رأي

المدافعون عن حقوق الإنسان في مواجهة أدعيائها في تونس

19 مايو 2025
حقوق الإنسان
من الخطأ المضي في شيطنة أي صوت معارض أو متحفظ داخل هياكل الرابطة.. (صورة أرشيفية)
كريم المرزوقي
كريم المرزوقيباحث من تونس

مقال رأي 

 

دائمًا ما تتوجّه أبواق سلطة القمع في أي مكان للتشنيع بالمدافعين عن حقوق الإنسان وهم الذين يكشفون انتهاكات هذه السلطة ويواجهونها رغم الكلفة الباهظة عادة. وهي تصفهم أحيانًا بأنهم أدعياء لحقوق الإنسان مع استعمال معجم العمالة للخارج والأجندات الأجنبية، والردّ الأنسب على هذه الأبواق هو مواصلة التمسك بالنضال من أجل ممارسة الحقوق والحريات في مواجهة القيود والمنع. 

ولكن تجاوزًا لهؤلاء، وداخل الفضاء المدني الحقوقي، تبدو الحاجة ملحّة، من باب الضرورة أحيانًا، للفرز الحقيقي بين المدافعين عن حقوق الإنسان وأدعيائها بحقّ. أي أولئك الذي لا يؤمنون بحق كل فرد، مهما كانت خلفيته أو مواقفه الأيديولوجية أو السياسية، من التمتع بالحقوق، أي أولئك ببساطة الذين لا يؤمنون بشموليتها وبالمساواة في حقوق الإنسان. هؤلاء هم خطر على الخطاب الحقوقي، وهم، واقعًا، حليف موضوعي لسلطة القمع.

ويبدو واضحًا أن البيان الذي صاغه بعض أعضاء الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهم أقلية للإشارة داخل هياكلها، على هامش اجتماع مجلسها الوطني رفضًا لمواقف الهيئة المديرة هو نموذج تطبيقي لما يصحّ وصفهم بأنهم أدعياء لحقوق الإنسان لا أكثر ولا أقل. 

داخل الفضاء المدني الحقوقي، تبدو الحاجة ملحّة، للفرز الحقيقي بين المدافعين عن حقوق الإنسان ومن يدعي ذلك.. هؤلاء هم خطر على الخطاب الحقوقي، وهم، واقعًا، حليف موضوعي لسلطة القمع

يعارض هؤلاء برمجة "المؤتمر الوطني للحقوق والحريات ومن أجل جمهورية ديمقراطية" المزمع عقده يوم 31 ماي/أيار 2025، وأيضًا إطلاق سراح كل مساجين الرأي والمساجين السياسيين باعتبار أن ذلك يتضمن "محاولة تبييض من تورطوا في الإرهاب والاغتيال والتسفير". وهم يقترحون في المقابل "مؤتمرًا بديلاً" يراعي الوضع العالمي والإقليمي ويضع على أولويات جدول أعماله الانتصار للسيادة الوطنية. 

والبيان خصّص فقرة للحديث عن هذا الوضع كـ"تقسيم سوريا" و"ما تشهده دول الجوار ليبيا والجزائر من تهديدات وانقسامات". بدا واضحًا أننا بصدد بيان بحمولة سياسية واضحة لا يتطابق والحالة تلك مع طابعه المفترض. وهذه الحمولة عناوينها معلومة في مقدّمتها هامشية انتهاك السلطة لحقوق الخصوم الأيديولوجيين والسياسيين وتطبيقه التبخيس من خرق مبادئ المحاكمة العادلة مادام المتهم هو خصم. وهم يبيّضون بذلك المحاكمات السياسية.

والخطير هو التماهي ضمنيًا مع معجم السلطة ليس في تونس فقط بل في كل بلد يرضخ تحت نظام سلطوي أو استبدادي وهو تصدير المعجم السيادي في مواجهة المطلبية الحقوقية في اختلاق لنزاع صدامي يقتضي، بالنهاية، التضحية بحقوق الفرد من أجل سيادة الدولة. 

هذا خطاب كلاسيكي لأنظمة القمع، ولكن انخراط محسوبين على الجمع الحقوقي يكشف عن لوثة السلطوية المتسلّلة للفضاء المدني. وهو ليس مستجدّ في نهاية المطاف. فطالما تعلّقت الصراعات الداخلية للمنظمات الحقوقية في تونس وغيرها في فترات تاريخية عديدة بتنازع بين تيار حقوقي يؤمن بشمولية حقوق الإنسان يتبنى عادة خطابًا واضحًا وتصعيديًا ضد السلطة، وتيار آخر يغلب عليه التقدير السياسي المحض في مواقفه وهو عادة أقل صدامية تجاه السلطة متى استهدفت بدورها الخصم السياسي المشترك لكليْهما.

الحسم في مواجهة أدعياء الدفاع عن حقوق الإنسان.. لا يعني تزكية مطلقة للهيئة المديرة الحالية باعتبار أن مواقفها وإن كانت واقعًا تتبنى خطابًا حقوقيًا جامعًا فهي يجب أن تظل تحت مشرحة التعديل والنقد. ولذا من الخطأ المضي في شيطنة أي صوت معارض أو متحفظ داخل هياكل الرابطة

وبالتالي، فإن البيان الأخير للمجموعة الأقلية داخل الرابطة يندرج ضمن هذا التيار الذي من الواضح انحصاره في نهاية المطاف ليس فقط لتهافت أسسه، ولكن أيضًا لقدرة المدّ الحقوقي المبدئي والعابر للمختلف السياسي في فرض تناسقية في خطابه على أساس مبادئ حقوق الإنسان خاصة في مرحلة يسر عملية الفرز. ثم كان واضحًا أن تعبير أبواق للسلطة عن دعمهم لبيان "أدعياء" حقوق الإنسان وانخراطهم في المقابل في حملة ممنهجة ضد الهيئة المديرة الحالية هو بمثابة كشّاف في نهاية المطاف.

هذا الحسم في مواجهة الأدعياء، في الأثناء، لا يعني تزكية مطلقة للهيئة المديرة باعتبار أن مواقفها وإن كانت واقعًا تتبنى خطابًا حقوقيًا جامعًا فهي يجب أن تظل تحت مشرحة التعديل والنقد. ولذا من الخطأ المضي في شيطنة أي صوت معارض أو متحفظ داخل هياكل الرابطة وإلا نقع وقتها في نفس خطيئة السلطة المتمرّسة في شيطنة معارضيها بتكرار صنيعها. بل يجب على الهيئة المديرة الحالية تأمين تداول ديمقراطي لقراراتها ولو كان ذلك محققًا، فالتأمين غايته تحصين الرابطة لنفسها. ولكن في نفس الوقت من الضروري الحسم في مرحلة الفرز، فبيان الأقلية الغاضبة ليس مجرّد تعبير عن اختلاف في الموقف ضاق التعبير عنه داخل الأطر الرسمية بل هو في العمق تعبير عن انحراف في البوصلة الحقوقية. هؤلاء ببساطة يصعب وصفهم أنهم مدافعين عن حقوق الإنسان. هم أصحاب موقف سياسي متوتّر يصدّرونه بغطاء حقوقي تأبى طبيعة حقوق الإنسان وشموليتها أن تقبله. وهذا الامتحان الدائم لكل مدافع عن حقوق الإنسان وبالخصوص الحقوق السياسية. مجددًا يجب ألا ننسى أن المبدئية تقتضي الدفاع عن المختلف عنّا أولًا ودائمًا.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت" 


 

الكلمات المفتاحية

في ضرورة تقدير الموقف

في ضرورة تقدير الموقف

لا يمكن التنبّؤ بما ستؤول إليه الأحداث. لكن، من واجب الدّولة أن تحسب ألف حساب للسّيناريوهات كافّة، من الأسوأ إلى السيّئ.


الزميل الناجح عدو محتمل؟ عن الحسد المهني وأثره المدمر

في مكاتب العمل.. حين يتحوّل الزميل إلى خصم صامت!

تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى ظهور مشاعر الحسد والغيرة داخل بيئة العمل، وغالبًا ما ترتبط بعوامل تنظيمية ونفسية وثقافية.


الصامتون أمام الاستبداد في تونس.. فلسطين ليست ممحاة للخذلان

الصامتون أمام الاستبداد في تونس.. فلسطين ليست ممحاة للخذلان

هيئة المحامين بتونس لم تقم بأي خطوات جدّية ومؤثرة لإسناد منظوريها المعتقلين لأسباب سياسية.. ولكن في خضم هذا الخذلان، تجد عميد المحامين يتوجه للاهاي لإيداع شكاية مباشرة لتتبع الكيان الصهيوني من أجل ارتكاب جرائم حرب.


زمال والطنطاوي.. مفارقة مرعبة بين تونس ومصر

العياشي زمال وأحمد الطنطاوي.. مفارقة مرعبة بين تونس ومصر

الواقع أن المطالبة بالاقتداء بسلوك السلطة في مصر هو مثير للخيبة والرعب. فلقد كانت "الإجابة تونس"

جربة فتحي بلعيد أفب Getty
اقتصاد

جربة جرجيس.. الوجهة السياحية الأولى في تونس

المندوب الجهوي للسياحة: المنطقة السياحية سجلت ارتفاعًا في أعداد الوافدين بنسبة 19.7% والليالي المقضاة بنسبة 15.7%

قصيبة المديوني منتدى الحقوق
مجتمع

رصد المد الأحمر في سواحل المنستير.. وزارة الفلاحة تحذّر البحارة والمتساكنين

سبق أن طالب الأهالي ومختصون في الشأن البيئي والمناخي السلطات المعنية بالتحرك سريعًا لتفادي أي مخاطر ممكنة على صحة المتساكنين


النادي الإفريقي
منوعات

النادي الإفريقي.. فوز قائمة محسن الطرابلسي في انتخابات الهيئة المديرة

فوز قائمة محسن الطرابلسي وهي القائمة الوحيدة المترشحة لعضوية ورئاسة الهيئة المديرة للنادي الإفريقي بعد حصولها على نسبة 92.28%من الأصوات

حركة النهضة انتخابات المجالس المحلية في تونس القايدي.jpg
سیاسة

النهضة: الحكم بالسجن ضدّ الصحبي عتيق جائر وهو حكم سياسي جاهز

حركة النهضة تعتبر أن الحكم بالسجن لمدة 15 سنة ضد الصحبي عتيق ومنصف العمدوني هو "حكم سياسي جاهز وجائر"

الأكثر قراءة

1
سیاسة

أشاروا إلى "فراغ مؤسسي".. نواب يقترحون تنقيح قانون الإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين


2
مجتمع

"قافلة الصمود عادت بقوة السلاح".. وائل نوار يكشف وقائع ما حدث في شرق ليبيا


3
مجتمع

%90 من التونسيين لا يجرون فحص الزواج.. شهادات حيّة وأطباء يكشفون لـ"الترا تونس" العواقب


4
منوعات

حليب الإبل.. دواء واستثمار وثروة تونسية متعددة الاستخدامات


5
مجتمع

"كارثة بيئية" في خليج المنستير.. دعوة لإعلان حالة طوارئ بيئية وتحذير من مخاطر صحية