تونس تقرر حذف الفوسفوجيبس من قائمة النفايات الخطرة.. أي استراتيجية؟
10 مارس 2025
بتاريخ 5 مارس/آذار 2025، أصدر مجلس وزاري مضيّق خصص للنظر في البرنامج المستقبلي لتطوير إنتاج ونقل وتحويل الفسفاط 2025_2030 جملة من القرارات، من بينها حذف مادة الفوسفوجيبس من قائمة النفايات الخطرة وإدراجها كمادة منتجة واستعمالها في مجالات متعددة بشروط مضبوطة، وهو قرار رفضته منظمات المجتمع المدني واعتبرت أنه "يهدد بمزيد من التدهور البيئي".
وجاء هذا القرار بعد ساعات قليلة من دعوة الرئيس التونسي قيس سعيّد وزيرة الصناعة التونسية فاطمة ثابت شيبوب، إلى ضرورة إيجاد حلّ نهائي لاستغلال الفوسفوجيبس بولاية قابس (جنوب شرقي) دون أيّ أثر سلبي على البيئة، وفق بلاغ صدر عن الرئاسة التونسية بتاريخ 4 مارس/آذار 2025.
وتحدّث الرئيس وفق نص البلاغ، عن وجود "دراسات قام بها مهندسون وأخصائيون من ولاية قابس منذ أكثر من 10 سنوات تُثبت بالحُجة العلمية جدية هذا الاختيار وسلامته".
بدوره، قال وزير البيئة حبيب عبيد في تصريحات للصحفيين على خلفية زيارة أداها إلى ولاية قابس نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول الفائت، إنّ تونس تتجه نحو تثمين الفوسفوجيبس وتسويقه وإيقاف سكبه في البحر، دون تقديم تفاصيل حول آليات واستراتيجية الدولة لتثمين هذه المادة التي كانت ولا تزال تمثل كابوسًا لسكان المناطق المحاذية للتجمعات الكيميائية.
ويعرف الفوسفوجيبس بأنه "مادة كيميائية ومنتج ثانوي لصناعة الأسمدة المشتقة من الفسفاط، ويتكون من كبريتات الكالسيوم مع كميات متفاوتة من الفوسفور، والفلوريدات، والمعادن الثقيلة، وأحيانًا من مواد مشعة طبيعية مثل الراديوم-226 الذي يتحلل إلى غاز الرادون المشع، مما يشكل خطورة على صحة الإنسان".
وقد يحتوي الفوسفوجيبس على "عناصر سامة مثل الكادميوم والرصاص، التي يمكن أن تتسرب إلى التربة والمياه الجوفية وتلوثها، وعند تصريفه في البحار أو الأنهار دون معالجة، فإنه قد يؤدي إلى تغيير درجة الحموضة في الماء وقتل الحياة البحرية"، وفق مختصين.
هل يمكن تحويل الفوسفوجيبس من مضر إلى نافع؟
بحسب المختص في البيئة والتنمية المستدامة الطاهر خواجة، فإنّ مادة الفوسفوجيبس يمكن اعتبارها مادة مضرة بالبيئة فقط في حال تمّ التخلص منها بطريقة غير سليمة كأن يتمّ إلقاؤها في البحار أو الأنهار.
وأضاف خواجة في حديثه مع "الترا تونس"، أنّ البحر يعتبر محيطًا حساسًا وأن قيام تونس بسكب مادة الفوسفوجيبس في البحر لنحو 53 سنة أي منذ سنة 1972 يعد "قرارًا غير صائب وأضر كثيرًا بالثروة البحرية والسمكية".
ووفق خواجة، فإنّ "تونس كانت ستتجه قبل سنوات إلى وقف سكب مادة الفوسفوجيبس في البحر غير أنها لم تمضِ قدمًا في تنفيذ هذا القرار لأسباب اجتماعية"، ويضيف أنها "تأخرت كثيرًا للسير على خطى عديد الدول التي اختارت تثمين هذه المادة واستعمالها في مجالات متعددة".
مختص في البيئة لـ"الترا تونس": سكب مادة الفوسفوجيبس في البحر لنحو 53 سنة في تونس أضر كثيرًا بالثروة البحرية
وألقت تونس على امتداد حوالي 5 عقود نحو 170 مليون طن من نفايات الفوسفوجيبس في بحارها، في حين لا تزال المجمعات الكيميائية المتواجدة في كل من الصخيرة وقابس وقفصة تُخزّن قرابة 130 مليون طن من هذه النفايات ولم يقع التصرف فيها إلى حدّ الآن، وفق محدث "الترا تونس".
في ذات السياق، يرى المختص في البيئة والتنمية المستدامة أنّ الفوسفوجيبس له منافع عديدة في حال تم التصرف فيه بطريقة آمنة وتثمينه من خلال استعماله في مجال الفلاحة كسماد للزراعات أو لتخصيب التربة، مؤكدًا "أن الفوسفوجيبس له 23 فائدة لقطاع الفلاحة فقط وأنّ عديد الفلاحين من ولاية قابس قاموا بتثمينه واستخدامه في زراعتهم ووجدوا نتائج إيجابية ومبشرة"، وفقه.
وأكد أنه يمكن تثمين الفوسفوجيبس واستخدامه في مجالات أخرى مثل تحويله إلى إسمنت أو استخدامه لتجهيز البنية التحتية وبناء الطرقات، مشيرًا إلى أنّ هذه الخطوة تعتبر هامة وستساهم في التنمية، حسب قوله.
كما أشار خواجة إلى أنّ الفوسفوجيبس يمكن أن يكون له نفس قيمة ومردودية الفسفاط في حال تمّ التعامل معه بالطريقة الصحيحة، موضحًا أنّ الاتحاد الأوروبي صنف هذه المادة سنة 2000 بأنها نفايات طبيعية غير خطرة، وفقه.
الرحيلي: لا وجود لاستراتيجية واضحة لتثمين الفوسفوجيبس
يرى المختص في التنمية حسين الرحيلي، أنّ قرار حذف الفوسفوجيبس من قائمة النفايات الخطرة في تونس جاء بطريقة "غير مدروسة" وأنّ المسؤولين لم يقدموا استراتيجية واضحة حول كيفية تثمين هذه المادة المشعة ومجالات استخدامها.
وأضاف الرحيلي في حديثه مع "الترا تونس"، أنّ "الفوسفوجيبس هو مادة خطرة ويحتوي على معادن ثقيلة وضارة وفيه ملوثات تضر بالبيئة وهذا مثبت من خلال التحاليل المخبرية والدراسات".
وأكد أنه لا علم له بوجود دراسات تونسية أثبتت أنّ الفوسفوجيبس مادة غير خطرة ويمكن التعامل معها بطريقة عادية، مشيرًا إلى أنّه حتى في حال تم تثمينه فإنه من الضروري التعامل معه بطريقة آمنة وبحذر شديد.
وأوضح أنّ "تونس تنتج ما بين 13 إلى 15 مليون طن من الفوسفوجيبس سنويًا إضافة إلى الكميات الكبيرة التي لا تزال مخزنة في كل من الصخيرة وقابس والمظيلة، ما يعني أنّ تثمين كل هذه الكميات غير ممكن على الأقل في الوقت الحالي".
مختص في التنمية لـ"الترا تونس": الفوسفوجيبس مادة خطرة تحتوي على معادن ثقيلة وضارة وملوثة وهذا مُثبت
وأكد أنّ قرار تونس حذف هذه المادة من قائمة النفايات الخطرة يتنزل في إطار الخطاب العام ولا يمكن تطبيقه على الأرض الواقع، داعيًا السلط المعنية إلى عقد ندوة صحفية وتوضيح استراتيجيتها التي وضعتها لتثمين الفوسفوجيبس وللكشف عن الدراسات التي تؤكد بأنه مادة غير مضرة.
ويرى الخبير في الإطار ذاته، أنه الحل الوحيد لتنفيذ هذا التوجه هو فتح المجال بشكل جديّ أمام البحث العلمي ومخابر الدراسات والباحثين لإيجاد طرق علمية لكيفية تطبيق هذا القرار دون إلحاق الضرر بالطير والبشر والشجر، وفقه.
ناشط بيئي: حذف الفوسفوجيبس من قائمة المواد الخطرة صدمنا
ويقول الناشط البيئي وعضو مجموعة "أوقفوا التلوث" خير الدين دبية، إنّ أهالي قابس تلقوا قرار حذف الفوسفوجيبس من قائمة المواد الخطرة وإنشاء وحدات نموذجيّة لإنتاج الأمونيا الخضراء بالجهة، "بكثير من الصدمة والحيرة" خصوصًا وأنّهم عانوا لسنوات طويلة من التلوث الكيميائي الذي هدّد صحتهم وصحة أبنائهم وموارد رزقهم.
وأضاف دبيّة في تصريح لـ "الترا تونس"، أنّ سكان قابس كانوا ينتظرون تطبيق القرار الحكومي الصادر في جوان/يونيو 2017، القاضي بتفكيك الوحدات الصناعية الملوثة وإحداث وحدات صناعية جديدة تحترم المعايير الدولة في السلامة البيئية، لكنهم صدموا بقرارات جديدة ستُبقي ولاية قابس بين براثن التلوث لسنوات أو لعقود أخرى.
وفي السنوات التي تلت ثورة 2011، ناضل خير الدين دبيّة رفقة العشرات من النشطاء البيئيين في ولاية قابس للدفاع عن حقهم في بيئة سليمة ولوقف نزيف التلوث الصادر عن المجمع الكيميائي بالجهة ومنع سكب مادة الفوسفوجيبس في البحر، خصوصًا وأنّ المادة تسببت في تصحر البحر والقضاء على الثروة البحرية والسمكية.
ويقع المُجمع الكيميائي الذي تم إنشاؤه سنة 1972 في منطقة شط السلام التّي تبعد نحو 4 كيلومترات عن مركز مدينة قابس، ويوجد بداخله وحدات لتصفية مادة الفوسفات وصناعات كيميائية مختلفة إلى جانب أكبر مخازن الغاز الطبيعي.
ويؤكد دبيّة أنهم لا يرفضون توجه الدولة لتثمين مادة الفوسفوجيبس وإنما يتمسكون بضرورة تفكيك الوحدات الصناعية الملوثة أولاً والتزام الحكومة بتطبيق قرارات سنة 2017، لإنقاذ الولاية من "التلوث القاتل".
ناشط البيئي لـ"الترا تونس": نستعد لخوض تحركات احتجاجية رفضًا للقرارات التي لم تقم إلا بزيادة معاناة المتساكنين في قابس
ووفق دبيّة، فإنّ السلطة لم تكشف عن استراتيجيتها التي وضعتها لتثمين ملايين الأطنان التي تنتجها سنويًا من مادة الفوسفوجيبس "المشعة والخطرة" هذا إلى جانب الكميات التي لا تزال مخزنة.
وأشار دبيّة إلى أن المجتمع المدني يستعد لخوض تحركات احتجاجية في ولاية قابس رفضًا لهذه القرارات التي لم تقم إلا بزيادة معاناة متساكني ولاية قابس، التي ستبقى تحت وطأة التلوث لسنوات طويلة أخرى، مجددًا تمسكهم بضرورة تفكيك الوحدات الصناعية الملوثة الموجودة داخل المجمع الكيميائي.
جمعية بيئية: قرار كارثيّ ومشاريع مدمرة للبيئة
واعتبرت جمعية "شباب من أجل المناخ تونس"، أنّ قرار إخراج مادة الفوسفوجيبس المشعة والضارة من قائمة المواد الخطرة وإدراجها كمادة معدة للإنتاج هو قرار "كارثي يعكس استهتارًا صارخًا بصحة المواطنين وسلامة البيئة"، مؤكدة رفضها القاطع لهذا القرار.
وجاء في البيان الذي اطلع "الترا تونس" على نسخة منه، أنّ "الفوسفوجيبس ليس مجرد نفايات صناعية، بل هو سمّ بطيء يهدد الأجيال الحالية والمقبلة، وأنّ هذا القرار ليس سوى محاولة لترقيع جرائم الرأسمالية التي تستنزف الموارد الطبيعية وتُبقي الشعب رهين التلوث والفقر".
وحول قرار إنشاء وحدة لإنتاج الأمونيا الخضراء، قالت الجمعية إنّ "ما تروج له الحكومة ليس سوى غطاء أخضر لاستمرار نفس السياسات المدمرة"، مشيرة إلى أنّ "الأمونيا الخضراء ليست حلًا سحريًا، بل هي جزء من استراتيجية تستهدف تحويل تونس إلى ساحة لتجارب الشركات متعددة الجنسيات التي تبحث عن الأرباح على حساب صحتنا وسيادتنا الطاقية".
واعتبرت أنّ "مثل هذه المشاريع لن تحل أزمة التلوث في قابس، بل ستزيد من استنزاف الموارد المائية وتعمق أزمة العطش التي تعاني منها البلاد"، داعية إلى تفكيك كل الوحدات الملوثة في المجمع الكيميائي بقابس بشكل فوريّ وعدم السماح بتركيز أي مشاريع جديدة تهدد سلامة السكان والبيئة.
كما دعت الجمعية كافة المواطنين والمنظمات والقوى الحية في البلاد إلى التعبئة والنضال بكل الأشكال الممكنة لمواجهة هذه "المشاريع المدمرة"، والدفاع عن حقوقهم المشروعة في بيئة نظيفة وحياة كريمة، ورفض المنوال التنموي الليبرالي الذي يكرس الظلم البيئي والاجتماعي، وفق نص البيان.
الكلمات المفتاحية

المبادلات التجارية بين تونس والجزائر.. دراسة: أرقام ضعيفة وفرص غير مستغلة
دراسة: حصة تونس في السوق الجزائرية لصادرات السلع لا تزال منخفضة للغاية، ولم تتجاوز 1% في المتوسط سنويًا خلال الفترة من 2011 إلى 2021

الحسابات البنكية النائمة في تونس.. تفاصيل الإجراءات قبل الإيداع بخزينة الدولة
البنوك والمؤسسات المالية في تونس، مطالبة بنشر قائمة في أصحاب الحسابات النائمة بالرائد الرسمي للبلاد التونسية مع نهاية شهر أفريل 2025، وفق ما جاء به قانون المالية.

تقرير: توقعات بتسجيل الاقتصاد التونسي نسبة نمو أضعف مما رُسم لسنة 2025
المعهد العربي لرؤساء المؤسسات: من المتوقع أن يسجل الاقتصاد التونسي نموًا، أضعف ممّا وقع رسمه بالنسبة لكامل سنة 2025.

جربة جرجيس.. الوجهة السياحية الأولى في تونس
المندوب الجهوي للسياحة: المنطقة السياحية سجلت ارتفاعًا في أعداد الوافدين بنسبة 19.7% والليالي المقضاة بنسبة 15.7%

رصد المد الأحمر في سواحل المنستير.. وزارة الفلاحة تحذّر البحارة والمتساكنين
سبق أن طالب الأهالي ومختصون في الشأن البيئي والمناخي السلطات المعنية بالتحرك سريعًا لتفادي أي مخاطر ممكنة على صحة المتساكنين

النادي الإفريقي.. فوز قائمة محسن الطرابلسي في انتخابات الهيئة المديرة
فوز قائمة محسن الطرابلسي وهي القائمة الوحيدة المترشحة لعضوية ورئاسة الهيئة المديرة للنادي الإفريقي بعد حصولها على نسبة 92.28%من الأصوات

النهضة: الحكم بالسجن ضدّ الصحبي عتيق جائر وهو حكم سياسي جاهز
حركة النهضة تعتبر أن الحكم بالسجن لمدة 15 سنة ضد الصحبي عتيق ومنصف العمدوني هو "حكم سياسي جاهز وجائر"