دعوات متجددة لإعادة التجارة البينية بين تونس وليبيا عبر معبر رأس جدير
24 ديسمبر 2024
تعوّد خالد ونيسية -أحد سكان منطقة بن قردان- على وجود العديد من البضائع الليبية في المنطقة. ولكنّه يقول إنّها باتت "تتوفر بكميات بسيطة نظرًا لغلق معبر رأس جدير في أكثر من مناسبة، بسبب ما يحصل في الجانب الليبي من مواجهات مسلحة تندلع بين الفينة والأخرى". ويضيف "تتوفر في المنطقة عادة أغلب السلع على غرار الأجهزة الكهربائية والأغطية والمفارش، مقابل خروج العديد من السلع التونسية نحو التراب الليبي خصوصًا المواد الغذائية. ولكن شهدت الحركة التجارية بين الجانبين تذبذبًا خلال هذا العام بسبب غلق المعبر أكثر من مرّة، نتيجة الأوضاع في ليبيا" وفقه.
يُذكر أنّه في مارس/آذار الماضي، نشبت مواجهات مسلحة في الجانب الليبيّ. تطلبت غلق المعبر الحدوديّ لحماية المسافرين، ولكنّ قرار الغلق أثّر بشكل كبير على الحركة التجارية بين الجانبين.
شهدت الحركة التجارية عبر معبر رأس جدير الحدودي بين تونس وليبيا، تذبذبًا في أكثر من مناسبة عام 2024، نتيجة إعلان فتحه والمسارعة إلى غلقه بسبب الأوضاع في ليبيا
ويُعدّ معبر رأس جدير من أهمّ المعابر الحدودية بين تونس وليبيا، ويلعب دورًا كبيرًا في النشاط التجاري بين البلدين، وقد تسبّب غلقه في فترات مختلفة في اضطرابات اقتصادية واجتماعية لعشرات الأسر في الجنوب التونسي. وبحسب تقرير البنك الدولي فإنّ "حجم التجارة الموازية عبر المعبر نحو تونس تقدّر بحوالي 600 مليون دينار سنويًا، وتشكّل تجارة الوقود النشاط المهيمن، إذ تمثل 10% من قيمة المبيعات و30% من الأرباح. ومن أبرز البضائع التي تمرّ الوقود والأدوات المنزلية والأجهزة الكهربائية والمعدات والملابس والفواكه".
بعد ثلاثة أشهر من غلق المعبر، تمّ توقيع اتفاق أمني بين تونس وحكومة الوحدة الوطنية يوم 12 جوان/يونيو 2024 لإعادة فتح المعبر تدريجيًا. وفي الأول من جويلية/يوليو فتح المعبر بالكامل ولكن لم يسترجع حركته كالسابق مع فترات انتظار طويلة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال وكيل وزارة الدّاخلية الليبية للشؤون العامة اللواء محمود سعيد، في كلمة ألقاها بمناسبة إعادة فتح الممر التجاري، إنّ معبر رأس جدير يمثّل أهمية كبرى لاقتصاد تونس وليبيا. مشيرًا إلى أنّ معبر رأس جدير سيكون في المستقبل معبرًا لعموم إفريقيا وأوروبا، وذلك عن طريق الموانئ التونسية والليبية وعن طريق البرّ.
أحد سكان منطقة بن قردان: شهدت الحركة التجارية بين تونس وليبيا تذبذبًا خلال هذا العام بسبب غلق معبر رأس جدير أكثر من مرّة، ما جعل عديد البضائع الليبية تتوفر بكميات بسيطة
من جهته أشار المدير الجهوي للديوانة بمدنين، العميد عماد زريق إلى استئناف حركة المبادلات التجارية بين تونس وليبيا، وأنّ الجانب الليبي قد أنهى أشغال تهيئة الممرات الخاصة بالمبادلات التجارية من الجانب الليبي بعد توقف دام أكثر من 8 أشهر بقرار أحادي من الجانب الليبي. وأضاف أنّ مختلف المصالح الأمنية والديوانية في الجانب التونسي تواصل عملها بشكل طبيعي وأنّ عددًا من الإصلاحات والترتيبات سيتم اعتمادها تطبيقًا للاتّفاق المبرم بين الجانبين التونسي واللّيبي.
-
180 مليون دينار قيمة خسائر المعبر
وقد بيّن المعهد العربي لرؤساء المؤسسات في دراسة نشرت سبتمبر/أيلول الماضي أنّ "الصادرات التونسية تطورت نحو ليبيا بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة إذ ارتفعت بحوالي 55% بين سنة 2017 و2023 بزيادة من 1195 مليون دينار، لتصل إلى 2650 مليون دينار بحسب نشرية مرصد التجارة الخارجية لسنة 2023".
كما بيّن المعهد أنّه في "إطار تعزيز الفرص التصديرية، تتطلّع تونس لتجاوز حجم صادراتها إلى 4860 مليون دينار بحلول 2025، وفي هذا الصدد يُعتبر معبر رأس جدير مصدرًا مُهمًا للصادرات. إذ تُقدّر حجم الصادرات التونسية عبر المعبر بحوالي 479 مليون دينار سنة 2022. وارتفعت لتصل 480 مليون دينار سنة 2023، أي قرابة 18% من مجموع الصادرات وفقًا لبيانات وزارة التجارة وتنمية الصادرات".
دراسة للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات: قدّرت الخسائر خلال فترة إغلاق معبر رأس جدير بحوالي 180 مليون دينار، ويمكن أن تصل إلى قرابة 300 مليون دينار في نهاية السنة في حال لم يسترجع نسقه السابق
وقد "قدّرت الخسائر خلال فترة إغلاق المعبر بحوالي 180 مليون دينار من إيرادات الصادرات ويمكن أن تصل إلى قرابة 300 مليون دينار في نهاية السنة في حال لم يسترجع المعبر نسقه السابق". حسب المعهد.
وبالإضافة إلى ذلك، أكد المعهد أنّ "إغلاق المعبر أثّر على المؤسسات التي تعتمد هذه السوق للتصدير خاصة في قطاع مواد البناء وتحديدًا الإسمنت والمواد الفلاحية لا سيما الفواكه. كما أدّى إلى تعطّل حركة السلع والبضائع التي تمرّ ببعديها الرسمي والموازي. وأثّر ذلك على المستهلكين الذين يعتمدون على هذا النوع من السلع مما خلق فراغًا في السوق بسبب قلّة العرض والطلب".
وبحسب البنك الدولي، فإنّ إغلاق المعبر ساهم في السيطرة على التجارة الموازية والتهريب في الجنوب التونسي والغرب الليبي، إلاّ أنّه فتح المجال للتجارة الموازية والتهريب عبر الحدود الجزائرية، إذ أنّ إجمالي التجارة الموازية والتهريب يساهم في خسارة الإيرادات بقرابة 1200 مليون دينار كان يُمكن للسلط التونسية تحقيقها.
-
المطالبة بعودة التجارة البينية
وقد طالب المكتب التنفيذي للاتحاد المحلي للشغل ببن قردان في بيان له، الحكومة بالتدخل لفتح المجال أمام نشاط التجارة البينية عبر معبر رأس جدير وحفظ كرامة المواطن والتعامل مع هذا المنفذ الاستراتيجي الحيوي بنفس طريقة التعامل مع معبر ذهيبة وازن، مشددًا على ضرورة فسح المجال أمام التجارة البينية، وفق إجراءات تخدم مصلحة المواطن الضعيف، وفق نص البيان.
الاتحاد المحلي للشغل ببن قردان: نستنكر تواصل منع نشاط التجارة البينية منذ بداية السنة، والتضييق عليها، مقابل تواصل حركة المسافرين الليبيين بكثافة به دون قيد
واستنكر الاتحاد المحلي للشغل في البيان ذاته، "تواصل منع نشاط التجارة البينية منذ ثمانية أشهر والتضييق عليها، مقابل تواصل حركة المسافرين الليبيين بكثافة به دون قيد، وتواصل التجارة البينية عبر معبر ذهيبة وازن، ما خلق حالة من الاحتقان لدى أهالي بن قردان لعدم المعاملة بالمثل".
وجاء في البيان أنّ "مدينة بن قردان تعيش احتقانًا أيضًا نتيجة تردي الوضع الاجتماعي وانسداد آفاق التشغيل، بسبب هذا التضييق عبر معبر رأس جدير، شريان الحياة الاقتصادية لمعتمدية بن قردان".

يُذكر أنّ نشاط التجارة البينية لا يزال متوقفًا عبر معبر رأس جدير، في حين استئنف في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي النشاط التجاري المنظم بعد سلسلة من الاجتماعات التونسية الليبية الترتيبية.
-
زيارة وزير التجارة إلى رأس جدير
في 21 ديسمبر/كانون الأول الحالي، قام وزير التجارة وتنمية الصادرات، سمير عبيد، بزيارة إلى بن قردان ومعبر رأس جدير، وأكد على أهمّية هذه المنطقة التي "ستُصبح قاعدة لوجستية متقدمة للممر الإفريقي، مما سيعزز من تنمية الجهة ويساهم في دعم الصادرات التونسية نحو القارة الإفريقية".
الاتحاد المحلي للشغل ببن قردان: مدينة بن قردان تعيش احتقانًا نتيجة تردي الوضع الاجتماعي وانسداد آفاق التشغيل، بسبب التضييق عبر معبر رأس جدير
وأوضح عبيد أنّ هذه القاعدة اللوجستية في بن قردان ستلعب دورًا مهمًا في دفع التنمية الجهوية وتسهيل حركة التجارة البينية مع الدول المجاورة، بالإضافة إلى تمهيد الطريق للوصول إلى دول إفريقية أخرى.
وتحدّث الوزير أيضًا عن دور معبر رأس جدير في الاقتصاد الوطني، إذ سيشكل نقطة انطلاق للممر القاري الإفريقي، الذي يبدأ من المنطقة الحرة ببن قردان، مرورًا برأس جدير وليبيا، وصولًا إلى 6 دول إفريقية غير مطلة على البحر. وأضاف أنّ هذا الممر سيُعزز من قدرة تونس التصديرية إلى إفريقيا ويساهم في استفادتها بشكل أكبر من الاتفاقيات التجارية الإفريقية.
وحسب المعهد العربي لرؤساء المؤسسات فإنّه "للتغلب على هذه التحدّيات يعتبر تعزيز التعاون بين البلدين أمرًا حتميًا لضمان استمرار حركة التجارة بشكل آمن ومستدام. بالإضافة إلى ضرورة تحسين البنية التحتية، وإنشاء منصات إلكترونية لتسريع الإجراءات الديوانية وتقليل البيروقراطية، وتقديم حوافز للمؤسسات الصغرى والمتوسطة الناشطة في الجنوب التونسي للاستثمار في المنطقة لتفادي آفة الاقتصاد الموازي".
الكلمات المفتاحية

تونس تقرر حذف الفوسفوجيبس من قائمة النفايات الخطرة.. أي استراتيجية؟
مختص في البيئة لـ"الترا تونس": سكب مادة الفوسفوجيبس في البحر لنحو 53 سنة في تونس أضر كثيرًا بالثروة البحرية

دراسة: أوجه قصور عدة لسياسة الأمن الغذائي في قطاع الحبوب في تونس
خلصت دراسة أعدها المرصد التونسي للاقتصاد بالشراكة مع جمعية "نوماد 08" تحت عنوان "أوجه القصور في سياسة الأمن الغذائي في قطاع الحبوب"، إلى تعدّد العوائق التي تحول دون تطوّر قطاع الحبوب على الصعيد الوطني في تونس.

كيف علّق مختصون في الاقتصاد على تحسن التصنيف الائتماني لتونس؟
بحسب التقرير الأخير لوكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، تم رفع تصنيف تونس من "Caa2" (دولة ذات مخاطر عالية جدًا مع آفاق سلبية) إلى "CAA1" (دولة ذات مخاطر عالية مع آفاق مستقرة).

العفو الاجتماعي في تونس.. 31 مارس 2025 آخر أجل للانتفاع
ذكّر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بأن يوم الاثنين 31 مارس/آذار 2025 سيكون آخر أجل للانتفاع بالعفو الاجتماعي المتعلق بطرح خطايا التأخير بعنوان اشتراكات أنظمة الضمان الاجتماعي.

عطلة الربيع في تونس.. ورشات تثقيفية وأنشطة علمية للتلاميذ في مدينة العلوم
برنامج علمي وتنشيطي ثري لمدينة العلوم من 25 مارس إلى 6 أفريل بمناسبة عطلة الربيع

حوار| أستاذ القانون البنكي محمد النخيلي: تفاصيل "الشيك الجديد" ومزاياه وتحدياته
أستاذ القانون البنكي محمد النخيلي لـ"الترا تونس": المتعاملون في السوق سيجدون الحلول البديلة عن "الشيك" وسنحتاج بعض الوقت حتى يتعود الجميع على هذه الآليات الجديدة

سوسيولوجيا "النّصبة"... أو الفقر الدّابغ في وطن لا يبالي
تغرق كلّ الأنهج المحاذية للسوق المركزيّة بالعاصمة أو "المارشي سنترال" كما يحلو للعاصميين تسميته، والأخرى القريبة في أمواج لا متناهية من "النّصب" المتحرّكة على عجلتين أو طاولات أو"البسطات". تعرّف على هذا العالم.