11-ديسمبر-2024
سوريون يحتفلون في وسط دمشق يوم 9 ديسمبر 2024 بعد إسقاط نظام الأسد

سوريون يحتفلون في وسط دمشق يوم 9 ديسمبر 2024 بعد إسقاط نظام الأسد (بكر القاسم/أ.ف.ب)

 

بضعة أيام قبل سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، أصدرت الخارجية التونسية بيانًا ليل الأربعاء 4 ديسمبر/كانون الأول 2024، تقول فيه إن "تونس تُندّد بشدّة بالهجمات الإرهابية التي استهدفت شمال سوريا في المدّة الأخيرة". وتعرب عن "تضامنها التام مع الجمهورية العربية السورية"، داعية "المجموعة الدولية لمساندتها حتى تحافظ على سيادتها وأمن شعبها واستقرارها ووحدة أراضيها".

كان هذا البيان من آخر البيانات العربية الرسمية الداعمة لنظام الأسد قبل إعلان سقوطه وفرار بشار الأسد إلى روسيا فجر الأحد 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024. طرح البيان تساؤلات عن مدى الاطلاع التونسي على سير التطورات على الأرض سوريًا وعن التوجهات الدبلوماسية التونسية. 

سويعات قبل سقوط نظام الأسد وصفت الخارجية التونسية ما يحصل في سوريا بـ"الهجمات الإرهابية" معربة عن "تضامنها التام مع الجمهورية العربية السورية" وقد كان أحد آخر البيانات العربية الرسمية الداعمة لنظام الأسد

لاحقًا، وتحديدًا ليل الاثنين 9 ديسمبر/كانون الأول 2024، عادت الخارجية التونسية ببلاغ ثان لا يظهر أي تغيّر جذري في الموقف الرسمي التونسي إذ اكتفى بتجنب التوصيف السابق "هجمات إرهابية" والتركيز على الحفاظ على سوريا واستقلاليتها ووحدتها. 

تقول الخارجية التونسية، في هذا البلاغ، إن "تونس تتمسك بالتفريق بين الدولة، من جهة، والنظام السياسي القائم داخلها، من جهة أخرى"، وتؤكد "ضرورة تأمين سلامة الشعب السوري والحفاظ على الدولة موحّدة كاملة السيادة بما يحميها من خطر الفوضى والتفتيت والاحتلال، وعلى رفض أي تدخل أجنبي في شؤونها".

بالعودة للماضي القريب، لا يمكن اختزال تاريخ العلاقات التونسية السورية في الموقف الأخير من دبلوماسية الرئيس قيس سعيّد، بل هو مسار طويل من مد وجزر منذ اندلاع الثورة التونسية بداية 2011 والتي كانت ملهمة للثورة السورية لاحقًا. هنا نتتبع تاريخ العلاقات بين البلدين منذ ذلك التاريخ وإلى اليوم. 

  • 2012.. تونس تغلق سفارتها في دمشق 

أغلقت تونس سفارتها في دمشق في مطلع سنة 2012 في فترة حكم محمد المنصف المرزوقي، وكانت أولى الدول التي قطعت العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري حينها كرد فعل على ممارساته إزاء شعبه وانتصارًا للثورة.

أغلقت تونس سفارتها في دمشق في مطلع سنة 2012 وكانت أولى الدول التي قطعت العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري

  • 2015.. فتح مكتب في دمشق لإدارة شؤون التونسيين

وبعد سنوات من "معاداة" النظام السوري رسميًا وتوجه تونسيين للمشاركة في الصراع السوري إبان اندلاع الثورة وتورط عدد مهم منهم مع جماعات إرهابية، اتجهت الحكومة التونسية سنة 2015، برئاسة مهدي جمعة، إلى فتح مكتب في دمشق لإدارة شؤون التونسيين في سوريا، لكن دون إعادة كاملة للعلاقات في أعلى مستوياتها.

بعد سنوات من "معاداة" النظام السوري رسميًا وتوجه تونسيين للمشاركة في الصراع السوري وتورط عدد منهم مع جماعات إرهابية، اتجهت الحكومة التونسية سنة 2015 إلى فتح مكتب في دمشق لإدارة شؤون التونسيين في سوريا

بقيت الأوضاع على حالها على مستوى العلاقات الرسمية بين البلدين خلال سنوات ما بين 2015 و2021 رغم تصاعد أصوات عديدة، معظمها من أحزاب وشخصيات قومية تونسية، تطالب بعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى أعلى مستوياتها وإلى تنسيق كامل.

بٌررت هذه المطالب بأهمية التنسيق للقضاء على الإرهاب خاصة بعد سنوات عرفت فيها تونس عددًا من العمليات الإرهابية بترتيب من تنظيم"داعش". 

سال حبر كثير خلال تلك الفترة فيما يخص ترتيبات ومحاولات إعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، أساسًا خلال فترة حكم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وتم الحديث عن ضغوطات من دول عربية لتكريس ذلك على أرض الواقع لكن السبسي وإلى آخر عهدته الرئاسية لم يتخذ هذا القرار. 

بقيت الأوضاع على حالها على مستوى العلاقات الرسمية بين البلدين ما بين 2015 و2021 رغم تصاعد أصوات عديدة تطالب بعودة العلاقات إلى أعلى مستوياتها

على المستوى العربي، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2018 بعد أكثر من 6 سنوات من إغلاقها. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قام وزير خارجية الإمارات بزيارة مفاجئة حينها إلى دمشق في إطار تعزيز العلاقات مع نظام الأسد، ثم في مارس/آذار 2022، زار بشار الأسد الإمارات في أول رحلة خارجية له إلى دولة عربية منذ 2011. وتتالت تدريجيًا تحركات دول عربية أخرى لإعادة العلاقات مع نظام الأسد أو تعزيزها. 

  • 2019.. رئيس جديد في تونس وصمت إزاء الموقف من نظام الأسد

خلال الحملة الانتخابية التي سبقت الانتخابات الرئاسية 2019 في تونس، التزم المترشح حينها قيس سعيّد الصمت، على الأقل علنيًا، إزاء الموقف من الثورة السورية وقرار قطع العلاقات مع النظام الذي تم اتخاذه من الرئيس التونسي الأسبق محمد المنصف المرزوقي سنة 2012.

إثر ذلك ولأشهر، اكتفى سعيّد بتكرار عبارة "عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى" دون خطوات واضحة نحو النظام السوري، لكن بعد 25 جويلية/يوليو 2021، وإبان اتخاذ سعيّد قراراته التي مكنته من فرض سلطة شبه مطلقة في البلاد، تتالت الإشارات والخطوات في اتجاه تقارب النظامين.

  • سبتمبر 2021.. أول لقاء رسمي بين مسؤولين من تونس والنظام السوري منذ قطع العلاقات

في سبتمبر/ أيلول 2021، تكشفت تصريحات من الرئيس التونسي قيس سعيّد ولقاءات على مستوى وزراء الخارجية للبلدين توحي بتغيرات منتظرة في العلاقات بين البلدين.

التقى وزير الخارجية التونسي حينها عثمان الجرندي بوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، في 24 سبتمبر/أيلول 2021، بحضور نائب الوزير بشار الجعفري، وهو اللقاء الأول الرسمي بين مسؤولين من البلدين منذ سنة 2011. وكان هذا اللقاء على هامش مشاركة الجرندي في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت بنيويورك من 20 إلى 27 سبتمبر/ أيلول 2021.

في سبتمبر 2021، كان أول لقاء علني بين مسؤولين من تونس ومن النظام السوري منذ قرار قطع العلاقات الدبلوماسية

وورد في بيان صادر عن الخارجية التونسية، السبت 25 سبتمبر/ أيلول الجاري، أن "اللقاء مثل مناسبة لاستعراض علاقات الأخوّة العريقة بين تونس وسوريا والشعبين الشقيقين وتطورات الأوضاع في سوريا ومسار التسوية السياسية للأزمة" وفقها.

وأكد الجرندي، في هذا السياق، أنّ "تونس لا تدّخر جهدًا من أجل الإسهام الفاعل في إعادة الأمن والاستقرار في سوريا بما يضع حدًا لمعاناة الشعب السوري ويساهم في تحقيق تطلعاته، وبما يمكّن سوريا من الحفاظ على وحدتها وسيادتها واستقلالها، واستعادة دورها ومكانتها الطبيعية في الفضاء العربي وعلى الساحتين الإقليمية والدولية"، وفق تعبيره.

 

منذ 2011 أول لقاء بين وزيري خارجية تونس والنظام السوري

أول لقاء بين مسؤولين من تونس ومن النظام السوري منذ قرار قطع العلاقات الدبلوماسية

 

  • ديسمبر 2021.. سعيّد: "النظام شأن داخلي يهم الشعب السوري فقط أما نحن فنتعامل مع الدولة"

في ديسمبر/ كانون الأول 2021، قال الرئيس التونسي قيس سعيّد، خلال لقاء إعلامي بحضور الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في قصر قرطاج، إنه يجب التفرقة بين الدولة والنظام، مضيفًا "أن النظام شأن داخلي للشعوب يهم الشعب السوري فقط، أما نحن فنتعامل مع الدولة". وأشار إلى أن بعض الأطراف أرادت إسقاط الدول وليس النظام، وسوريا عانت كثيرًا من مساعي التفكيك على مدار التاريخ.

ويندرج تعليقه في سياق حديث الرئيس الجزائري عن القمة العربية التي انعقدت في تلك الفترة في الجزائر، إذ قال تبون حينها "إما أن تكون جامعة أو سيكون هناك نظر آخر"، في تلويح لتوجهه نحو دعوة نظام بشار الأسد خلال القمة وهو ما لم يحصل في النهاية.

 

  • جويلية 2022.. سعيّد يوجه تحية للأسد ويشيد بـ"الإنجازات المشتركة"

تاريخ آخر كان لافتًا في مسار تطبيع العلاقات التونسية السورية هو 5 جويلية/يوليو 2022، حين ذكرت وزارة خارجية النظام السوري حينها، أن فيصل المقداد، وزير خارجية النظام السوري قد التقى الرئيس التونسي قيس سعيّد، على هامش احتفالات الذكرى 60 لاستقلال الجزائر.

وقالت، في بيان نشر على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك، إن "سعيّد طلب من المقداد نقل تحياته إلى بشار الأسد"، ونقلت عن سعيّد، في ذات البيان، أنه "أوضح أن الإنجازات التي حققتها سوريا وكذلك الخطوات التي حققها الشعب التونسي ضد قوى الظلام والتخلف تتكامل مع بعضها لتحقيق الأهداف المشتركة للشعبين الشقيقين في سوريا وتونس"، في تماهٍ كامل مع سردية النظام السوري، الذي يرى أن قمع الاحتجاجات في سوريا منذ عام 2011 وقتل وإخفاء مئات آلاف المدنيين حسب تقارير موثقة، لم يكن سوى حربًا ضد الإسلاميين.

 

قيس سعيّد وفيصل المقداد

صورة تجمع فيصل المقداد، وزير خارجية النظام السوري في 2022، مع الرئيس التونسي على هامش احتفالات الذكرى 60 لاستقلال الجزائر

 

  • فيفري 2023.. تونس ترفع في مستوى التمثيل الدبلوماسي في دمشق

شهد شهر فيفري/ شباط 2023 خطوة لافتة أخرى في إعادة العلاقات مع نظام الأسد إذ اتخذت تونس قرار الترفيع في مستوى التمثيل الدبلوماسي التونسي في دمشق.

أعلن الرئيس التونسي، في 9 فيفري/شباط 2023، قرار الترفيع في مستوى التمثيل الدبلوماسي التونسي في دمشق. ويأتي هذا القرار بعد بيان للخارجية التونسية تضمن "استعداد تونس لتعزيز تمثيلها الدبلوماسي بدمشق"، وذلك إبان اتصال هاتفي جمع وزير الخارجية التونسي حينها نبيل عمّار بوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، إثر الزلزال الذي ضرب مناطق سورية.

لم يتضمن البيان التونسي أي توضيح بخصوص المقصود من ترفيع مستوى التمثيل الدبلوماسي حينها وهل يتعلق الأمر بإرسال سفير أو غير ذلك لكنه تضمن فقرة ورد فيها "السفير يُعتمد لدى الدولة وليس لدى النظام" فيما بدا توجهًا لإرسال سفير لتونس في دمشق.

واعتبر الزلزال الذي ضرب مناطق في شمال سوريا وموجة التعاطف والتضامن في الشارع التونسي حينها "التوقيت المناسب" لهذا الإعلان.

  • أفريل 2023.. تونس والنظام السوري يعيدان فتح السفارات وتعيين سفراء

أعلنت تونس والنظام السوري، الأربعاء 12 أفريل/نيسان 2023، إعادة فتح سفارتيهما، بعد نحو عقد من قيام تونس بقطع العلاقات مع دمشق. وورد في بيان مشترك حينها أن النظام السوري تجاوب مع مبادرة للرئيس التونسي بتعيين سفير لتونس في دمشق.. وقرر إعادة فتح سفارة له في تونس، وتعيين سفير على رأسها.

في أفريل 2023، أعلنت تونس والنظام السوري إعادة فتح سفارتيهما وإعادة العلاقات الدبلوماسية إلى أعلى مستوياتها

 

قيس سعيّد وفيصل المقداد

لقاء سعيّد والمقداد في قصر قرطاج إثر عودة العلاقات مع نظام الأسد

  • ديسمبر 2024.. سقوط نظام بشار الأسد

سقط نظام بشار الأسد لكن مآلات التطورات في سوريا غير واضحة المعالم بعد. لم تتضح طريقة تسيير وإدارة المرحلة الانتقالية في البلاد، كما أن تصدير تجربة حكم منطقة إدلب إلى كامل سوريا تثير العديد من المخاوف لدى السوريين. 

على ذات الشاكلة، يتعامل التونسيون بكثير من القلق على مستقبل سوريا وهو قلق مختلط بسعادة البعض لسقوط أحد أبرز أنظمة الاستبداد عربيًا ومشوب بالكثير من النصائح والحكم التي يرى تونسيون أنها خلاصة تجربتهم وما آلت إليه ثورتهم. 

تونس ليست دولة ذات ثقل في الشأن السوري مما يغلّب التوجه نحو انتظار تطورات الأحداث وتفاعلاتها قبل اتضاح شكل العلاقة الجديدة بين تونس وما سيتضح من نظام وترتيبات تلي حكم بيت الأسد

أما رسميًا، فلا بوادر لتغيير التوجه الدبلوماسي التونسي كما جرى الأمر في بعض المواقف العربية أو حتى الدولية مؤخرًا، لكن الدبلوماسية تقتضي التروي والمتابعة والفهم خاصة والأحداث متسارعة ومتواصلة على الأرض سوريًا. 

تونس أيضًا ليست دولة ذات ثقل في الشأن السوري مما يغلّب التوجه نحو انتظار تطورات الأحداث وتفاعلاتها قبل اتضاح شكل العلاقة الجديدة رسميًا بين نظام قيس سعيّد وما سيتضح من نظام وترتيبات تلي حكم بيت الأسد في سوريا. 

 

(AFP) سوريون يدوسون صورة لبشار الأسد في ساحة الأمويين في دمشق

سوريون يدوسون صورة لبشار الأسد في ساحة الأمويين في دمشق في ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)