04-مايو-2024
هجرة مهاجرون لاجئون لجوء

أزمة المهاجرين وطالبي اللجوء في تونس تعود إلى تصدر الواجهة من جديد (صورة أرشيفية/ محمد مسرة/ epa)

 

عادت أزمة المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء من جنسيات مختلفة من إفريقيا جنوب الصحراء في تونس إلى تصدّر الواجهة من جديد، مع مباشرة السلطات التونسية حملات إخلاء عدد من المباني والحدائق العمومية والأرصفة حيث تتجمع مجموعات من المهاجرين بعد أن اتخذت منها مكانًا تنزل فيه في انتظار إيجاد حلّ.

عادت أزمة المهاجرين وطالبي اللجوء في تونس إلى تصدّر الواجهة من جديد، مع مباشرة السلطات التونسية حملات إخلاء عدد من المباني والحدائق العمومية والأرصفة حيث تتجمع مجموعات من المهاجرين

وقد نشرت وزارة الداخلية التونسية وولاية صفاقس، يومي الخميس والجمعة 2 و3 ماي/أيار 2024، مقاطع فيديو توثق قيام قوات الأمن بحملات إخلاء للمهاجرين غير النظاميين، دون الإعلان رسميًا عن مصير المهاجرين أو توضيح الأماكن التي يتم نقلهم إليها.

 

 

وفي الأثناء، بينما تناقلت وسائل إعلام محلية، على غرار إذاعة "موزاييك"، أنّه تم إيداع عدد من المهاجرين من جنوب الصحراء السجن من بين الذين أوقفوا إثر إزالة الخيام التي نصبوها بحديقة عمومية بالبحيرة وفي محيط المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية الأممية السامية لشؤون اللاجئين بالعاصمة، تداول نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي معطيات تفيد بأنّ قوات الأمن قامت بتوزيع المهاجرين الذين تم إخلاؤهم من البحيرة في عدد من ولايات الشمال الغربي، وقد وثق النائب السابق بالبرلمان زياد الهاشمي مقطع فيديو لمهاجرين من السودان قالوا له إنه تم نقلهم من العاصمة إلى ولاية جندوبة من قبل الأمن التونسية، حسب ما ورد في مقطع الفيديو.

 

 

رئيس مرصد حقوق الإنسان: إزالة خيمات طالبي اللجوء واللاجئين من أمام مقر المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالعاصمة دون تحديد مكان بديل حتمًا سيخلق "عامرة" أخرى بتونس

وقد علق رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير، في تدوينة على حسابه بموقع التواصل فيسبوك، قائلًا: "إزالة خيمات طالبي اللجوء واللاجئين من أمام مقر المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالعاصمة دون تحديد مكان بديل حتمًا سيخلق عامرة أخرى بتونس"، وذلك في إشارة إلى منطقة العامرة بصفاقس التي شهدت على مدار أشهر توافد وإقامة أعداد كبيرة من المهاجرين بها.

 

صورة

 

منظمة ليبية: سلطات تونس تطرد المهاجرين نحو ليبيا

وبينما تحوم نقاط استفهام عديدة حول مصير المهاجرين بعد إخراجهم بالقوة من الأماكن التي ظلوا يحتمون بها لأشهر متواصلة، أصدرت منظمة ليبية غير حكومية بيانًا قالت فيه إنّ السلطات التونسية تقوم بطرد المهاجرين نحو الحدود الليبية، وفقها.

وأعربت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، في بيان لها الجمعة 3 ماي/أيار 2024، عن إدانتها واستنكارها لـ"استمرار قيام السلطات التونسية بطرد  المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء إلى المناطق الحدودية الليبية، الذين كانوا متواجدين في أراضيها بعد نقلهم من عديد ولايات تونسية"، على حد قولها.

منظمة ليبية: ندين استمرار قيام السلطات التونسية بطرد  المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء الذين كانوا متواجدين في أراضيها إلى المناطق الحدودية الليبية في تنصل من مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية والإنسانية تجاههم

واتهمت المنظمة الليبية السلطات التونسية بـ"التنصل من مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية والإنسانية تجاه هؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء المتواجدين على أراضيها وإلقائها على ليبيا، من خلال افتعال هذه الأزمة الإنسانية على الحدود الليبية"، حسب تقديرها.

وذكرت المنظمة أنّ "المعلومات الأولية الواردة إليها بقسم شؤون الهجرة غير النظامية وقسم تقصي الحقائق والرصد والتوثيق التابعين لها، تفيد بأنه تم إدخال أعداد كبيرة من المهاجرين إلى الحدود الليبية ونقلهم إلى مراكز الإيواء التابعة لجهاز حرس الحدود في منطقة العسة الحدودية، والتي كان آخرها إدخال 120 مهاجرًا ظهر يوم الخميس 2 ماي/أيار 2024"، معتبرة أنّ ذلك يمثّل "جريمة واضحة وهي التواطؤ مع الجانب التونسي في طرد جماعي وقسري لهؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء المتواجدين بتونس إلى ليبيا".

وفي هذا الصدد، أدانت ما اعتبرته "تواطؤ وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، ورئيس جهاز حرس الحدود التابع لوزارة الداخلية، مع الجانب التونسي من خلال السماح بطرد وإبعاد هؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء إلى ليبيا من قبل السُلطات التونسية، وتسهيل إدخال هؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء الذين كانوا متواجدين بالمنطقة الحدودية الليبية التونسية المشتركة"، على حد ما ورد في نص البيان.

منظمة ليبية: ممارسات السلطات التونسية ترتكز على فرضية أن هؤلاء الأجانب قد مرّوا بليبيا أو الجزائر قبل دخول تونس، رغم أنه قد تم القبض عيهم بعد اعتراضهم في البحر من قبل خفر السواحل التونسي، وإعادتهم إلى السواحل التونسية

وفي هذا الصدد، طالبت المنظمة الليبية مكتب النائب العام بـ"فتح تحقيق شامل في ملابسات واقعة الإهمال في أداء الواجب من قبل جهاز حرس الحدود التابع لوزارة الداخلية، وشُبهة وجود تواطؤ من جانب وزير الداخلية المكلف ورئيس جهاز حرس الحدود التابع لوزارة الداخلية، مع الجانب التونسي ساهم في إدخال هؤلاء المهاجرين إلى ليبيا، في ظل تداول معلومات خلال الفترة الماضية عن وجود مخطط واتفاق سري لإدخال هؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء المتواجدين بتونس إلى الشريط الحدودي الليبي التونسي، ومن ثم نقلهم إلى الحدود الليبية"، وفق ذات البيان.

وقالت المنظمة إنّ "ممارسات السلطات التونسية ترتكز على فرضية أن هؤلاء الأجانب قد مرّوا بليبيا أو الجزائر قبل دخول تونس، رغم أنه قد تم القبض على بعض الأشخاص أثناء محاولتهم مغادرة الأراضي التونسية واعتراضهم في البحر من قبل خفر السواحل التونسي، وإعادتهم إلى السواحل التونسية، أو أنهم قد دخلوا تونس عن طريق المنافذ الجوية التونسية وبطرق قانونية بدلاً من العبور عبر الدول المجاورة، بالإضافة إلى مهاجرين دخلوا تونس قانونيًّا، ومن بينهم طالبو لجوء مسجلين لدي المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتونس"، حسب تقديراتها.

منظمة ليبية: ندعو السلطات التونسية إلى وقف هذه الإجراءات التعسفية ومعاملة المهاجرين بكرامة وإنسانية وبما يتماشى مع التزاماتها الدولية في هذا الشأن

وجددت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا تأكيدها أنّ "مُمارسات السلطات التونسية تجاه نقل المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء المتواجدين على أراضيها إلى الحدود الليبية التونسية المشتركة وإبعادهم بشكلٍ قسري إلى ليبيا، منافية للقيم الإنسانية وللقانون الدولي الإنساني، وتشكّل انتهاكًا واضحًا لأحكام اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين التي صادقت عليها تونس عام 1957".

ودعت المنظمة الليبية، في هذا الصدد، السُلطات الليبية متمثلة في المجلس الرئاسي الليبي وحكومة الوحدة الوطنية بـ"أهمية التحرك العاجل إزاء استمرار قيام السلطات التونسية بعمليات النقل والطرد الجماعي للمهاجرين وطالبي اللجوء المتواجدين على أراضيها بغية تحميل ليبيا مسؤولية هؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء"، على حد قولها.

كما أكدت أنّ "على السُلطات التونسية معالجة هذه المسألة انطلاقًا من المسؤوليات والالتزامات القانونية المُلقاة على عاتقها، في إطار الحفاظ على الحياة البشرية، والاحترام الكامل للكرامة البشرية، وضمانات احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في هذا الشأن، والمواثيق الدولية ذات الصلة، بما يكفل احترام البُعد الإنساني"، داعية السلطات التونسية إلى "وقف هذه الإجراءات التعسفية ومعاملة المهاجرين بكرامة وإنسانية، وبما يتماشى مع التزاماتها الدولية في هذا الشأن"، حسب ما ورد في نص البيان.

 

صورةصورة

 

جمعية تونسة: من أسباب هذه الأزمة اضطلاع تونس بدور حارس الحدود البحرية الجنوبية الأوروبية

وفي الأثناء، ذكّرت الجمعية التونسية لإدارة الأزمات، الجمعة 4 ماي/أيار 2024، بأنّه سبق لها أن حذّرت من خطر الوقوع في أزمة مزدوجة العوامل في علاقة بالمهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء في تونس.

جمعية تونسية: هذه الأزمة سببها من جهة غياب التنسيق الأمني مع الجانبين الليبي والجزائري للتصدي لشبكات الاتجار بالبشر الناشطة عبر الحدود، ومن جهة أخرى اضطلاع تونس بدور حارس الحدود البحرية الجنوبية الأوروبية

وقالت، في بيان لها، إنّ هذه الأزمة سببها من جهة غياب التنسيق الأمني مع الجانبين الليبي والجزائري للتصدي لشبكات الاتجار بالبشر الناشطة عبر الحدود، ومن جهة أخرى اضطلاع تونس بدور حارس الحدود البحرية الجنوبية الأوروبية، حسب تصورها.

وأشارت إلى أنّه بناءً على ما أنف ذكره قد "تتحول تونس إلى موطن استقرار لفئة من المهاجرين دون أي دراسة اجتماعية أو ديمغرافية أو مخطط إدماج متكامل أو ترحيل، وهو ما يخلق حتمًا ضغطًا على منظومات الاقتصاد والأمن وغيرها، ممّا يقوض قدرة الدولة على الاضطلاع بمختلف مهامها الحيوية إزاء المواطن"، على حد ما جاء في نص البيان.

جمعية تونسية تدعو إلى "عزل فئات المهاجرين المتواجدة على أرض تونس بمراكز إيواء مؤمنة تخضع لمراقبة دولية إلى حين استكمال عمليات الترحيل في الاتجاهين"

وذكرت الجمعية بما سبق أن اقترحته منذ سنة 2022، يتخلص فيما يلي: 

  • عدم إبرام أيّ اتفاقية مع أي جانب من دول جنوب أوروبا إلّا بمشاركة جميع دول شمال إفريقيا المعنية ودول جنوب الصحراء في هذه الاتفاقية.
  • ضمان ألّا تتحول تونس إلى موطن استقرار للمهاجرين عبر مخطط مزدوج المراحل يبدأ بعمليات ترحيل منسقة مع الدول المصدرة لفئات المهاجرين والدول الأوروبية حسب احتياجاتها.
  • عزل فئات المهاجرين المتواجدة على أرض تونس بمراكز إيواء مؤمنة تخضع لمراقبة دولية إلى حين استكمال عمليات الترحيل في الاتجاهين مع إمكانية التصرف في الموارد البشرية المتواجدة بمراكز الإيواء حسب الاحتياجات المحلية ووفق ما يسمح به القانون"، حسب ما جاء في نص البيان.

 

صورة

 

الهجرة الدولية بتونس تحث المهاجرين على العودة الطوعية لبلدانهم

في الأثناء، أعلنت منظمة الهجرة الدولية في تونس، الخميس 2 ماي/أيار 2024، أنها كثفت بالتعاون مع السلطات المحلية والهلال الأحمر التونسي بصفاقس، جهودها الإنسانية في ولاية صفاقس، وذلك بعد حملات الإخلاء التي قامت بها قوات الأمن في العامرة وجبنيانة.

الهجرة الدولية بتونس تحث المهاجرين الذين يرغبون في العودة الطوعية إلى بلدانهم الأصلية من خلال برنامج العودة الطوعية وإعادة الإدماج إلى التسجيل لديها مؤكدة أنها تقوم بعمليات التسجيل بشكل يومي

وذكرت المنظمة، في بلاغ لها، أنها تقوم، كجزء من استجابتها، بتسجيل المهاجرين الذين يرغبون في العودة الطوعية إلى بلدانهم الأصلية بشكل يومي من خلال برنامج العودة الطوعية وإعادة الإدماج، عبر عملية العناية الواجبة بما في ذلك الاستشارة الفردية.

وأكدت في هذا الصدد أنه "يمكن للمهاجرين العودة إلى ديارهم بطريقة آمنة وكريمة، حيث سيحصلون على مساعدة إعادة الإدماج لبناء حياة جديدة"، حسب ما ورد في نص البلاغ.

وفي هذا السياق، أشارت إلى أنه تم يومها في منطقة الحزق من معتمدية جبنيانة التابعة لولاية صفاقس تسجيل مجموعة من المهاجرين ضمن العودة الطوعية وإعادة الإدماج وتم نقلهم إلى تونس حيث سينتظرون سفرهم إلى بلدهم الأصل، على حد قولها.

 

صورة

 

وتأتي هذه التطورات في علاقة بالمهاجرين في تونس، بالتزامن مع تتالي زيارات مسؤولين إيطاليين رفيعي المستوى إلى تونس، وأيامًا قليلة بعد الاتفاق التونسي الجزائري الليبي، في اجتماع القمة بين رئيسي تونس والجزائر قيس سعيّد وعبد المجيد تبون ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، على "تكوين فريق عمل مشترك يعهد له إحكام تنسيق الجهود لحماية الحدود المشتركة من مخاطر وتبعات الهجرة غير النظامية مع العمل على توحيد المواقف والخطاب في التعاطي مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة المعنية بظاهرة الهجرة غير النظامية في شمال البحر المتوسط ودول إفريقيا جنوب الصحراء.

يذكر أنّه تم في 16 جويلية/يوليو 2023، توقيع "مذكرة تفاهم" بين تونس والاتحاد الأوروبي حول "شراكة استراتيجية وشاملة"، وتهم بالأساس ملف الهجرة غير النظامية. وقد قام بتوقيعها الرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.

سبق أن رفضت مؤسسات حقوقية في تونس "توجهات إيطاليا لجعل تونس نقطة ساخنة لتجميع المهاجرين" ورفض الرئيس التونسي بدوره اسقرار المهاجرين غير النظاميين في تونس

وقد طالت مذكرة التفاهم عديد الانتقادات على الصعيد الحقوقي في تونس، واعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنّ هذه المذكرة "خطيرة وتكرس دور الحارس والسجان"، وفق توصيفه، كما انتقد المنتدى مرارًا ما أسماها توجهات "إيطاليا لجعل تونس نقطة ساخنة لتجميع المهاجرين" وهو ما رفضه عديد النشطاء الحقوقيين أيضًا.

وبدوره كان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد أكد عدة مرات بأنّ تونس لن تقبل بأن يستقر المهاجرون غير النظاميين فيها. وقال الرئيس التونسي في مكالمة هاتفية جمعته الخميس 25 أفريل/نيسان 2024، بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون،  أنّ "شبكات إجرامية تتولى إغداق الأموال على هؤلاء المهاجرين غير النظاميين الذين لم تكن تونس سببًا في فقرهم وفي بؤسهم، ولا تقبل تونس بأن يستقروا بها، وهو أمر غير مقبول فضلًا عن أنه مشبوه" على حد تعبيره.


صورة