حوّلها من "سبخة" إلى "جنة".. قصة فلاح تونسي نجح في استصلاح أرض مالحة
5 أبريل 2025
لم تكن سنة 2024 سنةً عاديةً في حياة الفلاح التونسي الهادي بن عمر، فقد نجح بعد سنوات من العمل والتضحية في زراعة القمح والشعير في أرضٍ كانت حتى زمن غير بعيد مجرد "سبخة" مالحة وغير صالحة للزراعة، وهي تجربة فريدة يسعى إلى تعميمها للحدّ من تدهور الأراضي في تونس.
وقبل هذا التاريخ، كان الهادي بن عمر (57 عامًا)، أصيل منطقة غنوش من ولاية قابس، يعمل بجهد لاستصلاح نحو 6 هكتارات من الأراضي الدولية التي كانت غارقة في المياه ولا تصلح للزراعة أو الحرث، لاستغلالها في زراعة الورقيات والخضر وبعض الزراعات الأخرى.
من أرض مالحة إلى أرض مثمرة
عن هذه التجربة يقول الهادي بن عمر، في حديثه مع "الترا تونس"، إنّ زحف العمران وتراجع الأراضي الصالحة للزراعة دفعاه للتفكير خارج الصندوق والبحث عن طرق ناجعة لاستغلال أرض دولية مهملة وغير صالحة حتى للمرعى، لتتحول اليوم إلى أرض منتجة ومثمرة تدرّ أرباحًا عليه وساهمت في تحقيق الاكتفاء الذاتي في منطقته.
وخلال الموسم الفائت، نجح بن عمر في زراعة القمح من صنف "البسكري" والشعير من صنف "العرضاوي" في الأرض المستصلحة، كما قام بزراعة نفس الأصناف خلال الموسم الزراعي الحالي، مع إضافة صنف "المساكني"، وجميعها بذور أصلية تونسية.
نجح الفلاح التونسي الهادي بن عمر بعد سنوات من العمل والتضحية في زراعة القمح والشعير والخضروات في أرضٍ كانت حتى زمن غير بعيد مجرد "سبخة" مالحة وغير صالحة للزراعة
ووفق الفلاح التونسي، فإنّ هذه التجربة كانت ناجحة بنسبة 100% ما دفعه إلى إعادتها هذه السنة بدعم وتشجيع من فلاحي الجهة، مؤكدًا أنه قام بتوزيع البذور التي جمعها من الموسم الفائت على نحو 200 فلاح في قابس وفي ولايات أخرى.
وأشار إلى أنّ هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز السيادة الغذائية من خلال الحفاظ على البذور الأصلية وإكثارها والمساهمة في توعية الفلاحة بأهميتها، خصوصًا في ظل هيمنة البذور المستوردة على الزراعة التونسية والتي باتت تهدد الأمن الغذائي للبلاد.

عملية الاستصلاح.. مكلفة لكنها ناجعة
يروي الفلاح بن عمر تجربته في استصلاح الأرض المالحة لـ "الترا تونس" بكل فخر، مع تأكيده المستمر على أنه مستعد لتعميم هذه التجربة الفريدة والمميزة في كامل مناطق البلاد من خلال تكوين الفلاحين وتقديم النصح والإرشاد لهم، وهو يقول "إنّ تجربته يجب أن تكون مرجعًا للفلاحين في تونس".
ويتم استصلاح الأرض المالحة، وفق بن عمر، على مراحل وتحتاج تكلفة مالية قد تتجاوز 15 ألف دينار، كما تحتاج إلى مجهود بدني هائل وعمل دؤوب ومستمر لتحويل أرض لا تُنتج إلى أرض منتجة بنسبة 100%.
وفي مرحلة أولى يقوم الفلاح بحفر مجموعة من الخنادق في مساحة الأرض الذي حددها لاستصلاحها، ثم يقوم في مرحلة ثانية بحرثها بشكل عميق لنحو 3 مرات على الأقل لمساعدة التربة على التخلص من المياه والملح ولكي تجفّ تحت أشعة الشمس.
الهادي بن عمر لـ"الترا تونس": استصلاح الأرض المالحة مكلف ويحتاج مجهودًا بدنيًا هائلًا وعملًا دؤوب لتحويل أرض لا تُنتج إلى أرض منتجة 100%
وقد تحتاج مرحلة تجفيف الأرض لشهر كامل على أقصى تقدير، وتبدأ بعد ذلك المرحلة الثانية والتي تتمثل في قيام الفلاح بتوزيع كميات هامة من الرمل على الأرض المقسمة ثم توزيع كميات ثانية من نبتة البيسيدونيا (الذريع)، التي تساعد الأرض على التهوية وتصفية المياه.

وفي المرحلة الثالثة، يقوم الفلاح بريّ الأرض بالماء الحلو لدفع الملح المترسب داخل التربة إلى النزول مع الماء نحو الخنادق التي تم حفرها في المرحلة الأولى، وبعد عملية الريّ تُعاد عملية فرشها بالرمل والذريع مع تقليل الكمية.
وبعد أسابيع من العمل على تجفيف الأرض وتخليصها من الملح، يبدأ الفلاح في زراعة الورقيات والخضروات وتغطيتها بعد ذلك بكميات من الرمل وهي خطوة يتم تطبيقها على كامل السنة لحماية البذور.

الهادي بن عمر: الأراضي المستصلحة تُنتج أكثر من الخصبة
وبحسب بن عمر، فإنّ الأراضي المستصلحة من الملوحة يزداد إنتاجها سنةتِلْوَ الأخرى، حيث تنتج في السنة الأولى من الدخول حيّز الاستغلال ما بين 30 و40%، بينما يرتفع إنتاجها في السنة الثانية إلى نحو 70%، وقد يصل إنتاجها في السنة الثالثة إلى نحو 100%.
الهادي بن عمر لـ"الترا تونس": الأراضي المستصلحة من الملوحة يزداد إنتاجها سنة تِلْوَ الأخرى وقد يصل إنتاجها إلى نحو 100% ويمكن للفلاح استغلالها لمدة 7 سنوات على التوالي
وأضاف بن عمر أنّه بعد استصلاح الأرض المالحة وفقًا للمراحل الصحيحة، فإنّ الفلاح يحصل على أرضٍ خصبة على ارتفاع يناهز نحو 30 صنتيمترًا، بينما تظل مالحة في الأسفل، لكنها لا تؤثر بأي شكل من الأشكال على عملية البذر والإنتاج، وفقه.
ويمكن للفلاح استغلال أرضه بعد استصلاحها لمدة 7 سنوات على التوالي مع تسجيل ارتفاع في الإنتاج سنة تِلْوَ الأخرى، عكس الأراضي الخصبة التي يتراجع إنتاجها بعد نحو 3 سنوات، وفق محدث "الترا تونس".

وبعد 7 سنوات من الاستغلال، يمكن للفلاح إعادة حرث الأرض من جديد لاستخراج التربة البكر واستصلاحها من جديد، لضمان زيادة الإنتاج والحفاظ على جودة الأرض.
ولم يُخفِ بن عمر أنّ مهمة استصلاح الأراضي المالحة هي مهمة صعبة قد لا تروق عدة فلاحين، لكنها تجربة فريدة قد تساهم في الحدّ من تدهور الأراضي ومن تراجع المساحات الزراعية.
الهادي بن عمر لـ"الترا تونس": بعض الأراضي المالحة في منطقة غنوش تم استصلاحها قبل نحو 30 عامًا، وهي لا تزال إلى اليوم تُنتج بكميات وفيرة وتوفّر حاجيات الجهة من خضر وورقيات
ويرى بن عمر أنّ الأرض الخصبة يكون إنتاجها في السنوات الـ3 الأولى كبير ثم يتراجع بعد ذلك، في حين أنّ الأراضي المالحة يكون إنتاجها وفيرًا وذا جودة عالية، ويمكن استغلالها لسنوات طويلة.
ويؤكد الفلاح في ذات السياق أنّ بعض الأراضي المالحة في منطقة غنوش تم استصلاحها قبل نحو 30 عامًا، وهي لا تزال إلى اليوم تُنتج بكميات وفيرة وتوفّر حاجيات الجهة من خضر وورقيات.

استصلاح الأراضي المالحة.. تجربة تحتاج التعميم
ويتلقى الهادي بن عمر عشرات الرسائل والاستفسارات من الفلاحين الذين يطمحون لخوض تجربة استصلاح الأرض المالحة، وهو يؤكد في ذات الإطار أنه يطمح لنشر الوعي بأهمية استصلاح الأراضي المالحة وتعميم هذه التجربة في تونس.
وأشار بن عمر إلى أنّه تمكن في السنوات الأخيرة من إنتاج الورقيات والخضر التي تلبي كافة احتياجات منطقة غنوش من ولاية قابس إضافة إلى توفير مواطن شغل لعشرات العمال، لكنه لم يُخفِ مخاوفه من أن يتمّ انتزاع الأرض منه باعتبار أنها أرض دولية.
الفلاح الهادي بن عمر لـ"الترا تونس": هذه التجربة الفريدة والمميزة يجب أن تكون مرجعًا للفلاحين في تونس وأنا مستعد لتعميمها في كامل مناطق البلاد من خلال تكوين الفلاحين
ويوجد في منطقة غنوش بحسب بن عمر، نحو 1200 فلاح أغلبهم يزرعون في أراضٍ مالحة قاموا باستصلاحها على نفقتهم الخاصة وقد ساهموا في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضر والورقيات في ولايات الجنوب الشرقي وولاية صفاقس، وفقه.
يشار إلى تونس منخرطة في المجهود الدولي الرامي إلى استصلاح حوالي 12 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة كل سنة استنادًا إلى جملة من التدخلات الهادفة إلى تحقيق حياد تدهور الأراضي، وذلك بهدف الإسهام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
الكلمات المفتاحية

المبادلات التجارية بين تونس والجزائر.. دراسة: أرقام ضعيفة وفرص غير مستغلة
دراسة: حصة تونس في السوق الجزائرية لصادرات السلع لا تزال منخفضة للغاية، ولم تتجاوز 1% في المتوسط سنويًا خلال الفترة من 2011 إلى 2021

الحسابات البنكية النائمة في تونس.. تفاصيل الإجراءات قبل الإيداع بخزينة الدولة
البنوك والمؤسسات المالية في تونس، مطالبة بنشر قائمة في أصحاب الحسابات النائمة بالرائد الرسمي للبلاد التونسية مع نهاية شهر أفريل 2025، وفق ما جاء به قانون المالية.

تقرير: توقعات بتسجيل الاقتصاد التونسي نسبة نمو أضعف مما رُسم لسنة 2025
المعهد العربي لرؤساء المؤسسات: من المتوقع أن يسجل الاقتصاد التونسي نموًا، أضعف ممّا وقع رسمه بالنسبة لكامل سنة 2025.

جربة جرجيس.. الوجهة السياحية الأولى في تونس
المندوب الجهوي للسياحة: المنطقة السياحية سجلت ارتفاعًا في أعداد الوافدين بنسبة 19.7% والليالي المقضاة بنسبة 15.7%

رصد المد الأحمر في سواحل المنستير.. وزارة الفلاحة تحذّر البحارة والمتساكنين
سبق أن طالب الأهالي ومختصون في الشأن البيئي والمناخي السلطات المعنية بالتحرك سريعًا لتفادي أي مخاطر ممكنة على صحة المتساكنين

النادي الإفريقي.. فوز قائمة محسن الطرابلسي في انتخابات الهيئة المديرة
فوز قائمة محسن الطرابلسي وهي القائمة الوحيدة المترشحة لعضوية ورئاسة الهيئة المديرة للنادي الإفريقي بعد حصولها على نسبة 92.28%من الأصوات

النهضة: الحكم بالسجن ضدّ الصحبي عتيق جائر وهو حكم سياسي جاهز
حركة النهضة تعتبر أن الحكم بالسجن لمدة 15 سنة ضد الصحبي عتيق ومنصف العمدوني هو "حكم سياسي جاهز وجائر"