اقتصاد

حوار| خبير محاسب يكشف لـ"الترا تونس" واقع استعمال الكمبيالة وأهم الإشكاليات

14 مايو 2025
الكمبيالة تونس حاتم فتح الله خبير محاسب
حاتم فتح الله (خبير محاسب) لـ"الترا تونس": عدة إشكاليات جعلت المواطن التونسي لا يقبل على الكمبيالة
جاسر عيد
جاسر عيدصحفي من تونس

لا شكّ أنّ قانون الشيكات الجديد في تونس، قد أحدث منذ دخوله حيّز التطبيق، مع بداية عام 2025، ثورة في عالم المال والأعمال، اعتبرها البعض إيجابية، في حين أصرّت أطراف أخرى على اعتبار أنّ هذا القانون أنعش الاقتصاد الموازي وأعاد تونس سنوات للوراء، وكانت له تأثيرات على طرق الاستخلاص الأخرى، من بينها الكمبيالة.

ومع أنّ الفاعلين الاقتصاديين قد توقعوا أنّ حجم استعمال الكمبيالة كمًا ومبلغًا، سيرتفع بشكل كبير لتعويض الشيك في صيغته القديمة، فإنّ هذا لم يحدث، ما يجعلنا نتساءل عن أسباب عزوف المواطن التونسي عن استعمال الكمبيالة، بالرغم من أنها تعدّ "وسيلة الاقتراض الأمثل".

"الترا تونس" يلقي الضوء على واقع الكمبيالات في تونس ومقترحات تحسين هذه المنظومة، وأهم الأرقام المتعلقة بها، في حواره للأستاذ الجامعي والخبير المحاسب حاتم فتح الله.

  • ما الفرق بين الكمبيالة والشيك؟ 

يوضّح الخبير المحاسب حاتم فتح الله، في حديثه لـ"الترا تونس"، أنّ الكمبيالة هي وسيلة دفع مؤجل، وهي وسيلة اقتراض، الجانب الضماني فيها، مرتبط بسرعة إنفاذ أحكام الاستخلاص المنجرّة عنها.

أما عن الفرق بين الكمبيالة والشيك، فيتمثّل في أنّ الشيك في أصله هو وسيلة دفع بالحاضر، وعقوبة الصكوك بدون رصيد هي عقوبة زاجرة بالسجن، وبالتالي فإنّ خصائص العقوبة الزاجرة أضفى على الشيكات صفة الضمان، مما أدى إلى تحوّلها إلى وسيلة اقتراض لتمتعها بضمان رادع، قادر على أن يقود للسجن.

حاتم فتح الله (خبير محاسب) لـ"الترا تونس": الكمبيالة تملك صيغة تطبيقية مهمة جدًا، ولو كانت هناك شفافية في الممتلكات عبر المعرّف الوحيد، لكانت الكمبيالة أفضل من الشيك

يؤكد فتح الله أنّ قوة الشيك كوسيلة اقتراض، تتمثل في أنّ الساحب يضع فيه المبلغ الذي يريده ويسحب مع المستفيد المبلغ الذي يريده أيضًا، ما جعله وسيلة اقتراض غير قانونية بامتياز لتمتعه بالضمان وعدم التسقيف في المبلغ والتاريخ. 

يشير إلى أنّ الكمبيالة في أصلها القانوني تتمتع بهذا، إذ لا سقف للمبلغ ولا حدود للتاريخ إلا ما تضبطها العلاقة مع المستفيد، فالوعي بالقدرة على الخلاص من عدمها هو السقف الوحيد للكمبيالة، وجانبها الضماني في صورة عدم الخلاص، يتمثل في السرعة الكبير لإنفاذ الأمر بالدفع مقارنة بوسائل الدفع الأخرى.

صورة توضيحية لكيفية ملء الكمبيالة

يقول إنّ الكمبيالة وبمجرد أن تقع معاينة عدم خلاصها، يتم الذهاب بها إلى القضاء الذي يختمها ما يمثّل أمرًا بالدفع دون حاجة إلى إثبات، وحتى كيفية استخلاص الأمر بالدفع لا تمرّ عبر العقلة التحفظية، بل مباشرة بالعقلة التنفيذية، فيحضر العدل منفذ وتقع عملية البيع حالًا، لأن الكمبيالة تملك صيغة تطبيقية مهمة جدًا، ويضيف: "لو كانت هناك شفافية في الممتلكات، لكانت الكمبيالة أفضل من الشيك" وفق قوله.

يفسّر الأستاذ الجامعي هذا الأمر بقوله: "الشيك يمكن أن يُدخل صاحبه للسجن، ومع ذلك لا يحصل المستفيد على ماله، على عكس الكمبيالة التي إذا تم تفعيل وسائل الاستخلاص القانونية الخاصة بها، التي يكفلها القانون، تكون قادرة مثلًا على بيع منزل لمجرّد مبلغ بسيط 700 دينار مثلًا أو بيع سيارة على 500 دينار أو عقلة على أموال الشخص في حسابه حتى على 30 أو 40 دينارًا تحتويها الكمبيالة".

  • إشكاليات الكمبيالة في تونس

وعن أسباب عزوف التونسي عن استعمال الكمبيالة، أرجع الخبير المحاسب ذلك لإشكالياتها، المتمثلة أولًا في كونها غير مرتبطة برقم حساب بنكي، فاليوم أصبحت الكمبيالة تودع بالبنوك، بعد أن كانت في السابق تُتداول بين البائع والمشتري، وكان صاحب الكمبيالة يذهب في آجال الدفع إلى الطرف الثاني ليطالبه بالمبلغ أو لإعلامه بأنه سيذهب بالكمبيالة إلى العدل منفذ. وأوضح أنها أصبحت تمرّ عبر البنك حين تحوّلت صيغتها إلى الشكل الجديد، مع بداية الألفينات، لكنّ مشكلتها هي ملئها يدويًا، وبالتالي فإنّ خطأ واحدًا في أحد أرقام الحساب، يتسبب في تعطّل الأمر، وعودة الكمبيالة للتثبت شكلًا، ما يؤدي إلى تعطيل التنفيذ.

أما الإشكال الثاني، فأوضح حاتم فتح الله، في تصريحه لـ"الترا تونس"، أنه في غياب المعرّف الوحيد، الذي يمكّن من معرفة عدد الحسابات البنكية، والممتلكات، تغيب القدرة على التنفيذ والعقلة في صورة التلكؤ أو عدم الخلاص، وقال: "ننادي بالمعرّف الوحيد منذ 2011، المنصة جاهزة والإدارة العامة للأداءات تملك هذه الخاصية برقم بطاقة التعريف، فلماذا لا يتم تعميم ذلك لتسهيل المعاملات التجارية وتقديم الضمانات حتى للتعامل ورقيًا؟" وفق تساؤله.

حاتم فتح الله (خبير محاسب) لـ"الترا تونس": من بين إشكاليات الكمبيالة في تونس أنها غير مرتبطة برقم حساب بنكي، وتغيب القدرة على التنفيذ والعقلة في صورة عدم وضوح الممتلكات

وشدّد الأستاذ الجامعي أنّ القيمة الضمانية للكمبيالة تنتفي حين يكون تحديد الممتلكات ضبابيًا، ولا يمكن معرفة على ماذا سيتم التنفيذ فعليًا. ولفت إلى أنّه من بين الإشكاليات الأخرى للكمبيالة، أنّ تنفيذها "أعمى"، ولو تم تنفيذ العقلة، فهي قادرة على إيقاف نشاط كامل إذا تمت على الآلة التي تشغل المعمل كله مثلًا، وبالتالي فإنّ هناك خطرًا في التنفيذ، على عكس الصيغة التنفيذية للشيك في العقلة، والتي هي عادة غير قوية، وتمر بعديد المراحل، منها التحفظية. 

الخبير المحاسب حاتم فتح الله

وقال فتح الله في هذا السياق: "الكمبيالة لا توجد فيها عديد الإجراءات، إذا تم التأكد من القدرة على العقلة على شيء ما، فإني أعقلها بالقوة العامة. الكمبيالة لا تحتوي على تأكد مباشر، عكس الشيك الذي يمكنني أن أعرف هل أنه بدون رصيد أم لا، في ظرف يوم فقط، لكن في الكمبيالة أنا غير قادر على ذلك إلا بعد حوالي أسبوع" وفق قوله.

  • الكمبيالة في تونس.. أهم الأرقام

منذ صدور قانون الشيكات الجديد، بلغت عمليات الدفع بالكمبيالة 1.3 مليون عملية، مسجلة زيادة بنسبة 0.7% مقارنة بالفترة نفسها من السنة الفارطة، وهي زيادة وصفها الخبير المحاسب بالطفيفة، للأسباب الفارطة المذكورة أعلاه، والتي جعلت المواطن التونسي لا يقبل على الكمبيالة، مع أنه لو تم إصلاحها كمنظومة، وربطها برقم حسابات، تصبح أفضل من الشيك، وفق قوله.

أما بخصوص قيمة العمليات بالكمبيالة، فقد بلغت 25 مليار دينار تونسي (ألف مليون دينار) منذ صدور قانون الشيكات الجديد. وقال إنّ عدد الشيكات تراجع بطريقة رهيبة (85% تقريبًا) لكن حجم المعاملات بالشيكات شهد ارتفاعًا طفيفًا لأن الشيكات الكبيرة تُدفع دائمًا، وتتعلق خاصة بالشركات التي تملك متانة وملاءة مالية، وقادرة على الخلاص.

يقول فتح الله: "كنا نتوقع أنّ حجم استعمال الكمبيالة كمًا ومبلغًا، سيرتفع بشكل كبير لتعويض الشيك، لكن هذا لم يحدث. الكمبيالة هي وسيلة الاقتراض الأمثل قانونًا، على اعتبار أنّ مضمون القانون مبنيّ على بعث الثقة بين الساحب والمستفيد (البائع والمشتري)، أي حين تصبح الناس تتعامل بالكمبيالة دون خوف من الدخول للسجن، يضفي ذلك ثقة أكبر في السوق، ما يؤدي بدوره إلى تحسن ثقة المستثمر الخارجي في السوق التونسية".

  • مقترحات لتحسين استعمال الكمبيالة في تونس

وعن أبرز المقترحات التي دعا إليها الخبير المحاسب حاتم فتح الله، توزّعت بين تحسينات قانونية، على غرار تبسيط الإجراءات القانونية المعتمدة في الكمبيالة، مثلًا إلغاء مرحلة ختم القاضي لتسهيل الاستعمال، والرقمنة، أي أن تصبح طباعة الكمبيالة ودفعها، تتم عبر منصة خاصة مثل منصة الشيكات الأخيرة، قائلًا: "ما الذي يمنع اليوم من رقمنة استعمال الكمبيالة؟".

حاتم فتح الله (خبير محاسب) لـ"الترا تونس": كنا نتوقع أنّ حجم استعمال الكمبيالة كمًا ومبلغًا، سيرتفع بشكل كبير لتعويض الشيك، لكن هذا لم يحدث، ومنذ صدور قانون الشيكات الجديد، بلغت عمليات الدفع بالكمبيالة 1.3 مليون عملية، مسجلة زيادة بنسبة 0.7% فقط

كما اقترح الأستاذ الجامعي في حديثه لـ"الترا تونس"، تحيين نصوص الكمبيالة في المجلة التجارية بما يجعلها أكثر ملائمة مع النسيج الاقتصادي الحالي، فالمواطن يقبل على الشيء إذا سهلنا له الإجراءات وبسطناها له، وفق تعبيره. مشددًا على ضرورة إجراء تحسينات بنكية ومؤسساتية للكمبيالة كأن تصبح مرتبطة بمنظومة الدفع البنكي، وأن يكون لدينا سجل وطني للكمبيالات لتحسين جودتها وتحسين "خصم الكمبيالات" أي عملية شراء الكمبيالة من طرف ثالث، عدا الساحب والمستفيد، كالبنوك مثلًا.

وقد اعتبر الخبير المحاسب أنّ قطاع التأمين مغيّب على الدورة الاقتصادية، مقترحًا أن نطلب من مؤسسات التأمين الدخول بطريقة فعّالة في تأمين التعاملات الاقتصادية، "بمعنى أنّه إذا لم يقع خلاص الكمبيالة، تدفعها شركة التأمين.. فتأخذ مؤسسات التأمين 1% على كل كمبيالة على أن تتحمّل هي مسؤولية خلاصها فيما بعد، بهذا ستعود ثقة الناس في التعامل بالكمبيالة" وفق تعبيره.

وأكد حاتم فتح الله أنّ قطاع التأمين صلب، قادر على تأمين هذا الأمر، داعيًا أيضًا إلى الاشتغال على الجانب التوعوي ودعا إلى تحفيز مالي وضريبي لحث الناس على الالتجاء للكمبيالة وجعلهم يقبلون عليها بالطريقة نفسها التي كانوا يقبلون بها على الشيك.

الكلمات المفتاحية

الوزير الأسبق منجي مرزوق يقيّم مسار الطاقات المتجددة في تونس

حوار| منجي مرزوق: تقدم برنامج الطاقات المتجددة في تونس بطيء رغم إمكانياته الواعدة

الوزير السابق منجي مرزوق لـ"الترا تونس": لا تزال نسبة إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة في تونس ضعيفة، حيث تقدر بـ 4% فقط


حوار عبد الرزاق حواص ألف مليار دينار خسائر الطاقات المتجددة و38 ألف شركة تفلس سنويًا

حوار| عبد الرزاق حواص: ألف مليار دينار خسائر الطاقات المتجددة و38 ألف شركة تفلس سنويًا

الناطق باسم جمعية المؤسسات الصغرى والمتوسطة لـ"الترا تونس": من الضروري إعادة التفكير في آليات التمويل المتاحة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، وتشجيع البنوك على تبني استراتيجيات أكثر شمولية وعدالة في توزيع التمويل


حوار رياض الزغل الديمقراطية الحوارية تساهم في مقاومة الفقر

حوار| مختصة في علوم التصرف: لخلق الثروة يجب إصلاح الإدارة وتغيير منظومة التسيير

الدكتورة رياض الزغل: يحتاج كلّ منوال تنمية مهما كان نوعه إلى إرادة سياسية، تقطع مع الارتجال وتخطط للعمل وفق توجّه سياسي، اقتصادي ملائم


حوار أستاذ القانون البنكي محمد النخيلي تفاصيل الشيك الجديد ومزاياه وتحدياته.png

حوار| أستاذ القانون البنكي محمد النخيلي: تفاصيل "الشيك الجديد" ومزاياه وتحدياته

أستاذ القانون البنكي محمد النخيلي لـ"الترا تونس": المتعاملون في السوق سيجدون الحلول البديلة عن "الشيك" وسنحتاج بعض الوقت حتى يتعود الجميع على هذه الآليات الجديدة

جربة فتحي بلعيد أفب Getty
اقتصاد

جربة جرجيس.. الوجهة السياحية الأولى في تونس

المندوب الجهوي للسياحة: المنطقة السياحية سجلت ارتفاعًا في أعداد الوافدين بنسبة 19.7% والليالي المقضاة بنسبة 15.7%

قصيبة المديوني منتدى الحقوق
مجتمع

رصد المد الأحمر في سواحل المنستير.. وزارة الفلاحة تحذّر البحارة والمتساكنين

سبق أن طالب الأهالي ومختصون في الشأن البيئي والمناخي السلطات المعنية بالتحرك سريعًا لتفادي أي مخاطر ممكنة على صحة المتساكنين


النادي الإفريقي
منوعات

النادي الإفريقي.. فوز قائمة محسن الطرابلسي في انتخابات الهيئة المديرة

فوز قائمة محسن الطرابلسي وهي القائمة الوحيدة المترشحة لعضوية ورئاسة الهيئة المديرة للنادي الإفريقي بعد حصولها على نسبة 92.28%من الأصوات

حركة النهضة انتخابات المجالس المحلية في تونس القايدي.jpg
سیاسة

النهضة: الحكم بالسجن ضدّ الصحبي عتيق جائر وهو حكم سياسي جاهز

حركة النهضة تعتبر أن الحكم بالسجن لمدة 15 سنة ضد الصحبي عتيق ومنصف العمدوني هو "حكم سياسي جاهز وجائر"

الأكثر قراءة

1
سیاسة

أشاروا إلى "فراغ مؤسسي".. نواب يقترحون تنقيح قانون الإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين


2
مجتمع

"قافلة الصمود عادت بقوة السلاح".. وائل نوار يكشف وقائع ما حدث في شرق ليبيا


3
مجتمع

%90 من التونسيين لا يجرون فحص الزواج.. شهادات حيّة وأطباء يكشفون لـ"الترا تونس" العواقب


4
منوعات

حليب الإبل.. دواء واستثمار وثروة تونسية متعددة الاستخدامات


5
مجتمع

"كارثة بيئية" في خليج المنستير.. دعوة لإعلان حالة طوارئ بيئية وتحذير من مخاطر صحية