تدوير بقايا الطعام في رمضان.. قطع مع الهدر وحفاظ على البيئة في تونس
24 مارس 2025
تحرص النسوة في تونس خلال شهر رمضان الكريم على طبخ ألذ المأكولات لتزيين الطاولة التي يجتمع حولها جميع أفراد الأسرة عند الإفطار، وبينما ارتبط هذا الشهر بارتفاع استهلاك الطعام وهدره، تُظهر سيدات المطبخ مهارة فائقة في إعادة تدوير بقايا الطعام كحلّ اقتصادي وبيئي.
ولطالما أثيرت أزمة هدر الطعام في تونس خصوصًا خلال شهر رمضان باعتبارها ظاهرة تهدد البيئة وتؤثر سلبًا على المقدرة الشرائية للتونسيين، في المقابل ينادي نشطاء بيئيون بضرورة إعادة تدوير النفايات المنزلية وبقايا الطعام وتثمينها عوض التخلص منها في القمامة.
فرز النفايات وتدوير بقايا الطعام
تتبع سمية (42 عامًا) أصيلة ولاية منوبة، نظامًا صارمًا داخل مطبخها الصغير فهي تتعامل مع بقايا الطعام وكل النفايات المنزلية على أنها كنز ثمين يمكن إعادة استثمارها عوض رميها في النفايات، وفق حديثها مع "الترا تونس".
يبدأ نظام سمية أولاً من خلال حرصها على فرز النفايات وتصنيفها، حيث تقوم بوضع القوارير البلاستيكية والبلورية والعلب الكرتونية القابلة لإعادة الرسكلة، بينما تقوم بفرز الغلال الفاسدة وبقايا الخضر لتخميرها وتحويلها إلى سماد عضوي وطبيعي تستخدمه لاحقًا لتسميد نباتات حديقة منزلها.
وعن هذه التجربة، تقول سمية لـ"الترا تونس": "قبل سنتين من الآن شاهدت برنامجًا تلفزيونيًا يقدم طرقًا وحلول مبتكرة للسيدات في كيفية إعادة تدوير الطعام والنفايات المنزلية والاستفادة منها، ومنذ ذلك الحين قررت أن أكون جزءًا من الحل لا المشكل".
ينادي نشطاء بيئيون بضرورة إعادة تدوير النفايات المنزلية وبقايا الطعام وتثمينها عوض التخلص منها في القمامة
تضيف: "في البداية غيرت من سلوكي الاستهلاكي وابتعدت وزوجي قدر الإمكان عن 'اللهفة' على شراء الطعام وتكديسه في شهر رمضان بالخصوص، وأصبحنا لا نشتري إلا ما نحتاجه كعائلة صغيرة تتكون من 4 أفراد".
تواصل حديثها قائلة: "لطالما انزعجت من أكداس الطعام والخبز الملقاة في حاويات القمامة في الحيّ الذي أقطنه وهي ظاهرة لا تزال موجودة وتتفاقم خصوصًا في شهر رمضان، وأعتقد أنّ الوقت قد حان للحدّ من هدر الطعام في وقت يعاني منه ملايين السكان حول العالم من الجوع".
وتحرص محدثة "الترا تونس" على جمع كل بقايا الخضر والغلال وقشور البطاطا والطماطم في علبة مناسبة وتقوم بعد ذلك بإضافة بعض الأعشاب إليها ثم تتركها تتخمر تدريجيًا حتى تتحول إلى سماد مخمّر أو ما يعرف بـ"الكومبوست".
كما تحرص على تحويل بقايا الخبز إلى علف للدجاج وتحرص دومًا على إعادة استغلال فواضل الأكل لابتكار أطباق جديدة، وهي تأمل أن تخرج هذه المبادرات النسائية من بين جدران المطابخ الصغيرة وأن تكون أسلوب حياة جديد للحفاظ على البيئة والحدّ من ظاهرة هدر الطعام.
وتستعدّ سمية لفتح قناة رسمية على يوتيوب لتنقل من خلالها تجربتها في إعادة تدوير الطعام وفرز النفايات وتوعية النساء والشباب بأهمية هذه الحلول للحفاظ على البيئة وتعزيز الأمن الغذائي.

وسبق أن رجح تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة، أن تقوم النساء بإعادة التدوير وتقليل النفايات وشراء الأغذية العضوية والمنتجات ذات العلامات البيئية وتوفير المياه والطاقة في الأسرة، مضيفًا، أنه "حان الوقت للاستثمار في المرأة باعتبارها قوة كبيرة للتغيير، لتقود الطريق إلى مستقبل أكثر استدامة".
تدوير الطعام: تجربة فريدة وجب تعميمها
في 2007، كان أمام راضية وجيرانها في مدينة قليبية، فرصة ذهبية لخوض تجربة إعادة تدوير الطعام وفرز النفايات قبل رميها، وهي تجربة فريدة لازالت تتذكرها إلى اليوم وتأمل أن يقع تعميمها في كافة الأحياء والمدن التونسية.
تقول راضية (56 عامًا)، لـ "الترا تونس"، إنها لم تكن تعرف قبل ذلك التاريخ أنه بالإمكان الاستفادة من النفايات المنزلية وتحويلها من نقمة إلى نعمة في حال توفرت الإرادة والعزيمة، وأنها أدركت لاحقًا أهمية إعادة تدوير الطعام وفرز النفايات بعد أن شاركت في تجربة نموذجية أطلقتها بلدية قليبية.
وقامت بلدية قليبية حينها بتوفير أكياس بلاستيكية مختلفة الألوان للسكان وتوعية النساء بأهمية فرز النفايات المنزلية ووضع كل نوع في الكيس الخاص به، كما تم توفير صناديق خشبية لهم لاستعمالها في تخمير بقايا الخضر والغلال والأعشاب وأوراق الشجر وتحويلها إلى سماد عضوي.
وعلى الرغم من توقف هذه التجربة منذ سنة 2012، فإنّ راضية تمسكت بتطبيق ما تعلمته وواصلت في تجربة إعادة تدوير الطعام وفرز النفايات قبل التخلص منها، وحرصت على توعية بناتها بأهمية هذه الخطوة للحفاظ على البيئة وتحقيق الاستدامة.
ولازالت راضية إلى اليوم تعتمد على ما يجود به مطبخها من بقايا خضرٍ وغلال لصناعة سماد عضويّ طبيعيّ تعتمد عليه لتسميد الغراسات الموجودة في حديقة منزلها، كما تأمل أن تقوم كل البلديات بتعميم تجربة إعادة تدوير النفايات.
وبحسب محدثة "الترا تونس"، فإنّ عادة تدوير بقايا الطعام وتحويله إلى أطباق متنوعة عوض رميه في القمامة كانت الميزة الأساسية لدى الجدات اللاتي كنّ سباقات في الحفاظ على البيئة عبر ممارسة سليمة متوارثة جيلاً بعد جيل.
وتساءلت محدثة "الترا تونس" عن سبب إلقاء نحو 900 ألف خبزة في القمامة في شهر رمضان، مؤكدة أنّ هذا الرقم مفزع ومخيف ووجب دق ناقوس الخطر وتوعية التونسيين بضرورة الحدّ من هدر الغذاء والخبز، خصوصًا وأنّ تونس تعاني من تراجع إنتاج الحبوب بسبب الجفاف.
وتؤكد في السياق ذاته، أنها تحرص خلال شهر رمضان بالخصوص على طبخ كميات مقبولة من الأكل تكفيها وعائلتها دون إسرافٍ أو تبذير، وأنها لا تفوت الفرصة لإعادة تدوير بقايا الطعام وتحويلها إلى أطباق لذيذة وصحية على خطى والدتها وجدتها.
خبير في النفايات: إعادة التدوير للحدّ من هدر الطعام
يؤكد الخبير في النفايات ورئيس جمعية البيئة بقليبية وحيد جنحاني، أنّ تونس تعاني من مشكلة النفايات المنزلية، مشيرًا إلى أنّها تنقسم إلى نفايات عضوية بنسبة 65% ونفايات المعلبات أي القابلة للرسكلة والتثمين بنسبة 35%.
وأضاف جنحاني في حديثه مع "الترا تونس"، أنّ النفايات القابلة للرسكلة يمكن تحويلها إلى حل فعال من خلال إعادة رسكلتها وتحويلها من مصدر للتلوث إلى مصدر للربح، موضحًا أن "الرسكلة ليست مكلفة وتساهم في الحفاظ على البيئة والطاقة".

ووفق جنحاني، فإنه تمكن حين كان يشغل خطة مدير النظافة ببلدية قليبية في الفترة الممتدة من 2006 إلى 2012، من تشريك السكان في فرز النفايات وإعادة تدوير بقايا الخضر والغلال وتحويلها إلى سماد عضويّ، مؤكدًا نجاح التجربة بشكل لافت حينها.
وأشار محدث "الترا تونس"، إلى أنّ البلدية نجحت في إنشاء مركز مختص في إعادة تدوير النفايات وتمّ كذلك العمل على تطبيق فكرة فرز النفايات من المنبع أي داخل منازل أصحابها، مؤكدًا مشاركة النساء بشكل لافت في هذا التوجه.
ووفق جنحاني، فإنّ البلدية قامت في مرحلة أولى بتوعية السكان خصوصًا النساء والأطفال بأهمية فرز النفايات وثمة بدأت في تطبيق فكرة إعادة تدوير النفايات وتحويل الخضر والغلال والعشب إلى سماد عضويّ.
وأكد الخبير في النفايات، أنه تم في البداية توفير أكياس بلاستيكية للسكان لفرز النفايات ثم تم سنة 2008 توزيع 100 صندوق لتخمير نفايات الطبخ عوض هدرها أو التخلص منها في القمامة.
خبير في النفايات: الرسكلة ليست مكلفة وتساهم في الحفاظ على البيئة والطاقة، إذ يمكن أن تتحول النفايات من مصدر للتلوث إلى مصدر للربح
ونجح مركز إعادة التدوير حينها في توفير مواطن شغل لأكثر من 100 عائلة، إلى جانب شراء النفايات من السكان وإعادة بيعها إلى المعامل المختصة في رسكلة النفايات المنزلية مثل البلاستيك والبلور.
وأشار جنحاني، إلى أنّ المشروع وفر مواطن شغل لنحو 100 عائلة ونجح في دورة اقتصادية متكاملة، كما ساهم في الحد من هدر النفايات المنزلية بجميع أنواعها وغيّر من نظرة السكان إلى النفايات.
طريقة تحويل النفايات إلى سماد عضوي
ولتكون عملية إعادة تدوير النفايات المنزلية وتحويلها إلى سماد عضويّ ناجحة، ينصح الخبير وحيد جنحاني، ربات البيوت أولاً بضرورة الاعتماد على صناديق خشبية ومن ثمة يتم وضع الخضروات والغلال وأوراق الشجر وبقايا العشب بداخله وتغطيتهم ببعض التراب أو الرمل لمنع انبعاث روائح كريهة منها.
يضيف، في كل مرة تنجح فيها ربة المنزل في تجميع كميات جديدة من النفايات تقوم بفتح الصندوق وإضافة ما جمعته إلى النفايات السابقة مع تحريكه وتهوئته، وأنه سيتحول في فترة لا تتجاوز 3 أشهر إلى سماد عضويّ طبيعيّ.
ويصف الخبير في البيئة هذا التوجه، بكونه صديقًا للبيئة ويحدّ من هدر الخضر والغلال في النفايات ويجعل سيدات المطبخ في تونس جزءًا لا يتجزأ من الحفاظ على البيئة والحدّ من تكدس النفايات المنزلية في الشوارع وفي الأحياء، وفقه.
تجربة تونس في تدوير النفايات داخل المنازل
لا تزال تجربة تونس في إعادة تدوير النفايات داخل المنازل محتشمة وتصطدم بعديد العراقيل منها نقص التمويلات، وقد أقرت الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات برنامجًا وطنيًا للنهوض بالتسميد الفردي لنفايات المطبخ والحديقة المنزلية داخل الأحياء السكنية، وهو برنامج يهدف لفرز النفايات العضوية من مصدرها وتثمين نسبة 40% منها داخل المنازل والحيلولة دون نقلها والتخلص منها في المصبات، وفق دراسة بعنوان "التثمين المادي للنفايات العضوية.
وشارك في هذا البرنامج نحو 30 بلدية و30 جمعية بيئية ونحو 3300 متساكن و40 مدرسة أساسية لتثمين نحو 990 كلغ من النفايات داخل المنازل، كما أظهرت الدراسة ذاتها أنّ تونس نجحت سنة 2009 في إنتاج مليون و4 آلاف طن من السماد العضوي.
الكلمات المفتاحية

%90 من التونسيين لا يجرون فحص الزواج.. شهادات حيّة وأطباء يكشفون لـ"الترا تونس" العواقب
روت منال قصصًا عديدة لـ"الترا تونس" جعلت "حياتها جحيمًا"، وفق قولها، بعد أن اكتشفت صدفة أنها حاملة لهذا المرض الذي كان سببه عدوى من زوجها

"كارثة بيئية" في خليج المنستير.. دعوة لإعلان حالة طوارئ بيئية وتحذير من مخاطر صحية
مختص في الشأن البيئي والمناخي: هذه الظاهرة قبالة سواحل قصيبة المديوني تعدّ إنذارًا بيئيًا حقيقيًا والمقلق هو التأثيرات المحتملة على الكائنات البحرية والمخاطر الصحية الممكنة على الإنسان

"لا أعرف القراءة والكتابة".. الأمية تطارد نساء تونس
مئات النساء التونسيات يعانين من الأمية، تحدثت بعضهن لـ"الترا تونس" عن أسباب حرمانهن من التعلم، خاصة وأن معظمهن يعشن في ولايات تعاني من انتشار الفقر وغياب التنمية

جربة جرجيس.. الوجهة السياحية الأولى في تونس
المندوب الجهوي للسياحة: المنطقة السياحية سجلت ارتفاعًا في أعداد الوافدين بنسبة 19.7% والليالي المقضاة بنسبة 15.7%

رصد المد الأحمر في سواحل المنستير.. وزارة الفلاحة تحذّر البحارة والمتساكنين
سبق أن طالب الأهالي ومختصون في الشأن البيئي والمناخي السلطات المعنية بالتحرك سريعًا لتفادي أي مخاطر ممكنة على صحة المتساكنين

النادي الإفريقي.. فوز قائمة محسن الطرابلسي في انتخابات الهيئة المديرة
فوز قائمة محسن الطرابلسي وهي القائمة الوحيدة المترشحة لعضوية ورئاسة الهيئة المديرة للنادي الإفريقي بعد حصولها على نسبة 92.28%من الأصوات

النهضة: الحكم بالسجن ضدّ الصحبي عتيق جائر وهو حكم سياسي جاهز
حركة النهضة تعتبر أن الحكم بالسجن لمدة 15 سنة ضد الصحبي عتيق ومنصف العمدوني هو "حكم سياسي جاهز وجائر"