سرقة الكتب في معرض تونس الدولي للكتاب.. بين الأخلاق والإيديولوجيا
30 أبريل 2025
يعد معرض تونس الدولي للكتاب إحدى أمجد وأعرق التظاهرات الثقافية في تونس، فهو حفل مركزي فخم للمؤلفين والمبدعين والقرّاء وصنّاع الكتاب وموزعيه والفاعلين في محيطه، ترعاه الدولة التونسية وتوفر له الإمكانيات المتاحة.
ومنذ انطلاقته مطلع ثمانينيات القرن الماضي كرس المعرض سلوكًا راقيًا تمثل في توطيد علاقة التونسي بالكتاب وتشكلت حوله وداخله العديد من العادات الثقافية والإبداعية الجميلة ونشأت حوله ظواهر صغيرة اتّسمت بالجمال حينًا والقبح والطرافة حينًا آخر، لكنّ ظاهرة وصفت بالغريبة برزت منذ الدورات الأولى للمعرض عندما كان يحتضنه قصر المؤتمرات بشارع محمد الخامس وسط البلد، ولم تنقطع إلى اليوم، تتمثل في "سرقة الكتب" من أجنحة المعرض من قبل طلبة الجامعة التونسية والشباب المحب للكتاب حتى أنّ الأمر بات مقلقًا بالنسبة للعارضين والناشرين والمكتبيين.
وقد طُرحت هذه القضية على أنظار اتحاد الناشرين التونسيين الذي قارب المسألة مقاربات قانونية واجتماعية وحاول الحد منها لكنها بقيت متواصلة.
ظاهرة غريبة برزت منذ الدورات الأولى لمعرض تونس الدولي للكتاب تتمثل في "سرقة الكتب" من أجنحة المعرض من قبل طلبة وشباب محب للمطالعة حتى أنّ الأمر بات مقلقًا للبعض
"الترا تونس" أبحر في هذا الموضوع محاولًا فهمه وسرد بعض قصصه:
عن طريق أحد الوسطاء من طلبة إحدى الكليات التونسية الشهيرة، جلسنا بمشربة معرض تونس الدولي للكتاب إلى أربعة طلبة من أقسام دراسية مختلفة: اللغة والآداب والحضارة العربية والتاريخ والفلسفة، سنذكرهم بأسماء مستعارة بطلب منهم، تجمعهم رغبة جامحة في "تأميم الكتب" على حد عبارة "أحمد" الذي استعار هذا المصطلح من حقوله الدلالية الإيديولوجية، موضحًا أنّ المعرفة لا تباع ولا تشترى ويجب أن تكون متاحة مجانًا لأنّها "مثل الهواء والماء" على حد عبارة العميد الأديب طه حسين.
وأضاف محدث "الترا تونس" أنّ الرأسمالية الفجة هي التي كرّست بيع المعرفة والكتابات الإبداعية ورفعت أسعارها وخلقت لها أسواقًا وأنشأت حولها صناعات تسمّى اليوم "الصناعات الثقافية والفنية"، وذلك حتى تحرم فقراء العالم من التنوير لأن التنوير من منظور فلسفة رأس المال هو الذي يجعل العقول تثور ويدعوها إلى التغيير.

"نحن نسرق الكتب باستحقاق"
أما "تميم" فأشار مباشرة إلى الغلاء الذي أصبح عليه الكتاب اليوم في تونس، مضيفًا أنه على الرّغم من الوضع الهشّ للكتاب في زمن "التسونامي الاتصالي" الذي يعيشه كوكب الأرض والمخاطر التي تهدد عملية النشر وصناعة الكتاب، فإنه لا يزال باهض الثمن.
ولفت في المقابل إلى أنّ طلبة الكليات هم الشريحة الأكثر إقبالًا على معرض الكتاب إلا أنها لا تجد اهتمامًا ومراعاةً من حيث التخفيضات الخاصة بالطلبة، ومن جهة التنقل للمعرض وأسعار المشربة وعدم تشريكهم في البرنامج الثقافي الموازي، معقّبًا: "كل هذا يشكّل إحساسًا بالضيم يحفزهم على الاستيلاء على الكتب"، حسب تعبيره.
طالب لـ"الترا تونس": أسعار الكتب مرتفعة جدًا وعلى الرغم من أنّ الطلبة هم أكثر شريحة تقصد معرض الكتاب فإنه لا تقع مراعاتهم من حيث التخفيضات، الأمر الذي يدفع البعض إلى السرقة
أما الطالب "سمير" فحدث "الترا تونس" عن التخطيط المسبق لـ"غزو المعرض" والعبارة له، مبينًا أنّ هذا الرباعي الطلابي يلتقي قبل انطلاق المعرض في فضاءات الكلية سواءً بالمكتبة أو الحديقة أو في المشربة فيحدد دور النشر المستهدفة والعناوين المطلوبة من ترجمات وروايات وكتب فكرية وكتب علمية وخصوصًا تلك التي ستساعدهم على البحث والدراسة.

وأضاف سمير أنّ زملاءهم الطلبة الذين لا يستطيعون عيش هذه المغامرة يقومون بتوصيتهم على عناوين بعينها مقابل خدمات لوجستية مثل النقل والطعام وشراء السجائر التي ستساعدهم على التحكم في التوتر، على حد قوله.
طالب لـ"الترا تونس": الرأسمالية الفجة هي التي كرّست بيع المعرفة والكتابات الإبداعية ورفعت أسعارها وخلقت لها أسواقًا حتى تحرم فقراء العالم من التنوير
ومن جانبه، أوضح الطالب "فيصل" أنّهم يتنقلون للمعرض بشكل شبه يومي وخصوصًا في أيام الذروة عندما يشتد الزحام في أجنحة دور النشر والعارضين، فيقضون الساعات الطوال على إيقاع عملياتهم النوعية من أجل سد رمق المعرفة والعلم، وتكون الانطلاقة من المشربة فيحددون الهدف الأول ويقسمون الأدوار ثم يتوجهون إليه بهدوء وسلاسة.
وتابع قائلًا: "البداية تكون بإلهاء صاحب دار النشر، أو المكلّف بتسيير شؤونها في المعرض، بتكثيف الأسئلة عليه حول عناوين مفقودة أو مناقشته بخصوص الأسعار أو محتوى كتاب، أما البقية فتهتم بالعناوين المطلوبة للقنص فتوضع بخفة داخل الملابس الفضفاضة التي يتم ارتداؤها خصيصًا للمعرض، ثم تنسحب المجموعة بنفس الهدوء ونفس السلاسة.
وتدخّل "أحمد" مرة أخرى موضحًا أنهم، في بعض الأحيان وخاصة في أيام الذروة، يتركون أحد زملائهم خارج قصر المعارض تكون مهمته تجميع الكتب "المؤمّمة " ثم يعودون غانمين، وتتم قسمتها فيما بينهم حسب الاتفاقات المسبقة.
ويروي "سمير" أنّه خلال دورة من الدورات الفارطة لمعرض تونس الدولي للكتاب وأثناء قيامه بعملية فردية في دار نشر لبنانية، تفطّن إليه صاحب الدار وقبض عليه وحمله إلى مركز الأمن لكنّه تمكّن من كسب تعاطف رجل الأمن الذي أخلى سبيله بعد إرجاعه الكتاب الذي "سرقه" واعتذاره من صاحب دار النشر.
وذكر "فيصل" أنّ بعض الطلبة، وخصوصًا الطالبات، يتم انتدابهم للاشتغال في الأجنحة طيلة المعرض من أجل السهر على مساعدة الناشرين والمكتبيين وتسهيل الاقتناء بالنسبة للزوار، مضيفًا: "أحيانًا تبتسم لنا الصدفة بأن تكون إحدى طالبات كليتنا من بين من يقع انتدابهن للعمل كمساعدات بدور النشر، فتفسح لنا المجال للقيام بمهمتنا "التأميمية"، حسب قوله.
طالب لـ"الترا تونس": نقوم بعملية "سرقة الكتب" خاصة في أيام الذروة حين يشتد الزحام بالمعرض وتتم العملية في شكل مجموعة، كل فرد منها يتكفّل بمهمة، بدءًا من التخطيط إلى إلهاء صاحب دار النشر ثم إخفاء الغنيمة والانسحاب تدريجيًا
ومن جهته يرى "أحمد" أنّ "سرقة الكتب" هي ظاهرة صحية في المجتمع التونسي بعيدًا عن التقييمات "الأخلاقوية" المنظور لها من زوايا فقهية ضيقة، على حد تعبيره.
هذه الظاهرة حاولنا تفسيرها مع المختص في علم الاجتماع الثقافي والباحث بالجامعة التونسية أيمن الرحموني الذي أكد أن المجتمع التونسي هو مجتمع متعلق بالمعرفة والعلم والأدب والفنون منذ القديم ويحج إلى كل التظاهرات ذات الصلة بذلك وخصوصًا معارض الكتاب التي تنتظم في مختلف الولايات، لكن يبقى معرض تونس الدولي للكتاب هو المحجة الكبرى تقطع إليه المسافات وفي ذلك إشارة إلى أن الكتاب له صيته الثابت.

باحث في علم الاجتماع: تاريخ معرض الكتاب حافل بظاهرة السرقة التي لا يقبلها العقل المجتمعي
وبخصوص ظاهرة سرقة الكتب من قبل الشباب الطلابي وأحيانًا من قبل المثقفين أنفسهم، أوضح الرحموني أنه يمكن تنزيلها في الهامش التجاري لهذه التظاهرة الثقافية، موضحًا أن دور النشر تضع ضمن موازناتها قسمًا للخسارة وتحدد لها نسبة لا تتجاوز 5% وبالتالي هم يتوقعون سرقات أو تلفًا ما أثناء الشحن أو التنقل إلى المعرض.
باحث في علم الاجتماع: العقل المجتمعي لا يقبل اللصوصية في تظاهرة ثقافية كمعرض الكتاب خاصة من منطلق أخلاقي، لكن هناك تفسيرات إيديولوجية تبرر سرقة الكتب
وبيّن الباحث أنه، في إطار قراءة تاريخ المعرض، نجد أنّ كل دورة تسجل قضايا في هذا الخصوص ومنها ما نشرته الصحف التونسية والعربية سواءً ما تعلق منها بشباب طلابي أو بأفراد يحملون صفات إبداعية، وهي في نهاية المطاف خطأ له جزاؤه في القانون التونسي.
وأشار محدثنا إلى أنّ العقل المجتمعي لا يقبل اللصوصية في تظاهرة ثقافية على غرار معرض تونس الدولي للكتاب، خاصة إذا عالجها ذهنيًا معالجةً أخلاقيةً، مضيفًا أن تفسيرات إيديولوجية تبرر عملية سرقة الكتب.
تبقى ظاهرة سرقة الكتب في معرض تونس الدولي للكتاب من الظواهر المثيرة والقديمة في علاقة بهذا الحدث الثقافي الرئيسي في تونس، والتي حان الوقت أن يتم تناولها في دراسة كمية وتحليلية متأنية من قبل المختصين حتى نفهمها ونفكك شيفراتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية ونبحث عن الحلول الممكنة من أجل معالجتها.
الكلمات المفتاحية

سجاجيد النجمة الزهراء.. عن المجموعة النادرة للبارون ديرلنجي
مجموعة السجاجيد والزرابي المعروضة في قصر النجمة الزهراء بسيدي بوسعيد، هي واحدة من مجموعات أخرى جمعها البارون ديرلنجي من أسفاره ورحلاته أو وصلت إليه عن طريق أصدقائه ويصل عددها إلى 2600 قطعة

كتاب "أجواد وأوغاد".. حفر بلاغي وعلمي في عتمات الهامش الاجتماعي التونسي
كتاب "أجواد وأوغاد" للباحث هيكل الحزقي يمكن اعتباره كتابًا متأنّيًا ومؤسسًا جادًا لفهوم مجتمعي تونسي ظل شريدًا في التاريخ الاجتماعي المديني

كروان الإذاعة التونسية عادل يوسف.. كنز صوتي وتراث جدير بالاعتناء والتوظيف
الذكاء الاصطناعي كفيل إذا وجد مدوّنة صوتية طويلة ممتدّة متنوعة للشحرور عادل يوسف، أمكن له جعل صوته أميل إلى الخلود

جربة جرجيس.. الوجهة السياحية الأولى في تونس
المندوب الجهوي للسياحة: المنطقة السياحية سجلت ارتفاعًا في أعداد الوافدين بنسبة 19.7% والليالي المقضاة بنسبة 15.7%

رصد المد الأحمر في سواحل المنستير.. وزارة الفلاحة تحذّر البحارة والمتساكنين
سبق أن طالب الأهالي ومختصون في الشأن البيئي والمناخي السلطات المعنية بالتحرك سريعًا لتفادي أي مخاطر ممكنة على صحة المتساكنين

النادي الإفريقي.. فوز قائمة محسن الطرابلسي في انتخابات الهيئة المديرة
فوز قائمة محسن الطرابلسي وهي القائمة الوحيدة المترشحة لعضوية ورئاسة الهيئة المديرة للنادي الإفريقي بعد حصولها على نسبة 92.28%من الأصوات

النهضة: الحكم بالسجن ضدّ الصحبي عتيق جائر وهو حكم سياسي جاهز
حركة النهضة تعتبر أن الحكم بالسجن لمدة 15 سنة ضد الصحبي عتيق ومنصف العمدوني هو "حكم سياسي جاهز وجائر"