%90 من التونسيين لا يجرون فحص الزواج.. شهادات حيّة وأطباء يكشفون لـ"الترا تونس" العواقب

كانت حنان (اسم مستعار) على أبواب الزواج من "حب العمر" كما كانت تصفه. انتظرته طويلًا حتى تجهز أوراق إقامته في إيطاليا التي هاجر إليها بشكل غير نظامي، وفق ما روته لـ"الترا تونس".

وقالت حنان بصوت خافت: "انتظري قليلاً حتى أبتعد عن أطفالي.. لا أحد يعرف هذه القصة". وأضافت:"قبل عقد القران، حرصت على إجراء الفحوصات الطبية اللازمة رغم أن خطيبي السابق أراد التنصل منها وقال إنه يعرف طبيبًا سيمده بالوثيقة اللازمة في بضع دقائق". 

لكن محدثتنا تمسكت بإجراء الفحص الطبي، وخاصة فحص فيروس نقص المناعة البشرية، الذي ينصح الإطار الطبي بإجرائه، لا سيما للمقيمين في الخارج وتقول حنان: "رفضه إجراء هذا الفحص بالتحديد، هو ما أثار لدي الشكوك والقلق لذلك تمسكت بإقناعه بإجراء الفحص، وكانت النتيجة هي الصاعقة التي غيرت حياتي.. زوجي المستقبلي، الذي كان يفصلني عن الزواج به نصف شهر فقط، حامل لفيروس السيدا".

 حنان (اسم مستعار)لـ"الترا تونس": تمسكت بإقناعه بإجراء الفحص، وكانت النتيجة هي الصاعقة التي غيرت حياتي.. زوجي المستقبلي، الذي كان يفصلني عن الزواج به نصف شهر فقط، حامل لفيروس السيدا

من جهتها، صرّحت منال (اسم مستعار) لـ"الترا تونس": لقد خسرت حياتي.. ليتني مت قبل اليوم الذي اكتشفت فيه أنني حاملة للسيدا مع ابني". وأضافت: "جرت العادة عند كل أفراد العائلة ومعارفنا أن نأخذ ورقة من طبيب تثبت قيامنا بالفحص الطبي قبل الزواج تجنبًا لمضيعة الوقت والانتظار والحقيقة أنني لم أفكر في الأمر مرتين لأن الإجراءات بالنسبة لي لا تتم إلا بهذه الطريقة.. إلى أن دفعت ثمن هذا الاستهتار صحتي وصحة طفلي". 

روت منال قصصًا عديدة جعلت "حياتها جحيمًا"، وفق قولها، بعد أن اكتشفت صدفة أنها حاملة لهذا المرض الذي كان سببه عدوى من زوجها. وتقول إنها تعرضت للوصم حين ذهبت للولادة داخل أحد المستشفيات التونسية إذ تم تعليق ورقة كبيرة على سريرها تُظهر إصابتها بفيروس نقص المناعة البشرية (السيدا). وقالت: "كل من يمر أمامي في المستشفى من الأطباء، العائلة أو حتى الغرباء، علم بأني مريضة بالسيدا، شهروا بي، وأنا أعيش كل هذا بسبب إهمالي وزوجي للفحوصات اللازمة قبل الزواج".

منال (اسم مستعار): لقد خسرت حياتي.. ليتني مت قبل اليوم الذي اكتشفت فيه أنني حاملة للسيدا مع ابني

وفي سياق متصل، أكد مدير البرنامج الوطني لمكافحة "السيدا" بوزارة الصحة التونسية سمير المقراني، الاثنين 3 ديسمبر/كانون الأول 2024، وفق محامون بلا حدود، أن العدد المتوقع للمتعايشين مع فيروس فقدان المناعة المكتسبة "السيدا" في تونس يقدر بـ8 آلاف حالة خلال سنة 2023.

وأضاف، خلال ندوة صحفية بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة فيروس نقص المناعة البشري الموافق لـ1 ديسمبر/كانون الأول من كل سنة، أنّ عدد الأشخاص الذين يعلمون بحملهم للفيروس يقدر بـ 2240 شخصًا، وهو ما يمثل نسبة 28% من الحالات المتوقعة، حسب تقديراته.

وتابع سمير المقراني:"عدد الأشخاص الذين يتلقون العلاج يناهز 2036 شخصًا وهو ما يمثل 26% من الحالات التي وقع تقديرها، كما يمثل 90% من الأشخاص العارفين بحملهم للفيروس".

وأكد المسؤول في وزارة الصحة أنّ تونس ملتزمة بالسياسة العالمية في مجال مكافحة السيدا، مشيرًا إلى أنّ تونس تعتمد حاليًا على المخطط الاستراتيجي 2021-2026 لتحقيق الأهداف العالمية و القضاء على الفيروس بحلول 2030، وفقه.

عبد المجيد الزحاف: "القانون لا يُطبق والتونسيون يرون في الفحص مضيعة للوقت"

وفي نفس السياق، قال الدكتور عبد المجيد الزحاف، رئيس الجمعية التونسية لمقاومة الأمراض المنقولة جنسيًا والسيدا وعلاج الإدمان، لـ"الترا تونس":"الفحص الطبي قبل الزواج هو إجراء إيجابي لكنه لا يُطبق فعليًا لأن التونسيين يعتقدون أنهم بخير ولا يعانون من شيء، وأنه مضيعة للوقت". وأضاف: "أستطيع أن أقول أن ما يقارب 90% من التونسيين يذهبون قبل يوم واحد من الزواج لطبيب يشترون منه ورقة تثبت أنهم بخير دون أن يقوموا بأي تحليل".

رئيس الجمعية التونسية لمقاومة الأمراض المنقولة جنسيًا لـ"الترا تونس": ما يقارب 90% من التونسيين يذهبون قبل يوم واحد من الزواج لطبيب يشترون منه ورقة تثبت أنهم بخير دون أن يقوموا بأي تحليل

وأشار الزحاف إلى أن "تحليل السيدا لا يندرج ضمن الفحوصات الإلزامية رغم أنه من بين أخطر الأمراض المنقولة جنسيًا"، مضيفًا أن "القانون لا يفرضه لأن المواطنين حين يسمعون بوجود تحليل نقص المناعة سيمتنعون عن إجراء الفحص الطبي ككل لكنه متاح ومجاني لمن يطلبه".

وأوضح أن "القانون لا يفرض تحليل السيدا لأنه لا يوجد علاج نهائي له، لكن هناك أدوية قادرة على جعل الحامل للفيروس غير ناقل للعدوى، بما في ذلك لزوجته وأطفاله". وأكد أن "التحاليل تهدف إلى علاج من يحمل المرض قبل أن ينقله لغيره".

وكشف رئيس الجمعية أنه صادفت حالات عديدة لنساء نُقلت إليهن أمراض منقولة جنسياً بسبب تهاون أزواجهن وعدم خضوعهم للفحص الطبي قبل الزواج". ودعا إلى "الوعي بأهمية هذه الفحوصات، والتحسيس بها قبل فوات الأوان لأنها تطرح مشكلة عظمى، لا يتحمل مسؤوليتها الأزواج فقط بل الأطفال المستقبليون أيضًا".

تحاليل ضرورية قبل الزواج.. طبيبة تحذر من تجاهل الأمراض المنقولة جنسيًا

وفي علاقة بنفس الموضوع، قالت طبيبة النساء والتوليد، سوسن بن حليمة لـ"الترا تونس":"من بين أخطر الأمراض المنقولة جنسيًا التي يمكن أن تنتقل بعد الزواج: "متلازمة نقص المناعة البشرية المكتسبة، الزهري، السل، فيروس الورم الحليمي، الهربس التناسلي، التهاب الكبد".

وشددت على أهمية التحاليل والفحوصات ضمن الكشف الطبي السابق للزواج وصرحت"للأسف التونسي يتعامل مع فحص ما قبل الزواج كأنه وثيقة رسمية كبطاقة التعريف مثلًا، يحب الاستظهار بها في عقد القران فيقوم بإصدارها بأسرع وقت ممكن وبأي طريقة كانت".

 طبيبة نساء لـ"الترا تونس": "للأسف التونسي يتعامل مع فحص ما قبل الزواج كأنه وثيقة رسمية كبطاقة التعريف مثلًا.. فيقوم بإصدارها بأسرع وقت ممكن وبأي طريقة كانت

كما كشفت الطبيبة عن أهم التحاليل التي يجب إجراءها قبل الزواج:

• تحليل فصيلة الدم: يُعد ضروريًا لمعرفة توافق فصيلة دم الزوجين، خاصة في ما يتعلق بعامل Rh. ففي حالة كانت المرأة تحمل فصيلة دم سالبة والزوج موجب، يمكن أن يولد الجنين بفصيلة دم موجبة مما يؤدي إلى استجابة مناعية من جسم الأم. وقد لا يظهر ذلك في الحمل الأول، لكن في الحمل الثاني قد يرفض الجسم الجنين. وتتمثل الوقاية في حقنة تُعطى للمرأة خلال 72 ساعة بعد الولادة الأولى.
• تحليل التهاب الكبد الفيروسي B و C: وهو تحليل أساسي نظرًا لخطورة انتقال العدوى إلى المرأة الحامل والجنين، خاصة في حال لم تتلق التلقيح. كما يمكن أن يُولد الطفل حاملًا لالتهاب كبدي حاد أو مزمن يؤدي لاحقاً إلى أمراض خطيرة مثل سرطان الكبد. ورغم أن البعض يربط هذه العدوى بالعلاقات الجنسية فقط، فإن انتقالها ممكن أيضًا عبر الدم، مما يُحتّم إجراء التحاليل بغض النظر عن الماضي الجنسي.
• تحليل السل: يُعتبر من الفحوصات الضرورية كذلك، نظراً لكون السل مرضًا مزمنًا قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل سرطان الرئة أو إصابة الغدد اللمفاوية. ويتم التقصي عنه عبر تصوير صدري بالأشعة.

وزارة الصحة تؤكد أن الفحص مجاني ويهدف لحماية الأسرة

ودعت وزارة الصحة، يوم الأربعاء 18 جوان/يونيو 2025، كافة المقبلين على الزواج إلى "الإقبال الطوعي والواعي على الفحص الطبي السابق للزواج، باعتباره أحد الركائز الأساسية للوقاية الصحية وضمان حياة أسرية مستقرة وحماية الأجيال القادمة من الأمراض الوراثية والمعدية"، وفق بلاغ رسمي.

وأوضحت الوزارة أن "خدمة الفحص الطبي السابق للزواج متوفرة مجانًا في كل المؤسسات الصحية العمومية"، مشيرة إلى أن هذا الإجراء يمثل "استثمارًا في صحة الشريك والأسرة والمجتمع، وخطوة نحو زواج ناجح وأسرة متماسكة".

وأفادت بأن "الخدمة تهدف إلى توعية المقبلين على الزواج بالكشف المبكر عن الأمراض الوراثية والمعدية، والحد من انتشارها"، مؤكدة أن "الفحوصات تشمل استشارة طبية، تحاليل دموية خاصة، جلسات إرشاد ومشورة صحية، وتقديم معلومات طبية تساعد على اتخاذ قرارات صحية واعية بشأن الإنجاب".

وأكد البلاغ أن "الشهادة الطبية تُعد شرطًا أساسيًا لإتمام عقد الزواج، وتُقدّم في مراكز الصحة الأساسية، مراكز الصحة الإنجابية، والوحدات الصحية الخاصة"، ودعت إلى "إجراء الفحص قبل 3 أشهر من الزواج لضمان التدخل الطبي المناسب عند الحاجة.