مجتمع

قصص كفاح حاملات شهائد عليا في تونس للحصول على وظائف تحفظ كرامتهن

21 مايو 2025
يواجهن ظروفًا صعبة.. صاحبات شهائد عليا في تونس يكافحن للحصول على وظائف تحفظ كرامتهن
الناطق باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: المعطلون عن العمل كانوا جزءًا هامًا من الحراك الاحتجاجي الاجتماعي في تونس بعد الثورة (الترا تونس)
زينة البكري
زينة البكري صحفية من تونس

بعد 17 عامًا من تخرجها من الجامعة، وجدت التونسية منيرة حامد نفسها ممزقة بين مرضٍ مزمنٍ ينخر جسدها وبطالة قسرية طال أمدها، ما جعلها تعاني من ظروف اجتماعية ونفسية صعبة فقدت على إثرها الأمل في الحصول على وظيفة تحفظ كرامتها، وفقها.

غادرت حامد أسوار الجامعة وهي في العشرينات من عمرها، بعد أن نجحت في الحصول على شهادة الأستاذية في التربية التشكيلية ثم الماجستير المهني في التصميم الداخلي، وهي تحلم بحياة مهنية ناجحة تكون لها مصعدًا اجتماعيًا بما أنها منحدرة من عائلة معوزة.

منيرة حامد.. سيدة الخيام والساحات 

تقول منيرة حامد في حديثها مع "الترا تونس"، إنها كافحت طويلاً للحصول على وظيفة تحفظ كرامتها، لكنها في نهاية الأمر استسلمت لواقعها وأدركت أنّ حلمها بات صعب المنال، بعد أن خاضت كل أشكال النضال الممكنة وطرقت جميع الأبواب لتقديم العون لها دون جدوى.

وتضيف: "لقد خضت عشرات الإضرابات والاعتصامات والتحركات الاحتجاجية للمطالبة بحقي في التشغيل، حتى أنّ والدي توفي بينما كنت معتصمة في خيمة أمام ولاية قفصة، لقد آلمتني الحادثة كثيرًا ومع ذلك لم يتغير شيء".

عدد من صاحبات الشهائد العليا في تونس يواجهن ظروفًا صعبة ويواصلن الكفاح للحصول على وظائف تحفظ كرامتهن.. "الترا تونس" تابع قصص بعضهن في هذا التقرير 

شاركت حامد رفقة العشرات من المعطلين عن العمل في تونس في تحركات احتجاجية زادت ذروتها سنة 2019 واستمرت حتى سنة 2023، فكانت بطلة اعتصام الصمود أمام مقر ولاية قفصة وحضرت كل التحركات التي انتظمت أمام البرلمان المنحل وأمام الوزارات المعنية، وتواجدت في كل ساحات النضال التي ارتفعت فيها الأصوات المطالبة بالحق في التشغيل.

تقول: "الجميع يعرفني، تغيرت نحو 6 حكومات في تونس وتداول على قفصة ولاّة كُثر يعرفونني أيضًا وأعرفهم، وكل منهم قدم لي وعدًا، رحلوا ورحلت معهم وعودهم".

المرض المزمن.. عدو أبعدها عن الساحات

سنة 2021 دخلت حامد في إضراب عن الطعام استمر 15 يومًا، لكنه انتهى بإصابتها بمرض السكري الذي بدأ ينخر جسدها النحيل وأثر على بصرها، ما دفعها إلى مغادرة ساحات النضال إجباريًا ودون اختيارها.

وعن هذه التجربة، تقول منيرة إنها بعد 17 عامًا من البطالة وجدت نفسها تعاني من مرض مزمن تسبب في تدهور وضعها الصحي ما جعلها غير قادرة على المشاركة في التحركات الاحتجاجية المطالبة بالحق في التشغيل.

 

يخوض حاملو الشهادات العليا تحركات احتجاجية متواصلة في مختلف الولايات التونسية للمطالبة بتشغيلهم (صورة توضيحية/فيسبوك)

 

تواصل حديثها مع الترا تونس: "مع الأسف وضعي الصحي لم يعد يسمح لي بالوقوف لساعات طويلة أو التنقل لمسافات بعيدة أو المشاركة في تحركات احتجاجية، ووجدت نفسي أقاوم المرض وأتكبد مشقة التنقل ومصاريف العلاج الباهظة، دون أن يكون لي دخل مادي أو وظيفة قارة أو تغطية اجتماعية".

وتضيف: "أعيش اليوم على منحة العائلات المعوزة التي تتمتع بها والدتي المقعدة لأنني لم أعد قادرة على العمل لإعالة نفسي، كما أثر مرض السكري على بصري، ما جعلني أعاني من ظروف نفسية واجتماعية قاسية جدًا".

منيرة حامد (حاصلة على الماجستير المهني في التصميم الداخلي) "الترا تونس": بعد 17 عامًا من البطالة وجدت نفسي أعاني من مرض مزمن تسبب في تدهور وضعي الصحي ما جعلني غير قادرة على المشاركة في الاحتجاجات المطالبة بالحق في التشغيل

وتستذكر حامد، كيف أنها اضطرت في السنوات الأولى من تخرجها إلى العمل في معامل الخياطة والروضات الخاصة وفي قطاعات أخرى لإعالة نفسها، مقابل أجر مادي زهيد وساعات عمل طويلة وشاقة.

وأكدت أنها كانت عرضة للاستغلال الاقتصادي مثلها مثل عشرات النساء المعطلات عن العمل خصوصًا اللاتي تجاوزت بطالتهن 10 سنوات، داعية إلى انتداب من طالت بطالتهم وإعطائهم الحق في عيش حياة كريمة وإعالة أنفسهم ودعم عائلاتهم.

ولم تنسَ حامد قصص زميلاتها في النضال اللاتي جمعتها بهن ساحات الاحتجاجات والخيام، وروت كيف أنّ إحداهنّ فقدت جنينها وهي تنادي بالحق في التشغيل، وأخرى توفيت وهي تصارع المرض الخبيث وهناك من فقدت الأمل ولزِمت البيت لتربي أطفالها، وهي قصص تصفها بـ"المؤلمة".

يسرى ناجي.. ننتظر الإنصاف بعد سنوات البطالة

بحلول سنة 2025، تكون الأستاذة يسرى ناجي، أصيلة ولاية بن عروس، قد أنهت 16 عامًا من حياتها معطلة عن العمل وذلك بعد حصولها على الأستاذية في التربية التشكيلية.

شاركت يسرى بدورها في تحركات احتجاجية عديدة وكانت ضمن الوفد الذي التقى الرئيس التونسي قيس سعيّد سنة 2021، عقب اتخاذه حينها قرارًا بعدم تفعيل القانون عدد 38 المتعلق بالأحكام الاستثنائية للانتداب في القطاع العمومي الخاص بأصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل لأكثر من 10 سنوات.

في سنوات بطالتها، سعت ناجي لإيصال صوتها وصوت كل المعطلين/ـات عن العمل، وزادت تحركاتها بعد أن تجاوزت بطالتها 10 سنوات، فهي لم تكن تتوقع أن تظل كل هذه السنوات دون عمل يحفظ كرامتها، وفقها. 

وتقول في حديثها مع "الترا تونس": "تقاذفتني السنين بين عشرات الوظائف غير القارة، فوجدت نفسي عرضة للاستغلال الاقتصادي حينًا وللطرد التعسفي أحيانًا أخرى، كما لم أتمكن من العمل في مجال تخصصي وهو ما آلمني كثيرًا".

يسرى ناجي (حاصلة على الأستاذية في التربية التشكيلية) لـ"الترا تونس": تقاذفتني السنين بين عشرات الوظائف غير القارة، فوجدت نفسي عرضة للاستغلال الاقتصادي حينًا وللطرد التعسفي أحيانًا أخرى

وتضيف: "أنا اليوم عاطلة عن العمل، لكنني لم أفقد الأمل في حصولي على وظيفة تضمن لي حياة كريمة بعد سنوات التعب والدراسة، وفي التمكن من إسعاد والداي وإرجاع جميلهما عليّ".

توصل حديثها قائلة: "أحيانًا تجد نفسك قد وصلت إلى سنّ معين وعوض أن تكون سندًا لأهلك تكون عبءً عليهم، وهذا ما أشعر به شخصيًا والعشرات مثلي، لذلك نحن متمسكون بحقنا في التشغيل والانتداب". 

ووفق يسرى ناجي، فإنّ مطلبهم الأول هو إنشاء منصة إلكترونية لأصحاب الشهائد المعطلين عن العمل ممن طالت بطالتهم، ثم انتدابهم في الوظيفة العمومية بشكل مباشر ودون تناظر. 

ودعت ناجي، الرئيس التونسي لإيجاد حل سريع وجذري لملف المعطلين/ـات الذين طالت بطالتهم، مشيرة إلى أنّ دعوتهم لبعث شركات أهلية لا يمكنه أن يحل مشكل بطالتهم، وفقها.

آمنة زويدي.. معركة الأمعاء الخاوية 

للأسبوع الثاني على التوالي، تنفذ آمنة زويدي رفقة موظفيْن من المركز الدولي للنهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة، إضرابًا عن الطعام أمام البرلمان التونسي، للمطالبة بإيقاف العمل بالعقود الهشة والترسيم الفوري وبحقهم في التغطية الاجتماعية.

 

تخوص آمنة الزويدي إضرابًا عن الطعام أمام البرلمان التونسي (فيسبوك)

 

وعلى بعد أمتار قليلة من المدخل الرئيسي للبرلمان، نصبت آمنة وزملائها خيمة بالية لا تحميهم من حرارة الشمس ولا من برد الليل، لكنها صممت على عدم مغادرتها إلى حين تحقيق مطالبهم على الرغم من تدهور وضعها الصحي.

وفي حديثها مع "الترا تونس"، قالت زويدي وهي مكون أول متعاقدة مع المركز التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، إنها عملت لسنوات طويلة، بعقود عمل هشّة ودون تغطية اجتماعية أو ترسيم.

آمنة زويدي (مكون أول متعاقدة مع المركز الدولي للنهوض بذوي الإعاقة) لـ"الترا تونس": ناضلت كثيرًا للحصول على وظيفة تحفظ كرامتي، وعلى امتداد سنوات خضت 12 إضرابًا عن الطعام لافتكاك حقوقي، وأتمنى أن يكون هذا إضراب الجوع الأخير الذي ألجأ إليه

وتصف آمنة، أصيلة ولاية سيدي بوزيد، تحركاتهم بـ "معركة الكرامة"، مؤكدة أنهم تعرضوا للطرد ومحاولة تفكيك خيمتهم، لكنهم سيواصلون الصمود إلى حين تحقيق مطالبهم وضمان حياة كريمة لهم ولأبنائهم.

 وهذه ليست المرة الأولى التي تختار فيها آمنة الاعتصام لافتكاك حقها، فقد سبق لها أن خاضت اعتصامات عديدة للدفاع عن حقها وحق العشرات في التشغيل وعيش حياة كريمة، وفقها.

 

خاضت آمنة الزويدي 12 إضرابًا عن الطعام لافتكاك حقها في التشغيل (فيسبوك)

 

وتقول آمنة في حديثها مع "الترا تونس": "ناضلت كثيرًا للحصول على وظيفة تحفظ كرامتي، وعلى امتداد سنوات خضت 12 إضرابًا عن الطعام لافتكاك حقوقي، وأتمنى أن يكون هذا إضراب الجوع الأخير الذي ألجأ إليه". 

وتضيف: "أتمنى أن تستجيب السلطات المعنية لمطلبنا بشكل عاجل وأن لا نضطر مجددًا لخوض تحركات احتجاجية وإضرابات عن الطعام للمطالبة بحقوقنا الطبيعية".

رمضان بن عمر.. المعطلون بصدد إعادة التنظّم 

يقول الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، إنّ المعطلين/ـات عن العمل كانوا جزءًا هامًا من الحراك الاحتجاجي الاجتماعي الذي عرفته تونس بعد الثورة.

وأضاف بن عمر في حديثه مع "الترا تونس"، أنّهم حاولوا فرض مطالبهم على الحكومات المتعاقبة التي اتخذت إجراءات ظرفية لاحتواء أزمتهم، قبل أن تنخرط تونس في مقاربات صندوق النقد الدولي من خلال تجميد الانتدابات، ما أثر على السياسات الاجتماعية التي كانت موجهة إلى تلك الفئة.

الناطق باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: المعطلون عن العمل كانوا جزءًا هامًا من الحراك الاحتجاجي الاجتماعي الذي عرفته تونس بعد الثورة، وهذه الفئة تحاول إعادة التنظم والعودة إلى تصدر الاحتجاجات

وأوضح في ذات السياق، أن المعطلين/ـات عن العمل عادوا إلى الساحات مجددًا مع بداية سنة 2025، بعد أن تم التراجع عن تطبيق القانون عدد 38، وتمسكوا بحقهم في التشغيل على الرغم من تعرضهم للهرسلة وإثارة تتبعات قضائية ضدهم وملاحقتهم على معنى المرسوم 54 في كثير من الأحيان.

وأشار بن عمر إلى أنّ الاحتجاجات في تونس عادت بقوة منذ جانفي/يناير 2025، حيث تم منذ بداية السنة إلى غاية شهر أفريل/نيسان الفائت، تنظيم نحو 1554 تحركًا احتجاجيًا، وأن المعطلين عن العمل كانوا جزءًا من هذه التحركات.

وأكد أن المعطلين/ـات عن العمل نفذوا 15 تحركًا احتجاجيًا في شهر أفريل/نيسان الفارط، مما يعني أنّ هذه الفئة تحاول إعادة التنظم والعودة إلى تصدر الاحتجاجات.

ويشار إلى أنّ المعهد الوطني للإحصاء، كشف في إحصائية حديثة عن انخفاض نسبة البطالة من بين حاملي الشهائد العليا في تونس لتصل إلى 23.5 % خلال الثلاثي الأول من سنة 2025، مقابل 25% خلال الثلاثي الثالث لسنة 2024، وتقدر هذه النسبة لدى الذكور خلال الثلاثي الأول من سنة 2025 بـ13.6 % بينما بلغت 30.7% لدى الإناث.

الكلمات المفتاحية

الإيدز السيدا في تونس.jpg

%90 من التونسيين لا يجرون فحص الزواج.. شهادات حيّة وأطباء يكشفون لـ"الترا تونس" العواقب

روت منال قصصًا عديدة لـ"الترا تونس" جعلت "حياتها جحيمًا"، وفق قولها، بعد أن اكتشفت صدفة أنها حاملة لهذا المرض الذي كان سببه عدوى من زوجها


قصيبة المديوني منتدى الحقوق

"كارثة بيئية" في خليج المنستير.. دعوة لإعلان حالة طوارئ بيئية وتحذير من مخاطر صحية

مختص في الشأن البيئي والمناخي: هذه الظاهرة قبالة سواحل قصيبة المديوني تعدّ إنذارًا بيئيًا حقيقيًا والمقلق هو التأثيرات المحتملة على الكائنات البحرية والمخاطر الصحية الممكنة على الإنسان


الأمية تطارد نساء تونس

"لا أعرف القراءة والكتابة".. الأمية تطارد نساء تونس

مئات النساء التونسيات يعانين من الأمية، تحدثت بعضهن لـ"الترا تونس" عن أسباب حرمانهن من التعلم، خاصة وأن معظمهن يعشن في ولايات تعاني من انتشار الفقر وغياب التنمية


حرائق الحماية المدنية.jpg

189 حريقًا في يوم واحد في تونس ومختص لـ"الترا تونس": 95% منها لأسباب بشرية

تدخلت وحدات الحماية المدنية لإطفاء 189 حريقاً في مناطق مختلفة من البلاد خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية من الساعة السادسة صباحًا يوم 17 جوان/يونيو إلى السادسة صباحًا يوم 18 جوان/يونيو 2025

جربة فتحي بلعيد أفب Getty
اقتصاد

جربة جرجيس.. الوجهة السياحية الأولى في تونس

المندوب الجهوي للسياحة: المنطقة السياحية سجلت ارتفاعًا في أعداد الوافدين بنسبة 19.7% والليالي المقضاة بنسبة 15.7%

قصيبة المديوني منتدى الحقوق
مجتمع

رصد المد الأحمر في سواحل المنستير.. وزارة الفلاحة تحذّر البحارة والمتساكنين

سبق أن طالب الأهالي ومختصون في الشأن البيئي والمناخي السلطات المعنية بالتحرك سريعًا لتفادي أي مخاطر ممكنة على صحة المتساكنين


النادي الإفريقي
منوعات

النادي الإفريقي.. فوز قائمة محسن الطرابلسي في انتخابات الهيئة المديرة

فوز قائمة محسن الطرابلسي وهي القائمة الوحيدة المترشحة لعضوية ورئاسة الهيئة المديرة للنادي الإفريقي بعد حصولها على نسبة 92.28%من الأصوات

حركة النهضة انتخابات المجالس المحلية في تونس القايدي.jpg
سیاسة

النهضة: الحكم بالسجن ضدّ الصحبي عتيق جائر وهو حكم سياسي جاهز

حركة النهضة تعتبر أن الحكم بالسجن لمدة 15 سنة ضد الصحبي عتيق ومنصف العمدوني هو "حكم سياسي جاهز وجائر"

الأكثر قراءة

1
سیاسة

أشاروا إلى "فراغ مؤسسي".. نواب يقترحون تنقيح قانون الإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين


2
مجتمع

"قافلة الصمود عادت بقوة السلاح".. وائل نوار يكشف وقائع ما حدث في شرق ليبيا


3
مجتمع

%90 من التونسيين لا يجرون فحص الزواج.. شهادات حيّة وأطباء يكشفون لـ"الترا تونس" العواقب


4
منوعات

حليب الإبل.. دواء واستثمار وثروة تونسية متعددة الاستخدامات


5
مجتمع

"كارثة بيئية" في خليج المنستير.. دعوة لإعلان حالة طوارئ بيئية وتحذير من مخاطر صحية