تعطيل حرية العمل.. تهمة جاهزة للتعسّف ضد المهمّشين أيضًا
28 يونيو 2025
لا تقتصر الانتهاكات عبر الملاحقات القضائية التعسفية على الفاعلين السياسيين والمدنيين في السنوات الأخيرة، بل شملت فئات مهمشة على خلفية إثارة قضايا اجتماعية واقتصادية وبيئية. على نحو ما بيّنه تحقيق أعدّته مؤخرًا منظمة "العفو الدولية" تمحور بالخصوص على توظيف السلطات لجريمة "تعطيل حرية العمل" الواردة في الفصلين 136 و107 من المجلة الجزائية في محاكمات لمحتجين وعمال ونقابيين في جهات مختلفة وفي سياقات متشابهة. وهو تحقيق يؤشر على التوسّع المستمرّ لنطاق الانتهاكات الحقوقية ليس فقط لجهة طبيعتها ولكن أيضًا، وبالخصوص، لجهة استهدافها.
مؤشرات الملاحقات التعسفية
منظمة العفو الدولية في تحقيقها بعنوان "المعاقبة على التجمّع السلمي باستخدام تهمة تعطيل حريّة العمل"، أفادت أنها أجرت مقابلات مع 26 شخصًا ممّن لوحقوا قضائيًا من المحتجين إضافة للمحامين وعائلات الموقوفين، لتنتهي لتوثيق ملاحقات شملت 90 شخصًا فيما يتصل بتسعة احتجاجات أو إضرابات سلمية منفصلة في ولايات القيروان والمنستير وصفاقس وسليانة وتونس العاصمة، خلال الفترة الزمنية بين فيفري/شباط 2020 وأكتوبر/تشرين الأول 2024.
وثّقت منظمة العفو الدولية ملاحقات شملت 90 شخصًا فيما يتصل بتسعة احتجاجات أو إضرابات سلمية منفصلة في عدد من الولايات التونسية، خلال الفترة الزمنية بين فيفري 2020 وأكتوبر 2024
شملت الملاحقات احتجاجات متعلقة بالحق في المياه على غرار التتبعات إثر وقفات في مدينة برقو بولاية سليانة في فيفري/شباط ومارس/آذار 2023 رفضًا لقرار منح شركة خاصة تصريحًا بحفر بئر لاستخراج المياه التي تقدّم وكيلها بشكاية جزائية ضد المحتجين. شملت الملاحقة القضائية 21 شخصًا في قضيتين منفصلتين وتم إيقاف عدد منهم بين يومين وثمانية أيام، وصدرت أحكام بخطايا مالية ضد المُدانين.
وفي قضية أخرى في جوان/يونيو 2023، قضت المحكمة الابتدائية بصفاقس 2 بإدانة أربعة من نشطاء البيئة ضمن حراك "مانيش مصبّ"، في مدينة عقارب بصفاقس، مع الحكم عليهم بالسجن لمدة 8 أشهر بتهمة "تعطيل حرية العمل". وتعود أطوار القضية لحراك احتجاجي عام 2020 ضد التلوث الناتج عن مصب قريب للنفايات وعواقبه الصحية. تحقيق المنظمة انتهى أن السبب الوحيد لمحاكمة الناشطين هو ممارستهم لحقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي.
الملاحقات أيضًا ارتبطت بالإضرابات وانتهاك حقوق العمال على غرار التتبعات القضائية التي شملت عمالًا في مصنع الأحذية بجهة المتبسطة في القيروان في أكتوبر/تشرين الأول 2024. إذ نظّم مئات العاملين في المصنع إضرابًا، احتجاجًا على خصم الإدارة راتب ثلاثة أيام من العاملين بصفة تعسفية وأيضًا بسبب غياب وسائل الحماية اللازمة، وثم لاحقًا أعلنوا عزمهم تكوين نقابة. بيد أن إدارة المصنع قامت بفصل 27 عاملًا ليحتجّ زملائهم، وتباعًا قدمت الإدارة شكاية على أساس تهمة تعطيل حرية العمل. تتبعات انتهت بالاحتفاظ بعاملتين لمدة 3 أيام والإيقاف التحفظي لنقابي في الجهة وثلاثة عمال، ثم صدر في شأن المدانين أحكام بالسجن تتراوح بين 4 و6 أشهر مع تأجيل التنفيذ. وهي ملاحقات مثلت انتهاكًا مباشرًا لحرية تكوين نقابات والانضمام إليها، دون عن استهداف حرية التجمع.
و"تعطيل حرية العمل" تهمة تواجهها أيضًا شخصيات عامة على غرار رئيس جمعية القضاة أنس الحمادي على خلفية دوره في إضراب القضاة في جوان/يونيو وجويلية/يوليو 2022 احتجاجًا على إعفاء قضاة بأمر رئاسي، وهي قضية جزائية متزامنة مع تتبع تأديبي ضده. وكان المجلس الأعلى المؤقت للقضاة رفع الحصانة عن الحمادي إلا أنه تم استئناف القرار أمام المحكمة الإدارية، فيما اُحيل ملف القضية التحقيقية من المنستير إلى الكاف. عبير موسي أيضًا من جملة القضايا التي تواجهها ما تُعرف بقضية "مكتب الضبط"، التي تواجه ضمنها لائحة تهم من بينها "تعطيل حرية العمل"، وهي القضية التي تم إيقافها من أجلها منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
خلاصات حاسمة
انتهت "العفو الدولية" إلى نتيجة مفادها أن السلطات استغلت على نحو متكرّر تهمة "تعطيل حرية العمل" لإثارة تتبعات قضائية وإدانة أشخاص على خلفية ممارستهم لحرية التعبير وحرية التجمع وتنظيم إضرابات وتكوين نقابات. ووجدت أنه في جميع القضايا التسع لا أساس للملاحقات سوى أن سببها تقييد الحريات، مؤكدة المنظمة أن السلطات لم تقدم أي أدلة تشير إلى وجود شبهات معقولة عن ضلوع الملاحقين في أي سلوك عنيف أو أي سلوك آخر يمكن أن يشكّل إحدى الجرائم المتعارف عليها دوليًا.
منظمة العفو الدولية خلصت في تحقيق أجرته إلى أنّ السلطات التونسية استغلت على نحو متكرّر تهمة "تعطيل حرية العمل" لإثارة تتبعات قضائية وإدانة أشخاص على خلفية ممارستهم لحرية التعبير وحرية التجمع وتنظيم إضرابات وتكوين نقابات
وتظلّ المعضلة، في الأثناء، في صياغة الفصل 136 من المجلة الجزائية، الذي يورد عقوبة سجنية تصل لثلاث سنوات، باعتبارها مبهمة دون عن تعارض الفصل ذاته مع قواعد تقييد الحقوق والحريات وبالخصوص شرطيْ التناسب والضرورة. ويعدّ بذلك مخالفة للحريات المنصوص عليها دستوريًا وكذلك للتعهدات الواردة في المواثيق الدولية. وقد أورد التحقيق أنه تم توجيه نتائجه إلى وزير الخارجية للتعليق عليه ولكن لم يقدّم تفاعله إلى غاية نشر التحقيق للعموم.
تباعًا، تكشف "العفو الدولية" بتخصيصها لتحقيق حول التتبعات على أساس تهمة "تعطيل حرية العمل" اتساع مجال استهداف الحريات بما يشمل بالخصوص تلك المرتبطة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهي تأتي في سياق أشمل عنوانه استهداف الحريات العامة عبر الملاحقات القضائية.
الكلمات المفتاحية

قضية فساد "كبير قضاة تونس" سابقًا.. استحقاق المحاسبة زمن قضاء معطوب
تعامل السلطة السياسية التي ترفع شعار "تطهير القضاء" ومن ذلك التصدّي للفساد القضائي كان متعارضًا مع ما رفعه قضاة حراك "نحن الموقعون" الذين وإن تمسكوا بدورهم بالمحاسبة فإن ذلك كان مشروطًا بضمانات المحاكمة العادلة وعدم تدخل السلطة السياسية

الهيئات المستقلة زمن قيس سعيّد.. تقويض واستهداف ممنهج
دستور 2022 يعكس خيارًا سياسيًا واضحًا في تهميش الهيئات الدستورية المستقلة إلى درجة الإلغاء مقارنة بدستور 2014 الذي خصّها، في المقابل، بباب مستقلّ..

مقترحات قوانين مهنية في تونس.. صراع قطاعي بلا بوصلة جامعة
جدل أخذ منحى تنافس قطاعي محض طيلة الأسابيع الأخيرة ومن المنتظر أن يحتدّ مع تقديم نواب، في خطوة جديدة، لمقترح قانون لتعديل مرسوم المحاماة

60 شركة دخلت طور النشاط الفعلي.. إطلاق منصة رقمية خاصة بالشركات الأهلية
وزارة التشغيل والتكوين المهني، أطلقت السجل الوطني للشركات الأهلية، وقدّمته على أنه فضاء رقمي جديد خاص بإحداث هذا الصنف من الشركات، يتيح تبسيط الإجراءات الإدارية وتقليص آجال التسجيل

نقابي لـ"الترا تونس": أعوان شركة البيئة بتطاوين يحتجون للمطالبة بصرف الأجور وتفعيل الاتفاقيات
نفذ أعوان وإطارات شركة البيئة والغراسة والبستنة بتطاوين اليوم، الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 وقفة احتجاجية انطلقت من مقر الاتحاد الجهوي للشغل بتطاوين باتجاه مركز الولاية، للمطالبة بصرف الأجور في آجالها وتفعيل جميع الاتفاقات السابقة، حسب ما أفاد به الكاتب العام المساعد للنقابة الأساسية للشركة، مبارك السياري

هيئة السجون: لا صحة لقيام بعض المساجين بإضراب عن الطعام
الهيئة العامة للسجون والإصلاح: الوضعيات الصحية لكل المساجين ولكل من ادّعى إضرابه عن الطعام هي وضعيات محل متابعة صحية مستمرة وفقًا للتراتيب والبروتوكول الصحي الجاري به العمل

حقوقي لـ"الترا تونس": "التحقيق مع مشجعين للنادي البنزرتي بسبب لافتة مساندة لأهالي قابس"
أفاد الكاتب العام لفرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ببنزرت، حسام الدين خليفة، يوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025، بأنّ الوحدات الأمنية استدعت مساء السبت نحو خمسة من جماهير النادي الرياضي البنزرتي للتحقيق، وذلك على خلفية رفعهم لافتات خلال المباراة الأخيرة لفريقهم، عبّرت عن مساندتهم لأهالي قابس في تحركاتهم ضدّ التلوث البيئي

