سیاسة

في محاكمة صورية لقضية "التآمر".. حقوقيون: "خرق مقومات دولة القانون في تونس"

16 أبريل 2025
محاكمة صورية رمزية
سبق أن تم منع عقد المحاكمة الصورية الرمزية التي تحاكي المحاكمة فيما يعرف بقضية "التآمر" في فضاء مسرح "الريو" في 10 أفريل 2025
فريق التحرير
فريق التحرير

انعقدت، الأربعاء 16 أفريل/نيسان 2025، محاكمة صُوريّة رمزية تحاكي المحاكمة فيما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، وذلك بمقر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بعد أن تم منع عقدها من قبل السلطات بتاريخ 10 أفريل/نيسان ذاته بفضاء "الريو".

وشهدت المحاكمة الصورية حضور نشطاء حقوقيين وسياسيين ومحامين قاموا بمرافعات تصبّ في صلب القضية وتنتقد ما شاب إجراءاتها من "إخلالات وتجاوزات" منذ انطلاق عمليات الإيقاف التي طالت سياسيين ورجال أعمال وحقوقيين وغيرهم، منذ ما يفوق السنتين.

 

  • سناء بن عاشور: خرق مقومات دولة القانون

وشددت أستاذة القانون الدستوري سناء بن عاشور، في كلمتها التي افتُتحت بها المحاكمة الصورية، على أنّه تم فيما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة" خرق مقومات دولة القانون، حسب تقديرها.

وأضافت بن عاشور قائلةً: "محاكمة عن حق" هو شعار نرفعه للدلالة عن نقيضها أو دونها في الواقع، أي المحاكمات عن زور التي طبعت التاريخ السياسي والقضائي للبلاد فتتالت على مدى السنين من عهد لآخر، ومن نظام حكم لآخر ، في رواية مستمرة تكاد تكون مطابقة لذاتها السلطوية، بل وقد تفاقمت في وتيرة متصاعدة ووقع مرير كما تشهد عليه محاكمة العصر في القضية المنشورة ابتدائيًا أمام الدائرة الجنائية الخامسة بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب تحت ذريعة "التآمر على أمن الدولة" ، وما إلى ذلك من تهم ارتكاب جرائم سياسية كلها من الوزن الثقيل، يتراوح جزرها بين السجن لسنوات طوال، مرورًا بالسجن المؤبد، إلى الإعدام".

وتابعت أستاذة القانون الدستوري في ذات السياق أنّ "هذه الجرائم تؤطرها قوانين شنيعة مستلهمة حينًا من موروث قمعي متأتٍ من منظومة تشريعية استعمارية ضد الأصوات المنادية بالتحرير، ومستمدة حينًا آخر من الفكر الأمني واستثناءاته وقيوده المسبقة". 

سناء بن عاشور: "لا عدل دون توفر مقومات وشروط وضمانات المحاكمة العادلة، بل مجرد تزييف واستهزاء بالعدالة واستخفاف بالمحاكمة"

وشددت على أنه تم "خرق مقومات دولة القانون، في سياق غابت فيه المحكمة الدستورية وانتفت فيه الرقابة على دستورية القوانين، وتراجعت فيه الدولة عن اختصاص المحكمة الإفريقية لتلقي القضايا المرفوعة أمامها من طرف الأفراد والمنظمات الحقوقية ، وألغي فيه المجلس الأعلى للقضاء كهيئة دستورية منتخبة ضامنة لاستقلالية السلطة القضائية واستبداله بمجلس معيّن ومجمّد، واستخدمت فيه غيابه مذكرات العمل الوزارية للتحكم في الحركة القضائية ، وانخفضت فيه السلطة القضائية إلى رتبة الوظيفة وتسلطت فيه الإعفاءات دون أي وجه حق، وأنشئت فيه الجنايات دون أي سند شرعي".

وأكدت أنّ هذه التظاهرة المتمثلة في محاكمة صورية الغاية منها مناصرة الحق والحقيقة والتضامن مع سجناء الرأي والنشاط المدني والسياسي وعائلاتهم، "انطلاقًا من المسؤولية الجماعية وواجب التضامن أمام  المحن والاستبداد، وإيمانًا بأهمية إرساء فضاءات التبادل السلمي الديمقراطي على أساس مشترك بيننا من قيم المواطنة والحرية والمساواة وحقوق الإنسان كاملة دون تجزئة وتمييز والمحاكمة العادلة".

وأكدت في هذا صدد أنه "لا عدل دون توفر مقومات وشروط وضمانات المحاكمة العادلة، بل مجرد تزييف واستهزاء بالعدالة واستخفاف بالمحاكمة، نتيجتها الوخيمة الظلم والقصاص والانتقام"، حسب تقديرها.

 

  • محامية: "نحن أمام لحظة فارقة، إما أن ينتصر فيها القانون أو تنتصر التعليمات"

وأكدت المحامية هالة بن سالم، عضو هيئة الدفاع، في مرافعة لها حملت عنوان "المحاكمة عن بعد.. انتهاك لمبدأ الشفافية ومبدأ المواجهة وحق الدفاع"، أنّ ملف القضية طالته إخلالات إجرائية وشكلية منذ اللحظات الأولى للبحث، منذ أكثر من 36 شهرًا".

هالة بن سالم: الخطر الحقيقي الذي تخشاه السلطة اليوم هو افتضاح أمرها أمام الرأي العام

وأضافت: "هذه الإخلالات والخروقات الكثيرة التي شابت الإيقافات والتفتيشات والتهم الملفقة لا يمكن أن تتواصل ويعتّم عنها بمجرد محاكمة عن بعد"، متسائلةً: "ماهو الخطر الملمّ الذي يمنع إحضار السياسيين الموقوفين إلى المحكمة وسماعهم في جلسة علنية، علمًا وأنهم لم يقابلوا قاضٍ طيلة عامين من الإيقاف؟ ما الخطر في تنظيم محاكمة علنية تفتح أبوابها للإعلام والمواطنين وتجري فيها المرافعات والسماعات والمكافحات وفق معايير المحاكمة العادلة؟.

وخلصت المحامية في هذا الصدد إلى أنّ الخطر الحقيقي الذي تخشاه السلطة اليوم هو افتضاح أمرها أمام الرأي العام"، حسب تصورها.

وتابعت هالم بن سالم قائلةً: "نحن هنا ندافع عن معنى العدالة في هذا الوطن، وعن حق طبيعي وأصيل كرسته الدساتير والتشاريع والمواثيق الدولية، وهو حق كل إنسان في أن يحاكم محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات طبقًا للقانون وأمام قضاة أكفّاء ومحايدين"، مشددة: "نحن أمام لحظة فارقة، إما أن ينتصر فيها القانون أو تنتصر التعليمات"، حسب تعبيرها.

وأردفت عضو هيئة الدفاع: "هذه المحاكمة باطلة وإقرارها عن بعد كان دون سند قانوني بدون تعليل، ناهيك عن أنّ المحامين ينكّل بهم ويُمنعون من المثول أمام قاضيهم الطبيعي دون موافقتهم ودون مراعاة لحقهم في المواجهة والدفاع"، خالصةً إلى أنّ "ما يحصل مسرحية ونسف لمبادئ المحاكمة العادلة"، وفق توصيفها.

واستطردت القول: "كل المؤشرات تجزم بأنه ملف جُعل للتآمر على المعارضة السياسية اليوم وليس على أمن تونس".

هالة بن سالم: كل المؤشرات تجزم بأنه ملف جُعل للتآمر على المعارضة السياسية اليوم وليس على أمن تونس

وعن مطالب هيئة الدفاع، قالت المحامية: "مطالبنا بسيطة ومبدئية، وهي عقد محاكمة علنية بحضور المنوبين شخصيًا طبقًا للقانون وأمام قضاة أكفّاء"، مردفة: "هذه المحاكمة تمثل لحظة مفصلية في تاريخ تونس، فإما أن يكون القضاة شهود عدل أو أن يكونوا شهود زور وليس لهم خيار ثالث، هم مطالبون بنطق الحكم، لا أن يقحموا الوقائع لتناسب رواية جاهزة للسلطة".

وقالت موجهةً خطابها للقضاة في المحاكمة: "دافعوا عن سلطة القضاء لا عن قضاء السلطة، لا نطلب منكم موقفًا سياسيًا بل حكمًا قضائيًا نزيهًا يستند إلى ضمائركم لا إلى التعليمات"، وفق ما جاء في مرافعتها.

 

  • مستشار حقوقي: انتفاء أركان الجريمة وعدم قيامها في قضية "التآمر"

ومن جانبه، أكد المستشار الحقوقي وليد العربي، في كلمة له خلال "المحاكمة الصورية" تحت عنوان "الجريمة بين القانوني والسياسي"، "انتفاء أركان الجريمة وعدم قيامها في قضية "التآمر"، حسب تقديره.

وقال العربي إنّ "الثورة جاءت للقطع مع عدة ممارسات وعدة مفاهيم كانت سدة في النظام القديم، من بينها مفهوم الجريمة السياسية وممارسة المحاكمة السياسية".

وتابع: "ثمة نوع من الاعتراف في المجتمع المدني الدولي بنظام السجناء السياسيين وسجناء الرأي وما يجب أن يتوفر لهم من ضمانات، لكن مفهوم الجريمة السياسية في القانون الوضعي التونسي اليوم غير موجود في تونس، في المقابل، ثمة محاكمات سياسية، مثل قضية الحال".

وليد العربي: غاية السلطة من اعتماد قانون مكافحة الإرهاب في قضية الحال هي الاستفادة من إجراءاته

واستطرد العربي في ذات السياق: "المحاكمة السياسية هي محاكمة تستخدم فيها الإجراءات العادية لمحاكمة فرد سياسي، وبالتالي فإنّ المساجين الموقوفين في هذه القضايا يسمون سجناء سياسيين أو سجناء رأي".

وبخصوص سبب اعتماد قانون مكافحة الإرهاب في قضية الحال، قال المستشار الحقوقي إنّ غاية السلطة من ذلك هي الاستفادة من إجراءات قانون مكافحة الإرهاب، مثل آجال الاحتفاظ الأطول من الجريمة العادية، وعدم إمكانية المحتفظ به في الـ48 ساعة الأولى من مقابلة أي شخص بما في ذلك محاميه، عدم كشف هوية الشهود، إجراءات المحاكمة في حد ذاتها، عقد جلسات سرية، وغير ذلك"، وفق تصوره.

جدير بالذكر أنه تم، في 10 أفريل/نيسان 2025، منع عقد المحاكمة الصورية الرمزية في محاكاة للمحاكمة فيما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة، في فضاء الريو، وفق ما سبق أن أكده رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي، الذي اعتبر أنّ ما حصل يمثل "فصلًا جديدًا في الاعتداء على العمل الجمعياتي السلمي والمدني من السلطة التنفيذية" على حد تعبيره.

وكانت قد انعقدت في 4 مارس/آذار 2025، الجلسة الأولى للمحاكمة فيما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، وفي 11 أفريل/نيسان الجلسة الثانية للمحاكمة، وكلتاهما عقدتا عن بعد. وقد قررت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس، الجمعة 11 أفريل/نيسان 2025، تأخير النظر في القضية إلى جلسة يوم 18 أفريل/نيسان الجاري.

ويُحاكم في القضية 40 شخصًا، بينهم معارضون سياسيون، ونشطاء، ومحامون، وشخصيات عامة أخرى اتُّهموا "بالتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي" والإرهاب بزعم التخطيط للإطاحة بحكومة الرئيس التونسي قيس سعيّد.

الكلمات المفتاحية

أحمد صواب

الاحتفاظ بأحمد صواب.. تضامن واسع ومسيرة شعبية للمطالبة بإطلاق سراحه

انتظمت مساء الاثنين مسيرة شعبية احتجاجًا على إيقاف أحمد صواب كما أصدرت أحزاب ومنظمات بيانات مساندة تطالب بالإفراج عنه


قضية التآمر 1

قضية "التآمر".. هيئة الدفاع ترفض الأحكام الصادرة وتلوّح بالطعن

المحامي عبد الناصر المهري: الأحكام الصادرة فيما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة" مرفوضة رفضًا باتًا وسنطعن بها في الطور الاستئنافي.


أحزاب ومنظمات أحكام قضية التآمر انتقامية وغير مسبوقة من حيث حجم الخروقات

أحزاب ومنظمات: أحكام قضية "التآمر" انتقامية وغير مسبوقة

جبهة الخلاص: "نرفض إخضاع القضاء لمشيئة السلطة التنفيذية وتوظيفه لتصفية المعارضة السياسيّة السلمية"


حادثة المزونة أحزاب ومنظمات

حادثة المزونة.. أحزاب ومنظمات: دعوة للمحاسبة وتفادي سياسة كبش الفداء

تفاعلت عديد الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية مع حادثة المزونة وأصدرت بيانات تندّد بما اعتبرته "إهمالاً وتقصيرًا".

عبير موسي getty/ Hasan Mrad/Universal Images
سیاسة

محام: مثول عبير موسي أمام القضاء دون إعلام هيئة الدفاع

عضو هيئة الدفاع: رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي تشهد تدهورًا لحالتها الصحية نتيجة عدم احترام البروتوكول الصحي في سجن إيقافها

عودة شبية القيروان إلى الرابطة الأولى لكرة القدم
منوعات

عودة شبية القيروان إلى الرابطة الأولى لكرة القدم

أنهى فريق شبيبة القيروان السباق في صدارة الترتيب برصيد 54 نقطة وتمكن بذلك من الصعود من جديد إلى الرابطة المحترفة الأولى لكرة القدم


وزارة الصحة ماجد الزمني
منوعات

الدكتور ماجد الزمني يحصد جائزة نيلسون مانديلا للصحة 2025

منظمة الصحة العالمية: قدّم الدكتور ماجد الزمني، أخصائي الطب الشرعي مساهماتٍ واسعة ومؤثرة في مجال تعزيز الصحة

الترجي دجوليبا المالي.jpg
منوعات

الترجي التونسي يجدّد عقدي خليل القنيشي وأشرف الجبري

الترجي الرياضي التونسي: إتمام تجديد عقدي اللاعبين خليل القنيشي وأشرف الجبري لموسمين إضافيين، ليمتدّا بذلك إلى غاية جوان 2028

الأكثر قراءة

1
منوعات

نيزك في الجنوب التونسي.. مدينة العلوم تكشف التفاصيل لـ"الترا تونس"


2
مجتمع

قوارب تحوّلت إلى "توابيت" في تونس.. حين تتحول الموانئ إلى ذاكرة لرحلات الهروب


3
اقتصاد

حوار| منجي مرزوق: تقدم برنامج الطاقات المتجددة في تونس بطيء رغم إمكانياته الواعدة


4
مجتمع

من الترفيه إلى الإدمان.. كيف نواجه تعلّق الأطفال بالشاشات؟


5
اقتصاد

حوار| خبير محاسب يكشف لـ"الترا تونس" واقع استعمال الكمبيالة وأهم الإشكاليات