعوب الأخرى مثل الهنود ضد البريطانيين، والتونسيون والجزائريون زمن الاستعمار الفرنسي، بالإضافة إلى حملة المقاطعة المحلية والإفريقية والعالمية التي تم اعتمادها ضد نظام الميز العنصري والتي كانت، إلى جانب المقاومة المسلحة، أداة فعالة في محاصرته وإفقاده الشرعية الدولية وصولًا إلى تفكيكه وإسقاطه في التسعينات.
وعن استراتيجية المجموعة في العمل، يقول بن خليفة: "قمنا بإخراج ثلاث قائمات، قائمة مركّزة تضمّ الماركات الأهم والأبرز، وقائمة مقاطعة جزئية وتضم الشركات التونسية التي لها علاقات شراكة مع ماركات عالمية تدعم العدو وطالبنا بمقاطعة جزء من منتجاتها، والقائمة الأخيرة تضم قائمة المواد الاستهلاكية لشركات أجنبية متواجدة في تونس والهدف هو الضغط عليها من أجل سحب استثماراتها".
غسان بن خليفة: المقاطعة كأداة مقاومةوسيلة نضالية انطلقت منذ عقود طويلة واستعملها الفلسطينيون في الإضراب العام الشهير سنة 1936 احتجاجًا على التواطؤ البريطاني في إدخال الصهاينة إلى فلسطين المحتلة
وفي ختام حديثه، يؤكد عضو مجموعة المقاطعة ومناهضة التطبيع أنه لنجاعة هذه الآلية آثرت المجموعة التركيز على عدد محدود من الشركات ليكون التأثير واضحًا، مشددًا على أنّ المقاطعة تساهم في محاصرة العدو بشكل سلمي يسمح للناس في المساهمة في المعركة بشكل غير مباشر من خلال عمل جماعي منظم.
وفي نفس السياق، يؤكد رئيس منظمة إرشاد المستهلك لطفي الرياحي أنّ حملات مقاطعة المنتجات التي تدعم كيان الاحتلال هي أقل ما يمكن تقديمه للشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أنّها شكل من أشكال النضال.
ويشدد الرياحي، في حديثه لـ"الترا تونس"، على أنّ هذه الحملات تتقدم بشكل ملفت وهو ما شكّل نوعًا من الضغط وجعل بعض المساحات التجارية الكبرى تقوم بتخفيضات تصل إلى 70% على عدد من المنتجات، معتبرًا أنّ ذلك "دليل على نجاعة المقاطعة وعمق الضرر الحاصل لديهم"، وفقه.
لطفي الرياحي (رئيس منظمة إرشاد المستهلك): حملات المقاطعة تتقدم بشكل ملفت وهو ما شكّل نوعًا من الضغط وجعل بعض المساحات التجارية الكبرى تقوم بتخفيضات تصل إلى 70% على عدد من المنتجات وذلك دليل على نجاعة المقاطعة
ودعا محدثنا إلى ضرورة الاستمرار في الالتزام بمبدأ المقاطعة لما في ذلك من تأثير اقتصادي ومالي على الدول الداعمة للكيان الصهيوني، مضيفًا أن المنظمة تسعى إلى تكثيف الحملات لمساندة المُنتج التونسي كبديل فعال خاصة وأن الصناعة التونسية تضررت من كثرة التوريد، حسب تقديره.
- "مقاطعة الشعوب حل في ظل تخاذل الحكومات"
من جهة أخرى، لا تخلو مواقع التواصل الاجتماعي من المجموعات المساندة لمقاطعة المنتجات التي تدعم الكيان في حربه ضدّ الفلسطينيين، فهي كخلايا النحل تعجّ بالباحثين عن البدائل والمتحرّين في أصول الشركات.
ومن أكثر هذه المجموعات حرية هي مجموعة "مقاطعة- boycott" والتي يديرها الشاب كريم عبد الملك (30 سنة مدير فني وصاحب شركة ناشئة)، والذي يؤكد أنّ حملة المقاطعة جاءت بعد أيام قليلة من بداية الحرب على غزة وخاصة بعد طلب قيادات المقاومة وعامة الشعب الفلسطيني من الشعوب العربية والإسلامية مقاطعة منتجات الاحتلال.
وفي حديثه عن بداية هذه المجموعة، يشير كريم إلى أنها انطلقت بحركات بسيطة بالنشر والكتابة حول الموضوع، إلى أن تحولت لاحقًا إلى حملة تضم ما يقارب 30 ألف عضو.
وفي علاقة بتفاعل التونسيين، يؤكد مشرف المجموعة أنه كان أكبر من المتوقّع، من ناحية الإقبال على المجموعة والموقع وطرح الأسئلة والبحث عن مصدر كل منتج تحوم حوله الشكوك، وأيضًا من ناحية التطوّع وعرض الخدمات للمساعدة في إنجاح الحملة، وفقه.
كريم عبد الملك (مدير مجموعة "مقاطعة- boycott"): حملة المقاطعة جاءت بعد أيام قليلة من بداية الحرب على غزة وكان الإقبال على المجموعة أكبر من المتوقّع وكثيرون أبدوا استعدادهم للتطوع وعرض الخدمات للمساعدة في إنجاح الحملة
ومن جهة أخرى، يشدّد محدّثنا على أنّ التّفاعل بقي محتشمًا وضعيفًا بين المؤثرين ووسائل الإعلام والسياسيين مقارنة ببقية الدول العربية والإسلامية مثل الأردن واليمن ومصر، خاصّة وأنّ المقاومة الاقتصادية أثبتت نجاعتها وقدرتها على تحقيق ما لم تقدر الدول على تحقيقه منذ سنين من توعية الناس بترشيد استهلاك المنتجات الأجنبية ودعم الإنتاج المحلي وشركة "سبيرو" المصرية للمشروبات الغازية أكبر دليل، وفق ما أكّده لـ"الترا تونس".
ويضيف عبد الملك: "ليس من المناسب الآن الحديث عن مدى نجاعة المقاطعة الاقتصادية لأنّها بالنسبة للشعوب العربية الوسيلة الوحيدة للمقاومة في ظل تخاذل الحكومات، وحتّى وإن كانت حركة رمزية دون نتائج اقتصادية سيكون أثرها كبيرًا في نشر إحساس التضامن والانتماء والوعي بالقضية".
ويوجّه محدّثنا رسالة للمشكّكين في أهميّة المقاطعة قائلًا: "إنّ غزة ليست في حاجة لكم ولا هي في حاجة لمقاطعتنا فهي منتصرة بإذن الله، لكننا جميعًا في حاجة للنجاح في هذا الاختبار الصعب للإنسانية. ستمر الحرب ولن تبقى إلا الأعمال التي سترفع للسماء والمواقف التي ستبقى في الذاكرة. هي أيام معدودة ولكم الاختيار إما أن تكونوا ملبّين لنداء إخوانكم، أو تغطية تخاذلكم بالتشكيك والتكبّر على هذه النشاطات العفوية"، وفق تعبيره.