"كارثة بيئية" في خليج المنستير.. دعوة لإعلان حالة طوارئ بيئية وتحذير من مخاطر صحية

يشهد شاطئ قصيبة المديوني ظاهرة تمثلت في تغير لون مياه البحر إلى "الأحمر"، وانبعاث روائح كريهة، مع نفوق عدد من الكائنات البحرية على غرار السلطعون، مما أثار مطالبة الأهالي ومختصين في المجال البيئي والمناخي السلطات المعنية بالتحرك سريعًا لمواجهة أي مخاطر على صحة المتساكنين.

احتجاج المتساكنين تنديدًا بوضعية الشاطئ

ونفذ عدد من متساكني قصيبة المديوني، من ولاية المنستير، نفذوا وقفة احتجاجية طالبوا خلالها بإيجاد حل للوضعية البيئية لشاطئ المدينة، منددين بوضعية الشاطئ وأكدوا الأربعاء 18 جوان/يونيو 2025 أن المدينة "تعاني من كارثة بيئية متواصلة، بسبب المياه غير المعالجة، المتأتية من محطة التطهير بلمطة ومن مخلفات مصانع الحي الصناعي"، وفق تعبيرهم.

يشهد شاطئ قصيبة المديوني من ولاية المنستير ظاهرة تمثلت في تغير لون مياه البحر وانبعاث روائح كريهة، مع نفوق عدد من الكائنات البحرية مما أثار مطالبة الأهالي ومختصين في المجال البيئي السلطات المعنية بالتحرك سريعًا 

ناشط بيئي لـ"الترا تونس": خليج المنستير يعاني من التلوث منذ أكثر من 20 سنة

ويعتبر المنسق الجهوي لمشروع العدالة البيئية بمنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المنستير، محمد قعلول، في تصريح خاص لـ"الترا تونس" يوم الخميس 19 جوان/يونيو 2025 أن "خليج المنستير يعاني من التلوث منذ أكثر من 20 سنة وتحديدًا منذ إنشاء محطة التطهير لمطة - بوحجر، التي سبق أن طالب الأهالي بإغلاقها"، لافتًا إلى أن "مشكل تغير لون مياه البحر يتكرر كل سنة، منذ 2006 تقريبًا، وقد أصبحت الروائح كريهة ولا تُطاق منذ يوم الأربعاء 18 جوان/يونيو 2025، كما تمت ملاحظة نفوق أعداد كبيرة من كائنات بحرية تعدّ من أكثر الكائنات المقاومة للتلوث على غرار سلطعون البحر"، على حد قوله.

وبيّن محدثنا أن "السلطات أطلقت عديد الوعود على مر سنوات، إلا أن تجسيم الاتفاقات على أرض الواقع لم يتم، وذلك على غرار الوعود بتحويل محطة التطهير لمطة – بوحجر إلى محطة ضخّ والعمل على فصل المياه المستعملة الصناعية عن المياه المستعملة المنزلية".

منسق جهوي لمشروع العدالة البيئية لـ"الترا تونس": خليج المنستير يعاني من التلوث منذ أكثر من 20 سنة، ومشكل تغير لون مياه البحر يتكرر كل سنة، والسلطات أطلقت عديد الوعود على مر سنوات، إلا أن التجسيم لم يتم

وأضاف أن "والي الجهة تنقل إثر الاحتجاجات الأخيرة لمعاينة المشكل بنفسه، دون تقديم أي وعود أو أي تطمينات للأهالي، ودون التقدم في تنفيذ أي إجراءات ملموسة".

ولفت إلى "مطالبة المسؤولين بإعلان حالة طوارئ عاجلة لإنقاذ خليج المنستير في ظل كارثة بيئية تضرب المتساكنين والكائنات البحرية أيضًا، وتحولت من كارثة بيئية إلى كارثة اقتصادية واجتماعية، بفعل تعطل نشاط الصيد البحري والنشاط السياحي في منطقة قصيبة المديوني المهمشة".

وأكد أن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، سبق أن أجرى جملة من الاختبارات والتحاليل المخبرية التي كشفت أن السبب في هذه الظاهرة هو "تلوث مياه البحر بمياه التطهير والمياه المستعملة الصناعية التي تلقيها المصانع ومن ضمنها مصانع النسيج التي تستعمل مواد كيميائية، ثم تلقي بالمياه المستعملة لتصل إلى الشاطئ دون معالجة".

منتدى الحقوق يدعو إلى إعلان حالة طوارئ بيئية

وبدوره أكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في بيان له أنه "يتابع معاناة سكان مدينة قصيبة المديوني جراء السكب العشوائي للمياه المستعملة من قبل الديوان الوطني للتطهير على مستوى محطة صيادة-لمطة-بوحجر حيث استفاق الأهالي على انبعاث روائح كريهة ونفوق عديد من أنواع الكائنات البحرية من أسماك، وسلطعون، وعديد أنواع أخرى وتغير لون البحر وهو مشهد اعتاد عليه سكان المدينة في كل فصل صيف"، وفق نص البيان.

واعتبر المنتدى أنه يتم بشكل متواصل انتهاك حق أهالي مدن خليج المنستير في العيش في بيئة سليمة وفي ظروف عيش كريمة، مطالبًا "السلطات بإعلان حالة طوارئ بيئية متبوعة بإجراءات عاجلة ومتوسطة وبعيدة المدى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من منظومات بيئية ومنظومات إنتاج في خليج المنستير"، كما عبّر عن ت"ضامنه الكامل مع أهالي مدينة قصيبة المديوني وكل المتضررين من الانتهاكات البيئية المتواصلة في خليج المنستير".

منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: نطالب السلطات بإعلان حالة طوارئ بيئية متبوعة بإجراءات عاجلة ومتوسطة وبعيدة المدى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من منظومات بيئية ومنظومات إنتاج في خليج المنستير

ودعا المنتدى كافة السلط المعنية بالشأن البيئي إلى "تحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية وإيقاف نزيف التلوث ودعا إلى محاسبة كل الأطراف التي تسببت في هذه الكوارث البيئية نتيجة تمسكها بخيارات وسياسات بيئية فاشلة"، كما أدان "بشدة سياسة اللامبالاة التي تنتهجها الجهات المعنية بالشأن البيئي، وعلى رأسها وزارة البيئة والديوان الوطني للتطهير، تجاه ما يحدث من تدمير ممنهج للثروة البحرية وانتهاك حق المواطنين في العيش الكريم".

وذكّر بأن "الحق في بيئة سليمة هو حق دستوري وعلى مؤسسات الدولة توفيره لجميع المواطنين"، وندد "بسياسة المماطلة التي تنتهجها الأطراف المتداخلة في الشأن البيئي فيما يخص تلوث خليج المنستير وذلك على الرغم من وجود اتفاقيات ومقترحات من المجتمع المدني قابلة للتفعيل".

كما اعتبر أن "غياب الإرادة السياسية في هذا الملف من شأنه أن يخلف توترًا واحتقانًا اجتماعيًا تتحمل مسؤوليته سلطة الإشراف المسؤولة عن الشأن البيئي"، وحذّر من أن "تواصل هذه السياسات من استهتار ولا مبالاة قد عمّق الشعور بالغبن والإقصاء لدى الأهالي، وزاد من فقدان الثقة في مؤسسات الدولة وقدرتها على حماية حقوقهم الأساسية".

 قراءة علمية للظاهرة في سواحل قصيبة المديوني

وفي قراءة علمية للظاهرة، أفاد المختص في الشأن البيئي والمناخي حمدي حشاد بأن هناك حالة بيئية مقلقة قبالة سواحل قصيبة المديوني من ولاية المنستير (ساحل شرقي)، وفق صورة التقطها القمر الصناعي Sentinel-2 بتاريخ 18 جوان/يونيو 2025 على الساعة العاشرة صباحًا بالتوقيت المحلي.

وبيّن حشاد أن الصورة تبيّن بشكل واضح تلوّنًا غير طبيعي لمياه البحر على مساحة تقارب 2.5 كلم²، نتيجة لظاهرة تُعرف بـ "الازدهار الطحلبي البحري" أو ما يُعرف علميًا بـ HAB أو ما يسمى باللغة الأنجليزية (Harmful Algal Bloom).

مختص في الشأن البيئي والمناخي: حالة بيئية مقلقة قبالة سواحل قصيبة المديوني من ولاية المنستير تتمثل في تلوّن غير طبيعي لمياه البحر نتيجة لظاهرة تُعرف بـ "الازدهار الطحلبي البحري" 

وقال المختص في الشأن البيئي والمناخي، إن "تحوّل لون مياه البحر، من الأخضر إلى الوردي والبنفسجي، ليس منظرًا جماليًا ولا طبيعيًا، بل هو إنذار بيئي حقيقي"، مؤكدًا أن "هذا اللون سببه تكاثر مفرط ومفاجئ لأنواع من الطحالب المجهرية، بعضها يكون سامًا، وهي تجد بيئة مثالية للتكاثر والانتشار بسرعة، وسط ارتفاع درجات الحرارة، وتوفر المغذيات المتسرّبة للبحر (كالفوسفاط والنترات)، والتغيّرات في حركة التيارات البحرية".

واعتبر أن "المقلق أكثر هو التأثيرات المحتملة لهذه الظاهرة، بداية من انخفاض نسبة الأوكسيجين في الماء، الذي يمكن أن يؤدي إلى اختناق الأسماك والكائنات البحرية، وصولاً إلى المخاطر الصحية على الإنسان، خاصة في حالات السباحة أو استهلاك الأسماك الملوثة. والأخطر من هذا كله، هو تكرر هذه الظاهرة بشكل دوري، لتتحوّل من حالة استثنائية إلى تهديد موسمي دائم"، وفق قوله.

وأضاف حمدي حشاد في تدوينة نشرها على حسابه بموقع فيسبوك، أن "قصيبة المديوني ومنطقة الساحل عموماً تعتمد بشكل كبير على البحر كمورد سياحي واقتصادي، وانتشار طحالب سامة في مياهها يهدد ليس فقط الصحة العامة، بل أيضاً النشاط السياحي، وصورة الجهة ككل".

دعا السلطات إلى التحرك بسرعة، قائلاً: اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، لا بدّ من التحرك بسرعة لمراقبة المياه بصفة مستمرة، وإنجاز تحاليل ميدانية لتحديد نوعية الطحالب، وتحذير السكان إذا لزم الأمر، والأهم من هذا، السيطرة على مصادر التلوث من البر، سواء كانت مياه معالجة جزئياً أو مخلفات زراعية وصناعية".

مختص في الشأن البيئي والمناخي: هذه الظاهرة قبالة سواحل قصيبة المديوني تعدّ إنذارًا بيئيًا حقيقيًا والمقلق هو التأثيرات المحتملة على الكائنات البحرية والمخاطر الصحية الممكنة على الإنسان

ما هي ظاهرة الازدهار الطحلبي البحري؟

والازدهار الطحلبي البحري هو ظاهرة تحدث عندما تتكاثر الطحالب الدقيقة (العوالق النباتية) بشكل سريع في المسطحات المائية، مما يؤدي إلى زيادة كبيرة في عددها وتغيير لون المياه. وقد تكون هذه الظاهرة ضارة بالنظم البيئية البحرية وصحة الإنسان. 

ومن أبرز أسبابها:

• زيادة المغذيات: دخول مواد مثل النيتروجين والفوسفور (عادة من مصادر بشرية مثل مياه الصرف الصحي والزراعة) إلى المسطحات المائية يغذي نمو الطحالب.
• الظروف البيئية المناسبة: تتكاثر الطحالب بسرعة في ظروف معينة مثل ارتفاع درجة حرارة المياه وتوفر الضوء. 

أما عن تأثيرات الازدهار الطحلبي فهي تتمثل في:

• تغير لون المياه: يمكن أن يؤدي إلى تلون واضح للمياه (مثل "المد الأحمر").
• انخفاض الأكسجين: تستهلك الطحالب الأكسجين أثناء نموها، مما قد يؤدي إلى نقص الأكسجين في الماء ويضر بالكائنات البحرية.
• تسمم الكائنات البحرية: بعض أنواع الطحالب تنتج سمومًا تضر بالأسماك والكائنات البحرية الأخرى.
• آثار صحية على الإنسان: قد تسبب بعض أنواع الطحالب تسممًا للإنسان عند تناول الأسماك أو الكائنات البحرية الملوثة.
• آثار اقتصادية: يمكن أن تؤثر على نشاط صيد الأسماك والسياحة. 

ويشار إلى أنه سبق أن ذكرت الجمعية التونسية لإدارة الأزمات، خلال الصائفة الفارطة، وتحديدًا بتاريخ 22 جويلية/يوليو 2024، أنه تم رصد مستوى تلوث مياه البحر بمستوى يفوق بكثير المستوى المسموح به بشاطئ قصيبة المديوني ولاية المنستير، ما قد يمثل خطرًا، وفقها.

وأوصت، في بلاغ لها آنذاك، "بعد المعاينات والتحاليل الأولية للعينات المرفوعة والمتفرقة جغرافيًا، بتجنب السباحة أو الصيد البحري بالرسم البحري الممتد بين ميناء صيادة ومنفذ وادي خنيس، بامتداد عرضي قدره 5 كيلومترات على الأقل داخل البحر، حتى إشعار آخر"، وأكدت الجمعية، في هذا الصدد، أنّ "البحارة مطالبون بالحرص على سلامة مستهلكي المنتجات البحرية والالتزام بالتوصيات"، وفقها.

وتعاني عدة شواطئ تونسية من مشكلة التلوث، الأمر الذي استوجب منع السباحة بـ28 شاطئًا وتصنيفها كنقاط شاطئية سوداء خلال الصائفة الفارطة، في انتظار صدور نتائج التحاليل والتصنيف الجديد للشواطئ بالنسبة لصائفة 2025.